زمن الأصنام !

زمن الأصنام!
م. عبد الكريم أبو زنيمة

في الوقت الذي تتنافس فيه الدول الحضارية وشعوبها على امتلاك المعرفة والإدارة وتسخيرهما بما يخدم رفاهية شعوبها، نجد أنَّ عالمنا العربي لا زال يجتر أُلوهية هُبل واللات والعزى ومناة والجهل والحقد والكراهية والتبعية؛ مع فارقٍ بسيط وهو أنَّ قريش كانت تصنع أصنامها وتأكلها حينما تجوع، لكن أصنام وطننا العربي وما أكثرها تأتينا مُصنّعة ومغلفة وتأكلنا هي جائعة كانت أم متخمة وما علينا إلا الدعاء لها بالسلامة وطول العمر!
الشعوب غير العابدة للأصنام تبني حاضرها ومستقبلها عبر تشكل تكتلات اقتصادية أو بناء وحدات جغرافية مختلفة المذاهب والأديان واللغات والعادات والأعراق وعالمنا العربي يهدم ما هو قائم ويستحضر حروب داحس والغبراء ويستنهض الهمم للانتقام لناقة البسوس ولا زالت المصاحف تُرفع على رؤوس الرماح لإحقاق الباطل وإبطال الحق، ولا زال الآمرون بالمنكر والناهون عن المعروف يزينون لنا وسامة وأناقة أصنامنا وضخامة بطونها وطول أياديها آمرينا أن نكون قرابينها لنهنئ بعيشنا ونبني مستقبلنا المظلم!
ما كانت دويلة الكيان الصهيوني لتعيش وتكبر وتتمدد لولا رعاية هؤلاء الأصنام لها وما كان ترامب وغيرة ليتجرأ على تحقيرهم لولا معرفته المسبقة بأنَّ الأصنام شأنها شأن سائر الجماد لا تنطق ولا تتكلم وبذلك هو يمعن في الاستهزاء بهم وإذلالهم وجعل من تصغيرهم مادته الإعلامية المفضلة لكسب الفترة الرئاسية الثانية انتخابياً، وما كانت إسرائيل لتكون موجودة اليوم لولا بطولاتهم وإمعانهم في تمزيق خارطة الوطن العربي؛ ففي أقصى الغرب يثيرون قضية الصحراء الغربية، وفي الجزائر قضية الأمازيغ وفي ليبيا دمار لم يندمل وانقسام يلوح في الأُفق وفي مصر حروب الإرهاب والفتن الدينية، بالإضافة لتطويقهم عنق مصر بحبل مشنقة يُدعى “سد النهضة”، وفي النصف المتبقي من السودان حروب وصراعات داخلية، ولبنان أغرقوها بالحروب الأهلية ، وفي سوريا حروب طاحنة وخراب، وفي العراق متعدد الدول صراعات وحروب دينية ومذهبية وعرقية، وفي الأردن نكبة اقتصادية ومجاعة وتهديدات وأطماع صهيونية، وفي اليمن حروب مُرّكبة ومذابح وأمراض ومجاعات تفتك بأهله، أما فلسطين الدم والشهداء.. فلسطين درة الشرق ومهد الرسالات السماوية ومجمع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام؛ فها هم يزينونها لتقديمها صاغرين كأجمل هدية للغزاة الصهاينة بالوقت الذي ينتحبون فيه على الإسلام في الصين وأفغانستان والبوسنة!
لن يكون هناك مستقبل للشعوب العربية ما لم تحرر نفسها من الخوف والرعب الذي سكنها عبر عقود من الاضطهاد وكبت الحريات وتكميم الأفواه وما لم تتخلص من عبادة الأصنام، زمن القرون الوسطى قد ولى ولم يعد مقبولاً أن يتحكم فرد أو مجموعة بمصير شعبٍ بأكمله، اليوم شعوب العالم المتقدم هي من تفرز قادتها وتقرر مصيرها؛ فعهد الوصاية أصبح من مخلفات الماضي الأسود، عندما تتحرر الشعوب لن يكون لهؤلاء العابثين بالأمن القومي العربي والمتواطئين مع المشروع الامبروصهيوني أي دور، وستلفظهم شعوبهم كما تلفظ الأمواج الجيف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى