
#ريادة_الأعمال من فكرة جامعية إلى #محرك_اقتصادي
الأستاذ الدكتور #أمجد_الفاهوم
في كل مرة نلتقي فيها شابًا أردنيًا يحمل فكرة جديدة، ندرك أننا أمام طاقة قادرة على صناعة مستقبل مختلف، لأن ريادة الأعمال لم تعد مجرد قطاع اقتصادي تقليدي، بل أصبحت أسلوب حياة وفكرًا متجددًا يفتح الأبواب أمام الإبداع، ويمنح الشباب فرصة حقيقية ليكونوا شركاء فاعلين في بناء وطنهم. فالعالم اليوم يتجه نحو اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار، ولم يعد النجاح مرهونًا برأس المال فقط، بل بالعقول التي تبتكر وتحوّل الأفكار إلى مشاريع مؤثرة.
وقد أثبتت التجارب الأردنية أن الفكرة الصغيرة قد تكون الشرارة التي تضيء مستقبلًا واسعًا. فـ”مكتوب” بدأ كمشروع محلي في عمّان، ثم استحوذت عليه شركة “ياهو” العالمية، ليصبح أحد أبرز الأمثلة على التحول من فكرة بسيطة إلى قصة نجاح كبرى. أما “أرامكس” فقد خرجت من حلم محلي لتصبح شركة لوجستية عابرة للقارات. وفي السنوات الأخيرة ظهرت نماذج حديثة مثل “موضوع” الذي أصبح المرجع العربي الأول على الإنترنت، و”Jobedu” التي حوّلت التصميم إلى علامة تجارية شبابية مؤثرة في المنطقة، و”Bilforon” الذي غيّر تجربة الطلب من المطاعم بأسلوب عصري وسهل. هذه المشاريع لم تولد في بيئات مثالية، لكنها انطلقت من إصرار شباب جلسوا يومًا على المقاعد الجامعية نفسها، وآمنوا أن أفكارهم قادرة على التغيير.
من هنا، تبدو الحاجة ملحة إلى إعادة النظر في مفهوم مشاريع التخرج الجامعية، بحيث تتحول من مجرد متطلبات أكاديمية إلى نماذج أولية لمشاريع قابلة للتطبيق. على الطالب أن يتعامل مع دراسته كمنصة لإطلاق فكرته الخاصة بدل انتظار وظيفة قد لا تأتي. وفي المقابل، تستطيع الجامعات أن تؤدي دور الحاضنة الأولى، عبر توفير مساحات للإبداع، ومراكز لدعم الابتكار، وبرامج تربط بين الطلاب وسوق العمل. أما الحكومة فهي قادرة على تسهيل الإجراءات وتبسيط التشريعات التي تعيق نمو الشركات الناشئة، في حين يمكن للقطاع الخاص أن يحول هذه الأفكار إلى منتجات وخدمات حقيقية، والمستثمرون على استعداد لتمويل المشاريع التي تثبت جدواها.
ولا تتوقف أهمية ريادة الأعمال عند حدود خلق فرص عمل جديدة، بل تمتد لتشمل دعم مشاركة المرأة في الاقتصاد، وتعزيز الشمول المالي، ونشر التنمية في المحافظات بدل تركّزها في العاصمة وحدها. كما أنها تمنح الشباب دورًا أكبر من مجرد باحثين عن وظائف حكومية أو تقليدية، ليتحولوا إلى شركاء في صنع المستقبل. إن الاستثمار في الأفكار الريادية هو في حقيقته استثمار في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، لأنه يفتح آفاقًا واسعة للتنمية ويحوّل الطاقات المعطّلة إلى قوى منتجة.
لقد أثبتت التجارب أن كل فكرة صغيرة تحمل في داخلها إمكانية التحول إلى مشروع كبير، وأن كل مشروع ناشئ قادر على أن يضيف لبنة جديدة في مسيرة الأردن نحو التقدم. لذلك، من المهم أن تكون مقاعد الدراسة نقطة الانطلاق، وأن تتحول مشاريع التخرج إلى بذور لشركات ناشئة، وأن تُطلق طاقات الشباب لتكون الوقود الذي يحرك اقتصاد الغد.
فمن يزرع فكرة اليوم، سيحصد مؤسسة الغد، ومن يؤمن بقدراته سيكتب اسمه في سجل النجاح والتميز، ليكون جزءًا من قصة وطنية تُثبت أن الاستثمار في الإنسان وفي إبداعاته هو الطريق الأمثل لبناء اقتصاد قوي ومستدام.