في نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أطلقت منظمة الأبحاث “أوبن إيه آي” (OpenAI) نسخة تجريبية أولى لبرنامج ” #شات_جي_بي_تي” ( ChatGPT# )، وهو #روبوت_محادثة أو “شات بوت” (Chatbot) جديد يعتمد على #الذكاء_الاصطناعي لإجراء #محادثات مع #البشر، وبمجرد تجربته انطلق الروبوت الجديد في رحلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة على منصة تويتر، حيث ذكر سام ألتمان، الرئيس التنفيذي للمنظمة، أن مليون مستخدم جربوا الروبوت الجديد في غضون أسبوع واحد من إطلاقه.
ChatGPT launched on wednesday. today it crossed 1 million users!
— Sam Altman (@sama) December 5, 2022
منظمة “أوبن إيه آي” هي نفسها التي أطلقت في وقت سابق برنامج “دال-إي” (Dall-E)، الذي يُحوِّل كلمات المستخدمين إلى صور وتصميمات فنية إبداعية باستخدام الذكاء الاصطناعي، وكانت قد ظهرت عام 2015 بتمويل من بعض أبرز مليارديرات وادي السيليكون، أشهرهم إيلون ماسك الذي استقال بعدها بثلاثة أعوام من إدارة الشركة، بهدف إنشاء منظمة غير ربحية تركز على تطوير الذكاء الاصطناعي. (1)
وعلى مدار الأيام الماضية، انتشرت المئات من لقطات الشاشة (Screenshots) لنقاشات مع روبوت المحادثات “شات جي بي تي” على منصة تويتر وهو يتحدث في كل المواضيع تقريبا، وكثير من المستخدمين الأوائل اندهشوا لما وصلت إليه قدراته على #النقاش وإجابة الأسئلة والكتابة، حتى إنه كتب أبياتا من الشعر ومقالات دراسية وبعض النكات، لدرجة أن البعض اعتبره كما لو كان مزيجا من البرمجيات والسحر!
على مدار العقد الماضي، كانت معظم تجارب روبوتات المحادثة تفشل غالبا، ولم تكن مثيرة للإعجاب إلا إذا اخترت أفضل الردود الخاصة بالروبوت وتخلصت من البقية. وفي السنوات الأخيرة، ظهرت بعض برمجيات الذكاء الاصطناعي التي نجحت في مهام محددة، مثل كتابة المحتوى التسويقي، لكن في الأغلب تقتصر على هذه المهمة فحسب، ولا يمكنها إضافة أي شيء جديد خارج النطاق المحدد لها. لكن روبوت المحادثة “شات جي بي تي” يبدو مختلفا، وربما أذكى وأغرب وأكثر مرونة من الروبوتات السابقة.
الهدف من مشروع روبوت “شات جي بي تي” هو محاولة جعل التحدث باستخدام الذكاء الاصطناعي يبدو أكثر سلاسة وطبيعية، تماما مثلما تبدو المحادثات بين البشر. يمكن للمستخدمين طرح أسئلتهم على الروبوت، وسيُجيبهم عن تلك الأسئلة بجمل كاملة، في محاولة لتقليد إيقاع المحادثة الطبيعية مع شخص حقيقي. لكن المنظمة تحذر باستمرار بأن الإجابات ليست دائما صحيحة أو مناسبة. (2)
تكمن فلسفة المنظمة في إطلاق هذه النماذج الأولية لعامة المستخدمين، وقبل وضع كل حواجز الحماية، في أملها أن تساعد تعليقات وملاحظات وتقييمات المستخدمين في الوصول إلى المشكلات ومعالجتها بناء على تفاعل الروبوت داخل العالم الحقيقي، وهو ما يبدو أنه يحدث بالفعل. ففي حين أن العديد من لقطات المحادثات مع الروبوت التي انتشرت على تويتر كانت عبارة عن محادثات غريبة ومثيرة، فإن المستخدمين وجدوا كذلك تطبيقات مفيدة لتلك المحادثات، إذ يرى البعض أنه أول روبوت محادثة ممتع بما يكفي للتحدث معه، ومفيد بما يكفي لتطلب منه المعلومات، كما يمكنه أن يشارك في النقاشات الفلسفية ويساعد في الأمور العملية، فمثلا يبدو أن الروبوت يمكنه مساعدة المبرمجين على اكتشاف وإصلاح الأخطاء في الأكواد البرمجية الخاصة بهم، كما طلب منه الكثيرون كتابة كود برمجي بلغات مثل لغة بايثون.
ChatGPT could be a good debugging companion; it not only explains the bug but fixes it and explain the fix 🤯 pic.twitter.com/5x9n66pVqj
— Amjad Masad ⠕ (@amasad) November 30, 2022
يمكن للروبوت أيضا أن يشرح مصطلحات أو مفاهيم علمية معقدة بطريقة مبسطة لطفل صغير، كما يبدو أيضا أنه جيد في الإجابة عن الأسئلة التحليلية ذات النهايات المفتوحة التي تظهر غالبا في الواجبات الدراسية، ولهذا طلب منه المستخدمون كتابة مقالات تصلح للدراسة عن مواضيع محددة وكانت النتيجة باهرة، حتى إن بعض الكُتَّاب توقعوا انتهاء المقالات الدراسية بشكلها الحالي بسبب تقنيات الذكاء الاصطناعي. (3)
I guess GPT-3 is old news, but playing with OpenAI’s new chatbot is mindblowing. https://t.co/so1TuXMQB0
— Corry Wang (@corry_wang) December 1, 2022
We’re witnessing the death of the college essay in realtime. Here’s the response to a prompt from one of my 200-level history classes at Amherst
Solid A- work in 10 seconds pic.twitter.com/z1KPxiAc1O
التعلم من البشر!
التقنية التي تدعم روبوت المحادثة ليست جديدة بالكامل، فهو يعتمد على مولّد النصوص “GPT-3.5″، النسخة الحديثة من إصدار “GPT-3” الذي أثار موجة من الدهشة أيضا عندما طرحته منظمة “أوبن إيه آي” في عام 2020. (4) تُعَدُّ المنظمة من بين العديد من الشركات والمختبرات الأكاديمية والباحثين المستقلين الذين يعملون منذ سنوات على إنشاء روبوتات محادثة أكثر تطورا. لا تستطيع تلك الأنظمة التحدث تماما مثل البشر بالتأكيد، لكنها غالبا ما تبدو كذلك، أو لعل هذا هو الهدف منها مستقبلا، حتى إن البعض يتوقع أنها سوف تستبدل محركات البحث التقليدية التي نعرفها مثل غوغل وغيره.
غوغل نفسها تعمل مؤخرا على نظامها الخاص بالمحادثة، الذي يُعرف باسم “لامدا” (LaMDA)، وكان هذا النظام قد أثار جدلا كبيرا شهر يونيو/حزيران الماضي بعدما ادّعى أحد مهندسي الشركة أن الذكاء الاصطناعي الذي يتحدث معه امتلك وعيا بشريا، بالطبع لم يكن الأمر كذلك، لكنه استحوذ على خيال الجمهور رغم أن غوغل لم تُطلق هذا النظام للتجربة العامة. (5)
في عام 2018، بدأ الباحثون في غوغل ومختبرات مثل “أوبن إيه آي” في تصميم شبكات عصبية تحلل كميات هائلة من النصوص الرقمية، بما في ذلك الكتب ومقالات ويكيبيديا والأخبار وسجلات الدردشة على الإنترنت، وهو ما يُعرف باسم “نماذج اللغة الكبيرة”، وعبر تحديد المليارات من الأنماط المميزة في الطريقة التي يربط بها الأشخاص الكلمات والأرقام والرموز، تتعلم تلك الأنظمة إنشاء النصوص وتوليد الردود بمفردها. (6)
من هذه الناحية، تُعَدُّ روبوتات المحادثة بالأساس “نماذج لغوية كبيرة”، وهي تستخدم الخوارزميات لتحليل مجموعة ضخمة من النصوص التي تجمعها من تلك المصادر على الإنترنت، للإجابة عن طلبات المستخدمين بلغة يمكن أن تبدو بشرية. لكن معظم روبوتات المحادثة لا تملك ذاكرة وليست مبرمجة على التذكر أو التعلم من المحادثات السابقة، بمعنى أنها تتعامل مع كل طلب جديد على أنه صفحة جديدة تماما، وهذا تحديدا ما يميز روبوت “شات جي بي تي” عن غيره.
يتذكر الروبوت الجديد ما قاله المستخدم سابقا، لأنه يعتمد على إحدى تقنيات تعلم الآلة التي تُعرف باسم “التعلم المُعزّز من ردود الفعل البشرية” (Reinforcement Learning from Human Feedback)، وهي تقنية تسمح للبرمجيّات بالتعلم عبر تعليقات وتقييمات البشر. (7) بعد أن يختبر الشخص الروبوت يطلب منه تقييم ردوده: هل كانت مقنعة أو مفيدة أو صحيحة؟ بعدها باستخدام تقنية التعلم المُعزّز يستفيد الروبوت من تلك التقييمات لصقل نظامه وتحديد ما سيفعله وما لن يفعله بحذر أكبر.
وبصورة مبسطة يمكننا توصيف روبوت “شات جي بي تي” بأنه نظام ذكاء اصطناعي تدرب على التعرف على الأنماط من قطاعات هائلة وضخمة من النصوص المأخوذة من الإنترنت، ثم تدرب أكثر بمساعدة بشرية ليقدم محادثة أفضل وحوارا أكثر فائدة مع البشر. قد تبدو الإجابات التي تحصل عليها مقنعة وحتى موثوقة، لكنها قد تكون إجابات خاطئة تماما، وهو ما تحذر منه منظمة “أوبن إيه آي” فعلا.
نقاط عمياء لشات جي بي تي!
ينبهنا ذلك إلى أن روبوت المحادثة الجديد ليس مثاليا بأي حال من الأحوال، كما يظهر للوهلة الأولى، لأن الطريقة التي يعمل بها ويولد بها الإجابات تجعله غالبا عُرضة لتقديم إجابات خاطئة، حتى في مسائل حسابية تبدو بسيطة للبشر. ففي الخامس من ديسمبر/كانون الأول، قام مشرفو موقع “Stack Overflow”، وهو من أشهر المواقع التي تجمع المبرمجين عالميا، بمنع المستخدمين من مشاركة الردود التي أنتجها روبوت المحادثة “شات جي بي تي”، وأوضحوا أن الروبوت يجعل من السهل جدا على المستخدمين إعطاء إجابات جاهزة وسريعة وإغراق الموقع بها، التي قد تبدو صحيحة للوهلة الأولى ولكنها غالبا ما تكون خاطئة عند فحصها بصورة دقيقة. (8)
وعلى عكس غوغل، لا يملك روبوت “شات جي بي تي” القدرة على الزحف إلى مواقع الإنترنت المختلفة للحصول على معلومات حول الأحداث الجارية، ومعرفته مقصورة على الأشياء التي تعلمها سابقا (قبل عام 2021) مما يجعل بعض إجاباته تبدو قديمة، حتى إن سام ألتمان ذكر في تغريدة على حسابه على تويتر محذرا أن قدرات الروبوت محدودة جدا، ومن الخطأ الاعتماد عليها في أي شيء مهم في الوقت الحالي.
ChatGPT is incredibly limited, but good enough at some things to create a misleading impression of greatness.
— Sam Altman (@sama) December 11, 2022
it's a mistake to be relying on it for anything important right now. it’s a preview of progress; we have lots of work to do on robustness and truthfulness.
ولإضفاء مسحة من الأمان على استخدامه، تمت برمجة الروبوت على رفض “الطلبات غير الملائمة” بصورة افتراضية، مثل إعطاء إجابات للأنشطة غير القانونية، لكن المستخدمين وجدوا طرقا لتخطي العديد من هذه الحواجز، بما في ذلك إعادة صياغة طلب للحصول على إجابات لنشاط غير مشروع كتجربة فكرية نظرية، أو مطالبته بكتابة مشهد من مسرحية يتضمن هذا النشاط، أو حتى توجيه الروبوت لتعطيل مزايا الأمان الخاصة به.
يُفترض أن تقييم تلك النقاط العمياء في برمجة الروبوت ومعرفة كيف يمكن إساءة استخدامها لأغراض غير قانونية أو ضارة هو جزء أساسي من أهداف قيام منظمة “أوبن إيه آي” بإصدار نسخة الروبوت للجمهور العام من أجل الاختبار، وغالبا ستغلق الإصدارات المستقبلية مثل هذه الثغرات، بالإضافة إلى الثغرات الأخرى التي لم تكتشفها بعد.
الذكاء الاصطناعي للعامة!
في حين أن وجود روبوت لغوي بهذه الكفاءة العالية قد يكون أمرا معتادا بالنسبة لباحثي مجال الذكاء الاصطناعي، فإنها المرة الأولى تقريبا التي تتوفر مثل تلك الأداة القوية لعامة الناس عبر واجهة تصفح مجانية وسهلة الاستخدام. لأن كل ما تحتاج إليه هو إنشاء حساب على الموقع والبدء في استخدام وتجربة الروبوت الجديد، لكن مع ملاحظة أن خدمات منظمة “أوبن إيه آي” لم تصل إلى كل الدول العربية حتى الآن.
تظهر الديناميكية نفسها تقريبا في انتشار مولدات الصور بالذكاء الاصطناعي. مرة أخرى، تلك الأنظمة كانت قيد التطوير على مدار سنوات، ولكن الوصول إليها لم يكن ممكنا. لكن هذا العام، سمحت أنظمة مثل “ميدجيرني” (Midjourney) و”ستيبل ديفيوجن” (Stable Diffusion) لأي شخص باستخدام تلك التقنية مجانا وبسهولة، وفجأة أصبح فن ولوحات الذكاء الاصطناعي في كل مكان على الإنترنت.
بالتزامن مع ذلك تقريبا، ظهر تطبيق “LensaAI”، وهو تطبيق للتعديل على الصور بالذكاء الاصطناعي على أجهزة آيفون وأندرويد، الذي أصبح الفنان الجديد المفضل لدى الجميع خلال الفترة الأخيرة. ولهذا ستجد أن العديد من الأشخاص في صورهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي يبدون فجأة كأبطال مسلسلات الأنيمي أو كلوحات فنية زيتية. ويستخدم هذا التطبيق أيضا تقنية تُدعى “Stable diffusion” من الشركة الناشئة لتوليد الصور “Stability AI”، ويحول الصور التي تقدمها له إلى لوحات فنية. (9)
تلك المنتجات لا تخبرنا فقط عن مدى التطور الذي بلغته تقنيات الذكاء الاصطناعي، لكنها تُثبت أن استخدام هذه التقنيات أصبح متاحا للعامة وغير المتخصصين، وأنه لم يعد مقتصرا على المعامل والشركات الكبرى فقط، وهو ما يمكن أن يغير حياتنا في المستقبل، بشكل لم يكن لأحد أن يتخيله قبل سنوات.
_________________________________
المصادر:
- (1) Introducing OpenAI
- (2) ChatGPT: Optimizing Language Models for Dialogue
- (3) The College Essay Is Dead
- (4) Meet GPT-3. It Has Learned to Code (and Blog and Argue)
- (5) من غرفة الصين لرؤية الخفافيش للعالم.. هل طورت غوغل روبوتا واعيا مثلنا؟
- (6) Finally, a Machine That Can Finish Your Sentence
- (7) ChatGPT: Optimizing Language Models for Dialogue
- (8) Temporary policy: ChatGPT is banned
- (9) Stable Diffusion Public Release