زمن الكورونا (2/2)

زمن الكورونا (2/2)
د. هاشم غرايبه

فرضية التآمر لنشر وباء الكورونا أمر بعيد التصديق، لأن نشر وباء لمحاربة عدو تصرف انتحاري أحمق، بعد ان جعلت العولمة العالم متصلا ببعضه بشكل وثيق، لذلك فتصنيع الأسلحة الجرثومية شديدة العدوى، ما هو إلا لغايات الردع، لأنه لا يمكن تحديد استعمالاتها موضعيا.
لفهم بعض الغموض في قصة الكورونا، يجب أن نستحضر مراحل تشكل خريطة القوى الدولية.
طوال الحقب التاريخية الماضية ظلت الأمم الأوروبية، إقطاعيات يسوقها الطمع، يتقاتل الزعماء فيما بينهم للإستئثار بالخيرات، أما الشعوب فهي أقنان وقت السلم، تشتغل بالزراعة لتقوية الإقطاعي سيدها، وعندما يصبح لديه فائض من الثروة، يستثمرها في تسليح أقنانه ليصبحوا جنودا يقاتلون لتوسيع حدود دوقيته.
بعد تشكل الدول القومية التي بدأت باتحاد دوقيات الإغريق وفيما بعد الرومان، توجهوا بفائض قوتهم الى الجيران الآسيويين في الشرق، فاحتل البيزنطيون آسيا الصغري (تركيا حاليا) عشرة قرون، ثم مناطق شرق وشمال البحر المتوسط.
بعد اكتشاف أمريكا، توجه إليها عتاة الطامعين وأشرس المغامرين الأوروبيين، أبادوا سكانها الأصليين، وسريعا ما شكلوا باستغلال العبيد الأفارقة قوة نديدة لأوروبا الأم، استغلت ويلات التقاتل الأوروبي في الحربين العالميتين لتسود وتقود، ورضخت أوروبا لتصبح تابعة لها لا تقوى على مخالفتها.
المتمرد الوحيد كان المعسكر الشيوعي في أوروبا الشرقية، وكان مرشحا للمنافسة لولا اتباعه منهجا غير متوافق مع الفطرة البشرية، ففشل وانسحب لينضم الى المنقادين الأوروبيين.
هكذا تكونت قوة همجية وحيدة تقود العالم، تسيرها المصالح، ولأنها لا تملك منهجا فكريا إنسانيا (عماد الحضارة)، فقد وجدت في فكرة المسيحية الصهيونية ضالتها، لأنها تسوغ لها الأطماع في الشرق العربي، الموروثة (من الجذور الأوروبية).
ولما كانت فكرة هذا المعتقد مبنية على خرافة نسجتها عقول اليهود الذين غضب الله عليهم فشردهم في الأرض، وقوامها بناء الهيكل لاستعجال نزول المسيح (اليهودي) الذي سيعيد سيادة اليهود فوق البشر، ولكون هذه الفكرة ممولة من مثلث المال اليهودي الأغنى، فقد وقع ساسة الأمريكان بين براثنهم، فكانت قراراتهم متخبطة حائرة بين نفوذ المال والإعلام لهذا المثلث، وبين متطلبات الطبيعة الأمريكية المغامرة، التي لا تقيم للمبادئ وزنا مقابل المصالح (البراغماتية).
لذلك كانت تصرفات الإدارة الأمريكية تخلو من الحكمة السياسية، ويرى فيها الأوروبيون الأعرق سياسيا نوعا من المراهقة وقصر النظر، لكن لم تتوفر لديهم القدرة على التأثير العقلاني، فتنافسوا على الانسياق وراءها خوفا من الحرمان.
ذلك يفسر التحالف العسكري بحملة صليبية قادته أمريكا ضد العالم الإسلامي زمن بوش، تحت عنوان ازالة أسلحة الدمار الشامل، واستهدفت فيه العراق بصفته القوة الواعدة المهددة للكيان اللقيط، واضطر فيه للمجازفة بكشف عملائه العرب، سواء الذين يدّعون القومية أو الممانعة او الإسلام، فشاركوا علنا في التحالف الثلاثيني لتدمير العراق، ثم شاركوا مرة أخرى في الحملة الصليبية التالية التي قادها ابنه تحت عنوان محاربة الإرهاب الإسلامي.
هنا نصل الى قصة الكورونا عام 2020 ، التي لا شك أنها فاجأت الجميع، وأنا مقتنع برواية الباحثين الفرنسيين التي أوردتها في بداية الحديث عن الجائحة، عن أن أصل الوباء بسبب خطأ بشري جرى في المعهد الفرنسي في “ووهان”، الذي يعمل سرا لتطوير الأسلحة الجرثومية تحت ستار الأبحاث لتطوير لقاح لفيروس “سارس”.
طبعا لا يمكن لفرنسا ولا الصين الإعتراف لأن ذلك سيرتب عليهما المسؤولية والتعويض الباهظ، وسيغطي حلف الناتو على فرنسا لأن ابحاثها لصالحه، لذلك أراد “ترامب” أن يحمل الصين وحدها المسؤولية، انتقاما من منافستهاالخطيرة للصناعة الغربية عموما، وأراد من منظمة الصحة العالمية تغطية قانونية، فلم تتمكن من ذلك، لكن مجاملة لترامب فقد أصدرت تقريرا تعتبر فيه الكيان اللقيط هو الأنجح عالميا بمكافحة الوباء، وذلك لتسهيل اندلاق الأنظمة الخليجية المتشوقة لإشهار علاقتها التطبيعية معه تحت ذريعة التعاون لمحاربة الكورونا، بعد فشل ذريعة التعاون ضد الخطر الإيراني، لكن ذلك لم يكف جشع ترامب فعاقبها بقطع المساهمة الأمريكية.
الرأسمالية تستغل كل شيء لتحقيق الأرباح، وكان تضخيم الخطر بهدف تسويق اللقاح المرجو، لكن ذلك لم يتحقق للآن، بل انقلبت الأمور الى ركود اقتصادي خطير يهدد استثمارات المثلث المشؤوم بالكساد المهلك..لذلك توقفت فجأة الدعايات المروعة وتم تخفيف الحظر والتوجه الى إعادة الأمور الى طبيعتها، رغم أنه لم يكتشف علاج ولم يتحقق انحسار.
هكذا نتيقن أنه في هذا العالم المحكوم من قبل قوة جشعة لا تحكمها مبادئ الحق والعدالة، بل مصالحها، تدعى بالنظام العالمي الجديد سيبقى البشر ألعوبة في أيديهم، لأن أمنهم وحياتهم لا قيمة لها أمام أرباحهم.
وإذا ما بقي الناس معرضين عن ذكر الله، ولم يحتكموا الى الشرع الإلهي العادل، فستظل معيشتهم نكدا، ينتقلون من مصيبة الى كارثة الى جائحة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى