زمن الكورونا

زمن الكورونا
د. هاشم غرايبه

تصادف أن اجتمعت ثلاثة كلاب على جيفة بقرة نافقة، أقواهم أراد ان يستأثر بها، رغم أنها تكفي لإطعام مائة، فظل طوال الوقت مشغولا بصد الآخرين عن الإقتراب منها، فلم يتمكن من قضم قطعة واحدة، بعد قليل جاء ضبعان، فهربت الكلاب الثلاثة من غير أن يطعم منها واحد.
هكذا يفعل الطمع.
لا يختلف اثنان على أن الإقتصاد العالمي قد تلقى ضربة قاصمة في ظل الوباء، لذا يرتفع عويل الإقتصاديين وندب السياسيين من القادم الأسوأ.
لو تجاوزنا حالة التوجيه التضليلي القائمة، وفكرنا بعقل محايد، لوجدنا هذا العالم لم يصنعه الإنسان ولم يهيئه، بل جاء إليه فوجده على هذه الصورة: مسخرا لنفعه ومهيئا لتلبية احتياجاته جميعا، وموارده تكفي الجميع وزيادة، مما يستوجب أن يعيش فيه البشر بتعاون وتصالح، بلا تنازع ولا تقاتل، لكننا لا نجد ذلك، بل نرى الأقوياء والأثرياء يقاتلون الفقراء والمعدمين لسلب لقمة عيشهم، لذا ساد الظلم وغاب العدل، وتعرض أغلب البشر لكثير من الشرور والظلم.
ولتجنب الجدل مع الذين لا يؤمنون بوجود الله، فلو افترضنا أنه لو كانت هنالك قوة أرادت أن تؤدب أشرار البشر على أفعالهم، فماذا كانت لتفعل أكثر من معاقبتهم بمنعهم من أساسيات العيش: أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف!.
وهذا عين ما حدث في جائحة الكورونا الأخيرة.
ولذا كان الوباء عاما طاما، فتعميم العقوبة حقق العدالة، وأنجز المساواة عندما أعاد الناس جميعهم، غنيهم وفقيرهم الى أساسيات الحياة، فاضطرارهم الى الإنعزال في بيوتهم، أعادهم من غفلتهم التي أوصلتهم إياها بهرجات الحضارة الغربية، الى أن كل ذلك يمكن الإستغناء عنه، ويبقى فقط الإهتمام بالمتطلبات الأساسية للكائن الحي وهي الطعام والأمان.
السؤال: لماذا يعاقب الله البشر.
لقد بين الله تعالى أنه لا يعاقب الكافرين والمشركين على كفرهم في الدنيا، بل جزاؤهم في الآخرة، لكنه يعجل العقوبة الدنيوية للظالمين لغيرهم، سواء كان الظالم أو المظلوم مسلما أم كافرا.
يقول تعالى في سورة البقرة: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ. فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ”.
يعتقد البسطاء أن تهديد الله تعالى لمن يخالفون أمره بترك الربا، بإعلان الحرب عليهم هو لغايات الوعظ والنصح ليس إلا، ويرون المرابين قد جمعوا الأموال ولم تقع لهم أية مصيبة، فيظنون أن الله غافل عنهم، أو أنه أجل عقابهم الى الآخرة.
عقاب الله للناس عادة ما يكون بلا مقدمات دالة على قرب وقوعه، ومن حيث لا يحتسبون مكانا وزمانا ونوعا، كما أنه لا يقع مخصصا بالظالمين فقط بل أيضا بمن وافقهم أو سكت على ظلمهم، ولم يعمل على منعهم باليد أو اللسان أو القلب “وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” [الأنفال:25].
كان من أوائل ظلم الناس للناس استغلال الأغنياء للفقراء، فاستعملوا أموالهم التي استخلفهم الله فيها وجعلها قوام حياة المجتمعات، استعملوها في استيلاد المال من المال (الربا)، بدلا من مشاريع تشغل الناس وتحرك الأسواق.
وكان اليهود أكثر من تعامل بالربا، وهم الذين اخترعوا البنوك، فأصبح النقد سلعة بدلا من أن يكون أداة مالية، ومنذ القرن التاسع عشر أصبح التعامل البنكي أهم عناصر الإقتصاد، وضغط (مثلث المال اليهودي) على الحكومات الأوروبية الواقعة تحت ضغط الحاجة الى المال بسبب الحروب المدمرة، فتأسست البنوك المركزية لتقنين الإحتكار المصرفي ومنع التنافس بين البنوك، لأجل بقاء فوائد الإقراض عند حدود مرتفعة، وهكذا أصبح التعامل الربوي رسميا أساس الإقتصاد.
لقد ثبت لكل خبراء الإقتصاد حجم الضرر الذي حققه الربا، لذلك فهم يعلمون أن أية معالجة لكل مشكلات الإقتصاد، قديمها وحديثها تنصب على تقليل فوائد الإقراض، وعندما يريدون حلا فوريا كانوا يجعلون الفائدة صفرا!.
ماذا يعني ذلك؟
إنه اعتراف بأن الفوائد مهما ضؤلت فهي سبب المشكلة.
جاءت جائحة الكورونا، لكننا لاحظنا على أنها لم تقتل الناس بل قتلت الإقتصاد.
الآن كل خبراء الإقتصاد انتبهوا الى أن ما فعلته الجائحة كان عقوبة اقتصادية عامة، وسوف تظهر النتائج قريبا، ولن يفلت من المصاعب الإقتصادية أحد، لأن أحدا لم يتق حرب الله على الربا.
الطامعون دائما يخسرون.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى