رواية وجوه و اقنعة…الجزء الرابع

رواية #وجوه_واقنعة…الجزء الرابع
بقلم #فراس_الور
وقفت نجوى فياض تنظر بصدمة كبيرة الى ما حل بساحة من ساحات الجامعة، كانت بحقيقتها متنزه كبير محاط بثلاثة كليات و مبنى باخوس الذي شهد المواجهات الساخنة منذ ساعتين، و كانت عبارة عن ملاذ للطلاب ليقضوا بعض الوقت بين المحاضرات مع بعض، كانت مليئة بالمقاعد الخشبية و بعض احواض الورود فكانت مهيئة لإستعاب مئتي طالب للتنزه باللحظة الواحدة، كان بالقرب منها مبنى يضم كافيتريا تتسع لعدد كبير من الطلاب حيث تُقَدًمْ الشطائر المتنوعة و المشروبات الساخة و الباردة، و كان بالقرب منها مكتبة كبيرة للكتب الورقية اصَرًتْ الجامعة على توفيرها رغم انتشار التابلت و الهواتف الذكية، فكانت تريد احياء تراث و عادة المطالعة من خلالها…

و لكن فجأة شعرت نجوى بغربة شديدة عن المكان، فلم يشبه ما كان عليه قبل صلاة الظهر بمسجد الجامعة، كانت بقع الدماء تملأ الأرض و احواض التراب و المقاعد الخشبية، حتى كانت هنالك مقاعد مكسورة و منثورة اجزائها في كل مكان، كان الحجر الوردي و الطوب الذي زين اطراف الأحواض الارضية يملأ الأرض فأزالوه الطلاب اثناء المواجهات و حذفوا رجال الدرك به، رأت المذبحة من نافذة كلية فنون المسرح و الدراما فلم تكن تصدق ماذا كان يجري بالجامعة، بعد عدة انذارات من قبل الدرك بضرورة فض المظاهرة اعطى احد القادة الضوء الأخضر للجنود فانقضوا على الطلاب من دون رحمة وضربوهم بالرهوات، تهجم عدد على شرطة الدرك و اصابوا بعضهم بجروح بالغة و لكن سرعان ما سيطر الأمن على الأشتباكات و فرقوا الطلاب الى انحاء مختفلة من الجامعة، رأت الشرطة و هي تقيد عددا من الطلبة و تقتادهم الى سياراتهم المدرعة، فتيقنت انهم ربما من كانوا يقودون الطلاب على مكبرات الصوت بالمظاهرة، نزلت الى المكان بعد انتهاء المواجهات بربع ساعة حينما شعرت ان الأمن قد عاد الى المكان، كانوا جنود الدرك منتشرون مع سياراتهم في ارجاء مختلفة من الجامعة، كان هنالك ضابط برتبة نقيب يكلم زميل له حينما انطلقت منها رغما عنها شهقة بكاء عالية، التفت اليها و راقبها و هي تركع بمنتصف المتنزه و تتمتم بعض الكلمات الغير مفهومة له،

اخذت نجوى و الدمع يسيل من عينيها بمرارة بعض من بقايا بقعة دماء عن الارض و دهنت وجنتيها بها ، بكت لبضعة ثوان ثم نهضت من مكانها، رأت سيل من الدماء يتجه نحو حوض من الورود المكسورة فتتبعته الى ان توقفت عند ما تبقى من سوره الوردي، اخذت حفنة من تربته المخضبة بالدماء و مسحة رأسها به، ركعت عند حوض الورود تتأمل ما تبقى منه فكانت وروده بالأمس مشرقة و بهية الطلة، انطلقت شهقات بكاء من صميم قلبها و قالت بين ثنايا انفاسها المتقطعة “كنا نريد عرض مسرحية فقط…” اقترب منها النقيب مترقبا لحالتها الحزينة و توقف على مقربة منها، اخذت نجوى مسحة من دماء كانت على الأرض على مقربة منها و خلطتها بتراب الحوض و مسحة شعرها بها…رددت نجوى مرة آخرى “كنا سنعرض مسرحية و كان الجميع مدعوا لها…ماذا حدث؟”
قال لها النقيب فؤاد عبدالعليم بلطف”اكان لك احد بالمواجهات التي حدثت؟”
وقفت ببطئ شديد و استدارت نحوه، تراقصت صورته من وراء سيول الدمع التي تساقطت من عينيها، قالت “هل انت يا بيك من اطلقت الدرك على زملائي؟”
نظر الى الأرض مترددا بإجابته لبرهة من الزمن ثم قال “في كثير من الأحيان اكون مجبر على اخذ قرارات لا اكون مقتنع انها المثالية…لكنها تكون ضرورية و حتمية لمصلحة البلاد…”
اخذت حفنة من التراب و مسحتها بدماء عن الأرض و قالت “اليك وسامك مني كمواطنة اردنية، هل تسمح لي بتعليقها على بذلتك؟”
صدم فؤاد من كلمات نجوى، شعر كم كانت متأثرة مما حدث، فكانت طالبة بعمر الشباب المبكر و لكن كلماتها جافة بحقه، اجابها “صدقيني لم افرض قواعد اللعبة هنا، انا لست مسرورا مما حدث،”
اجابت بمرارة “دماء من هذه التي مسحتها عن الأرض؟ اتستطيع ان تقول لي؟ هل هي لدركي مسيحي كان يؤدي واجبه هنا بالجامعة، ام هي لطالب مسلم كان يشارك بالمظاهرات؟ ام هي لطالبة مسلمة ظنت ان ما تفلعه الصواب و شاركت بالمظاهرات؟ هل تقول لي لمن هذه الدماء؟…”
انتظرت اجابت فؤاد، و لكنه ظل صامتا يتأمل كلامها، فلم يفتح فاه بكلمة، اجابته بعد برهة من الزمن “انا سأقول لك، هذه دماء اردنية بالنسبة الي، المُواطَنَةُ لا تعرف مسيحي او مسلم او سلفي او متدين او مسلم وسطي، الدماء الإنسانية تسري بعروقنا جميعا، قل لي يا حضرة الضابط القوارب الصغيرة تتـأثر باي تيار قوي يجرفها، فنحن كطلاب نستمع الى الشيخ بالجامع و الى الأستأذ بالكلية و الى قنوات الدولة من تلفزيون و اذاعة و الى كاهن الكنيسة و نقرأ الكتب الثقافية…نتعرض لألف مؤثر و مؤثر فهل تقل لي الى من نصغي بالضبط؟ مازلنا في ريعان شبابنا و ابتدأنا بتكوين خبراتنا بالحياة للتو فأذا ساقنا تيار هنا او هناك، او قال لنا حزب معين انه على الصواب فما هو الرادع لخطأنا…رهاوتكم القاسية…”
مدت يدها نحو فؤاد و قالت “لماذا لم تأخذ وسامك يا حضرة الضابط…الأنه ملطخ بدماء ابناءنا،”
اجابها بعصبية قليلا “كلامك كرباج قاسي انزلتيه على جسدي…اقسم لك انني غير مسرور بالذي حدث،”
فجأة وضعت يديها فوق رأسها كالإمرأة النائحة و اهتزت يمنتا و يسارا “كنا سنعرض مسرحية للطلاب…هذا الذي كنا نرتب له…ماذا حدث…الدنيا كلها قلبت فوق رأسنا، منظركم و انتم تقتحمون صفوف زملائي مزق قلبي يا بيك…”

فجأة جرت نحو مدخل الجامعة، كان على مقربة مئة متر منها، جرى ورائها فؤاد قائلا “انت مرهقة جدا، الى اين انت ذاهبة!!!” شعر بالحزن الشديد لحالتها فجرى ورائها الى ان توقفت امام مبنى الإدارة، صرخت بأعلى صوتها “محمد يا هنداوي، محمد يا هنداوي اين انت!!!” اطل شخص من الدور الثاني من وراء نافذة مكتب، صرخت بأعلى صوتها و مدت يديها الى الأعلى “لماذا لم تؤم بالمصلين اليوم!!! من الشيخ زاهر عبدالصمد!!! لماذا تركته يخطب و يَؤم بالمصليين!!!” فتح محمد نافذة مكتبه و اطل على نجوى و كأنه كان يريد ان يقول شيئا، و لكنه صمت لمنظر نجوى و هي تصرخ بوجهه “تعال و اقبض مني صنيع يديك، دماء ابناؤك الطلبة و شرطة الدرك!!! ها مسحتهم من على الأرض و هم على يداي!!! دماؤهم برقبتك انت و الشيخ زاهر!!! اسمعتني!!! كنا سنعرض مسرحية فقط و قلبتم الدنيا على رؤسنا!!! حل ارتحتم حين تساقطت الدماء على الأرض!!! قل يا محمد يا هنداوي!!!”
شعرت نجوى و كأن الدنيا تدور من حولها من شدة الغضب، صرخت بأعلى صوتها “الله اكبر منكم!!! الله اكبر منكم!!!” شقت ثيابها من شدة غضبها فخلع النقيب فؤاد سترته التي كان يرتديها على الفور و غطاها بها، انتفضت بين يديه فحملها و سار بها نحو سيارة من سيارات الشرطة، أمر احد عناصره بأن يجلب الإسعاف لهم…

مقالات ذات صلة

نظرت صفية الى زوجها و هو يتناول طعام العشاء مع الاولاد على سفرة صالة المنزل، كانوا الأولاد مسرورين جدا حيث كان اياد يمازحهم من حين لآخر فمنذ مدة لم يلتقي معهم على مائدة الطعام، فالأجواء الجافة التي سادت بينهما مؤخرا انعكست قليلا على تواصل اياد مع اولاده فتداركت الأمر حينما ابتدؤا بالسؤال المتكرر عليه، فاقترحت على اياد ان يتناول طعام العشاء معهم، لم يمانع الأمر اطلاقا فادرك كم هو مقصر معهم فاتى الى المنزل سريعا حيث اسقبلوه بحفاوة كبيرة، اما هي فلم تكون مستريحة البال فكانت تائه بين بحور الشك الذي لم يبارح قبلها و عقلها،

تركت اسرتها على مائدة الطعام و ذهبت الى غرفة نومها، كان هاتفه النقال على منضدة السرير كالعادة فاشعلت تطبيق التسجيل الصوتي و استمعت الى ما سجل الهاتف، سادة ضجة للسيارة لبضعة دقائق لم يحدث بها شيئ، و كانت هنالك اصوات خفيفة لأبواق السيارات في الخلفية، و فجأة رن الهاتف، فتح اياد هاتف تبين لها انه هاتف آخر غير الذي شغلت عليه تطبيق التسجيل، شغل مكبر الصوت و تكلم مع سيدة، “قلت لكِ انني بالطرق اليكِ،”
“ليومين لم اراك، انت مقصر معي كثيرا،”
انا بالطريق اليكِ، لا تغضبي مني، انت تعلمي التزاماتي جيدا، اريد منكِ ان تلبسي لي شيئ جميل فقلت للكسرتيرة ان تلغي كل مواعيدي اليوم، سأمضي اليوم بالكامل برفقتك،”
تأملت صفية بصوت السيدة التي تكلم زوجها، لم يكن غريب عليها اطلاقا، تسارعت دقات قبلها و ابتدأ الغضب يغلي بصدرها، اكمل زوجها…
“نحن مازلنا بشهر العسل، هذا اقل ما يمكنك ان تقديمه لي،”
“هل اعجبتكِ هديتي لكِ؟”
“انت اعضبتني يا اياد،”
“لماذا يا رندا؟”
شعرت بدوار شديد يعصف برأسها، شكت بالصوت في اول المكالمة و الآن تأكدت اكثر، كانت رندا سرحان صديقتها، جلست على الفراش و هي مصدومة من الحوار الذي يجري على مسامعها،”
اجابت رندا “لأنه مسكون يا اياد، اريد عقار جديد، هذا لم يكن اتفاقي معك، انا غير مسرورة من هذه الناحية،”
“حسنا، لن استعيد ملكيته منك، و سأشتري لك شاليه جديدا على الشط بالعقبة يا حبيبتي،”
فجأة تبدلت نبرة صوتها و قالت “حبيبي، انت الاآن اثبت لي انك تحبني،”
“اقتربتُ من المنزل، هيا البسي لي شيئا جميلا، انا اريدك ان تدلليني بجمالك…”
نهضت رندا من مكانها، استدارت لتتفاجئ بزوجها يقف بجانبها و الصدمة ترتسم على وجهه، قالت له “هل تريدني ان اعيد المكالمة من الأول…”
نظر اياد الى الأرض مرتبكا، قال “انا…انا…”
استجمع قواه بعد برهة من الزمن و قال “الشرع يجيز لي اربعة زوجات، انا لم اخطئ…”
“و انا، الم تفكر بي يا اياد، الم تفكر بمصير اسرتنا؟ قل لي بماذا اخطأت، هيا انطق و قل لي سبب واحد يبرر زواجك و من من؟ من صديقتي رندا التي إإتمنتها و ادخلتها بيتي؟”
اجاب بغضب “انا لم اخطئ معكِ، مازال مصروفك يصل الى جيبك و لم اقصر مع اولادك، فمصروفهم أؤمنه بالكامل، و اغراض البيت اوفرها لكم اول بأول،”
صرخت بوجهه “هل انا مجرد شخص تصرف عليه؟ هل تلاشى حبك في قلبي يا اياد، الم اعد اهمك كإمرأة…!!!”
استدار اياد و لم يستطع ان يواجهها و قال “فجأة توقف كل شيئ، لم تعد تثيرينني، بحثت عن الف سبب لاعرف ماذا كان يجري في داخلي فلم اجد نفسي الا و ابحث عن متاع يهواه قلبي…عن إمرأة آخري،”
“اخبرني قبل ان ترتكب ما ارتكبت!!! صارحني، قل لي فكان يمكن ان نجد حل سوية، ما اقسى تصريحاتك لي، فجأة ينتهي حبي في قلبك و تبيع زواجنا بالرخيص لأول إمرأة يستهويها قلبك!!! الا تخجل من نفسك، ابتدأ الشيب يكسو رأسك يا هذا!!!”
“يا صفية انا لم اخطئ!!! ابقيتك على ذمتي و تزوجت آخرى…هل ارتكتب كارثة، استطيع ان اعدل بينكما، انا تزوجت و رندا إمرأتي على سنة الله و رسوله…”
“اسمعني جيدا يا اياد!!! شرع الله على عيني و رأسي و لكن لي قلبي كإمرأة، و لِمَشَاعري و احاسيسي شرع انساني آخر!!!”
استدار نحوها و نظر اليها قائلا “ماذا تقصدين؟”
“حد الله ما بيني و بينك منذ هذه اللحظة يا اياد!!! منذ ان رزقت بأول مولود لنا و انا تركت عملي كمصففة للشعر و اخلصت لإرادتك بأن اصبح ربة منزل، ضحيت بالغالي و النفيس و بسعادتي و انا اخدمك انت و اولادنا، الى ان مرت علي سنين طويلة و انا اعتقد انني اخدم رجل سيقدر ما اصنع له و لأسرتنا، و لكن استيقظت على صفعة قوية حينما سمعت ما دار بينك و بين رندا سرحان، استقيظت على رجل برد حبي بقلبه، و بدلا من ان يصارحني جرى و راء نزوة…متاع…لا اعرف ماذا اسمي فعلتك التافة…و تركني انا وصفعته الئيمة لي، منذ الآن ان محرمة عليك، سأخذ اولادي و سنرحل من هنا و لا اريدك ان تقترب مني إطلاقا، افهمتني،”
“اعقلي يا صفية و اخزي الشيطان، انا لن اطلقك، ثم لن اسمح لك ان تأخذي اولادي، هل جننت،”
“افهم عربي انا لن اعيش معك و هنالك إمرأة ثانية على ذمتك!!! افهمتني!!! عشم ابليس بالجنة ان تلمسني منذ الآن فصاعدا، انت ارتكبت اكبر الكبائر بشرعي كإمرأة…غرزت خنجر في قلبي ألمني كثيرا…”
“سأقول لك شيئا، انا تزوجت و لم اخطئ و لم اقصر معك!!! و هذا حلال من الله ان امتع نفسي قليلا بهذه الحياة، لو دخلت بعلاقة غير شرعية لكِ الحق ان تعترضي، اعجبك اهلا و سهلا، لم يعجبك، اذهبي و اسكني حيث تريدين و انا سأكفل لك مصروفك و التزاماتك، اظن انه تعداني العيب!!!”
“انت لا تعرف العيب و لا تعرف كيف تضحي لأجل من تحب، لم اكن اعلم ان الفلوس تغير النفوس…كبرت ثروتك و انا على ذمتك فرميتني و نظرت الى آخرى!!! اعطيني سببا واحدا كي ابقى على ذمتك، لماذا تريدني؟ ليوم ستمل به من رندا و تعود الي؟ هل جننت يا هذا، قلتها لي بوجهي، انني لم اعد اثيرك…”
اقترب منها و حاول امساك يدها قائلا “هيا لنتكلم بهدوء قليلا،”
امسكت مفقص و اشهرته بوجهه صارخة “ابتعد عني…انت لم تعد تهمني منذ هذه اللحظة، سآخذ اولادنا كي لا يعيشوا مع عاهرة خانت صديقتها و سرقت منها زوجها…”
“اتهدديني بالقتل، هل وصلت بنا الأمور الى هذا الحد!!!”
“انا استحقرك انت و العاهرة التي تزوجتها، انت لا تهمني منذ هذه اللحظة، و اطمئن!!! نفسي اكبر من ان انتظر منك حسناتك التي تنوي اعطائها لي في كل آخر شهر، انا أبرؤك من المُؤَخًر و اي نفقات تترتب على طلاقي…لا اريد منك شيئ، فقط طلقني و اذهب بعيدا عني،”
“لن تأخذي الأولاد، و اذا اردت اذهبي وحيدة بثيابك،” اقترب منها ليصفعها فاشهرت المقص بوجهه و جرحت يده، نزفت الدماء بكثرة فتلوى من الالم و صرخ بوجهها “تحاولين قتلي يا صفية!!!”
اجابته صارخة “اذهب عني يا تافه انت و عاهرتك، سأخذ اولادي و سأذهب من هنا،”
اخذ قطعة قماش من الخزانة و ربط يده و هو يصرخ “اتطعنيني يا صفية، انا اعلم ما هو دوائك،”
خرج من المنزل و هو تارة يتلوى من الألم، و تارة يصرخ بشدة الى ان وصل الى سيارته، صعد بها و تكلم بهاتفه الخلوي، مضت خمسة دقائق مكث بها من دون حراك خلف المِقْوَدْ، و لكن سرعان ما اصطفت بجانبه بالشارع سيارة بها إمرأة، خرج من سيارته و ركب بالسيارة الآخرى، راقبتهم صفية من نافذة غرفة النوم، بصقت عند رؤيتها لصديقتها فتيقنت كم كانت غلطة كبيرة في حياتها، وضبت حقائبها هي و اولادها و طلبت سيارة آجرة، خافت من ان يُبَلِغْ عنها زوجها فقررت الذهاب الى منزل شقيقتها بسمة للبقاء عندها بضعة ايام، فكانت تعمل بمكتب احد رجال البرلمان و كان صاحب نفوذ كبيرة بالبلد، شعرت بأن شقيقتها قد تنجح بتحصينها من اياد لفترة من الزمن، كانت شقيقتها تعيش بمنزل فسيح و قد تستقبلهم لبضعة ايام ريثما تنتهي من ازمتها مع اياد، كانت تعلم بقرارة نفسها انها اخطأت بطعن اياد…و لكن هدأ البركان الذي كان يثور بصدرها، شعرت بأنها ثأرت لكرامتها كإمرأة،


صرخت رندا من منظر الدماء على يد اياد و هي تسرع نحو طوارئ مستشفى الفريد الجراحي “هل جنت صفية!!!” كانت قتلتك هذه المجنونة!!!”
اجاب اياد و هو مرهق من النزيف “كانت ثائرة كالمجنونة، لم استطع تهدئتها و لا بأي شكل من الأشكال، ابتعدي عنها يا رندا، جن جنونها حينما علمت انني تزوجتك،”
“المجنونة!!! كنت دائما اقول لها انها إمرأة كاملة مُكَمًلَة لولا عصبيتها!!!”
اطلق اياد صرخة ألم و امسك بيده بقوة، كانت تؤلمه بشدة، سأل “هل اقتربنا من المستشفى؟”
“دقيقتين و سنصل حتى رغم الأزمة، نحن قريبون، اسمع يجب ان تبلغ الشرطة حينما تصل،”
“مستحيل، فضيحة إن سَجَنْت ام اولادي، لو علمت الصحف بما جرى بيننا ستكون اكبر فضيحة لي كرجل اعمال،”
“ماذا ستقول لهم بالنستشفى،”
“ساقول لهم انني وقعت على شيئ حاد على الأرض، ساخلق لهم اي عذر، المهم انني لا اريد مشاكل خصوصا الآن،”
“ها اقتربنا يا اياد، تمالك نفسك، ارى المسشتفى في آخر الشارع، دقيقة و سنصل رغم بطئ السير،”
تحرك السير امامها و هي متوترة من ردت فعل صفية، كانت تعلم عاجلا ام آجلا انها ستتواجه معها، و لكن لم تتوقع ليوم ان تكون ردة فعلها قاسية مع اياد الى هذا الحد، كانت تعلم كم كانت تحبه و لكنها اعتقدت انها ستثور ليومين او لثلاثة ايام ثم ستهدأ، و لكن تيقنت بعد الذي حصل ان حساباتها كانت غير دقيقة، فقالت في ذاتها و هي تسلك الطريق المؤدي الى مدخل الطوارئ امام المستشفى، “لستِ قليلة يا صفية، اذا طعنت زوجك بالمقص لمعرفتك انه تزوجني بحسب شرع الله، فاي عقوبة قد تحضريها لي، سلخ جلد؟”
نزلت من السيارة و اعطت مفاتيحها الى موظف من موظفين الإصطفاف الذي هرع لخدمتها، ساعدت اياد بالنزول و اسرعت معه و هي تصرخ للمساعدة في مدخل الطوارئ،


نظر المقدم سند المفلح الى الملف امامه بتمعن شديد، فقد احتوى على صور و تقارير للمعمل الجنائي و لتحقيقات تخص ثلاثة جرائم اغتصاب و قتل لنساء كانت قد جرت خلال السنة الحالية، كانت الحوادث قد هزت الرأي العام و تصدرت تفاصيلها حين حدوثها العناوين الرئيسية على اكثر من موقع الكتروني فتمت الجرائم بأبشع الطرق على الأطلاق، فكشف الطب الشرعي ان اجساد جميع الضحايا كانت مليئة بالكدمات و الجروح و كانت ملابسهن ممزقة، و بالكشف الطبي و عند التشريح الدقيق للجثث تبين بأنهن تعرضن لحوادث اغتصاب قبل قتلهن عن طريق الخنق حتى الموت، و بينت الفحوصات انه كانت هنالك تحت الأضافر بقايا لجلد و دماء حيث دل هذا الأمر على مقاومة الضحايا الشديدة للجاني، كانت الحوادث تتكرر من حين لآخر و بعد الحادثة الثانية تنبه رجال الأمن الى انهم يتعاملون مع قاتل مهوس بالنساء لأن الضحيتين قتلتا بنفس الطريقة بعد اغتصابهن، فكانتا تحمل خصائص نسائية متشابهة من حيث كونهن ذات شعر اسود طويل و اجساد رشيقة و بشرة بيضاء، و ملابس الضحيتين كانت عصرية تبرز مفاتنهن كالتنورة القصيرة و بلوزة من دون اكمام، و بالرغم من المحاولات المستميتة لكشف كافة اركان الجريمة الا ان احترافية القاتل بعدم ترك ادلة ورائه حالت دون ذلك، فحين زار رجال الأمن المواقع التي وجدت بها الضحايا لم يجدوا اي دليل قد يدلهم عليه إطلاقا، فكان يضعهن بأكياس كبيرة سوادء و يرميهن في حاويات القمامة بالليل بأحياء سكنية مختلفة في سكون الليل التام، تم التحقيق مع مجموعة كبيرة مِنْ مَنْ كانوا على علاقة بالضحيتين من اهل و اصدقاء و اقارب لكن فحوصات الدي ان اي التي اجريت للمشتبه بهم و محاولة مطابقتها مع عينات الجلد و الدماء للقاتل التي اخذت من تحت الاضافر اثبتت عدم ارتكابهم الجريمة، و لكن رغم الصعوبات كان يعلم بقرارة نفسه انه لا توجد جريمة كاملة و قد تستجد معلومات جديدة بالقضية فلذلك طلب ان يبقى الملف عنده بالمكتب لكي يطالعه من حين لآخر فقد يلاحظ امرا هنا او دليل كان قد غفل عنه هناك قد يساعده بالتعرف على الفاعل،

سرعان ما اتتهم الجريمة الثالثة منذ بضعة ايام، فكان في مكتبه في الصباح يحتسي فنجان قهوته كالمعتاد و يطالع على هاتفه الذكي عناوين الصحف حينما اتصلت به دورية لشرطة النجدة و ابلغته عن ضحية ثالثة وجدت بحي سكني في الشميساني، سرعان ما تحرك الى الموقع مع فريق من البحث الجنائي و تم تمشيط المكان بالكامل لأي دليل قد يؤدي الى مستجدات في القضية، خلصت التحقيقات كالعادة الى ان الضحية إمرأة في الثلاثين من العمر فاتنة رشيقة الطلة ذات شعر اسود طويل و بشرة بيضاء، و قد ذبحت بنفس طريقة الضحايا السابقة، و كانت قد تعرضت للإغتصاب من قبل القاتل قبل ان يُجْهِزْ عليها، بحث مليا بأي مستجدات بتقارير البحث الجنائي قد تساعده بالتعرف الى هوية القاتل و لكن من دون جدوى، فلم يكن بالتقارير اي جديد على الإطلاق، و كأن الجريمة الثالثة عبارة عن نسخة تكاد تتطابق بتفاصيلها مع الجرائم السالفة،

ابتدأت الصحف تهاجم ضعف الشرطة بإيجاد القاتل مع ورود اخبار الجريمة الثالثة، و حاولت عدة برامج حوراية الإتصال به لتجري معه لقاء حول آخر مستجدات القضية و لطمئنت الرأي العام عن اي بصيص امل في معرفة مرتكب الجرائم، و لكن كانا يتفداها فلم يكن بجعبته الكثير ليقدم في هذه اللحظات للإعلام، كانت الساعة الثانية عشر ظهرا و كان الطقس دافئ جدا، فطالع صور الضحايا بتمعن لعله يفهم اكثر عن هذه الجرائم، فراجع المعلومات الذي كان يعرفها للحظة و هو يقلب الصور المختلفة التي بين يديهب، الأولة كانت اردنية بالثلاثين من العمر و تعمل موظفة فندق اربعة نجوم بحي تلاع العلي، و آفاد الفندق بأن آخر مرة شوهدت بها على رأس عملها كانت في شفت مسائي، حيث انتهت من دوامها في الخامس من اب في الحادية عشر مساءا، فغيرت ملابسها و غادرت الفندق بحسب مراقب الأمن في الحادية عشرة و الثلث، و بعدها انتظرت على رصيف قريب من الفندق وصول شقيقها فكان قد تأخر بأزمة مرورية قبل ان يصل المكان، و لكنه وصل الفندق و لم يجدها كما كان معتاد ان يفعل، حاول الإتصال بها فَرَنً هاتفها من دون ان يجيبه احد، مكث يسأل عنها مراقب الدوام و يبحث عنها حول الفندق لساعة كاملة الى ان شعر بأن هنالك امر غير طبيعي، فأبلغ الشرطة على الفور، و وجدت جثتها بعد البلاغ بيومين في حاوية قمامة بمنطقة سكنية بعيدا عن مكان عملها، نظر الى صور جثتها قليلا ثم قرأ تقرير الطب الشرعي بتمعن، اعاده الى الملف و التقط صور الضحية الثانية، نظر اليها بملابسها الممزقة، لم تختلف قصتها كثيرا عن الأولة فاختفت و هي تنتظر سيارة آجرة كانت قد طلبتها بواسطة تطبيق الكتروني، حيث كانت تنتظر على رصيف شارع رئيسي بعد ان انتهى دوامها بالليل من السوبرماركت الذي تعمل به، كانت تعمل على الكاش بشفت مسائي بصورة دائمة، اغلق صاحب المحل محله كالمعتاد في منطقة ام اذينة و عرض على الضحية ان يوصلها بسيارته بدل من الإنتظار بالشارع، فاعتذرت قائلة له انها قد طلبت تكسي، ودعها صاحب المحل لتفقد عائلتها الإتصال بها بعدها مباشرة، استطاع الوصول بالتحريات الى صاحب التكسي الذي استلم الطلب عبر التطبيق، و تم الإشتباه به بأنه قد يكون هو الجاني الا ان الفحوصات المخبرية للدي ان اي اثبتت العكس،

اشعل سيجارة من علبة دخانه و اخذ رشفة عميقة منها، نفخ الدخان في الهواء امامه و هو يطالع صورة الضحية الثالثة، كانت تعمل ناذلة بمطعم لشطائر الهمبرغر اسمه هابي برغر، و بحسب افادات زملاءها بالعمل فإن آخر طلب للمطبخ لديهم كان في التاسعة مساءا، و بعدها كان ينهى المطبخ خدماته ليتسنى للكادر تنظيفه و تهيئته لطلبات الصباح التالي، و كان بذلك يغلق ابوابه بعدها في العاشرة مساءا، غادرت سمية اللبًان المطعم بعد انتهاء ورديتها منذ بضعة ايام و اتجهت نحو سيارتها التي كانت مصطفة بعيدا قليلا عن المطعم، سارت نحو مئة متر الى جهة من المجمع التجاري كانت كلها مظلمة، فكانت المحلات التجارية مغلقة بسبب عطلة يوم الجمعة حينها، و فجأة و هي تسير بالشارع تم اختطافها، حيث افاد شهود عيان انهم لاحظو جلبة على الطرف المقابل لمحلاتهم بالشارع لبضعة ثواني بين فتاة و سيارة سياحية، اختفت الفتاة داخل السيارة و انطلقت السيارة على الفور بسرعة جنونية بالشارع، لم يستطع احد التقاط لوحة السيارة بسبب ظلام الليل و تم التعميم على موديل السيارة في كافة مكاتب السيارات السياحية في عمان، فتبين ان هنالك مئتي سيارة مثلها فاعلة بالمكاتب السياحية،
فجاة لاحظ امرا لفت انتباهه بالصور، امعن النظر بها و بمقطع ساقي و قدمي الضحية، كان هنالك قصاصة ورق بحجم نصف الإبهام تلتصق بنعل الكعب العالي الذي كان يأحد قدميها، اخذ عدسة مكبرة من جرار مكتبه و وضعها فوق نعل الضحية، كانت قصاصة الورق مهترئة يكاد لا يفهم منها شيئ، حاول ابعاد العدسة المكبرة بعض الشيئ فتوضح ما كان عليها اكثر، اخذ الصورة و وقف بجانب نافذة مكتبه ليتسفيد من ضوء الشمس قدر المستطاع، فتوضحت الأحرف المهترئة على القاصاصة اكثر، كانت تقول بالعربية كليو…

عاد الى مكتبه و اخذ رشفة اخرى من السيجارة و فكر بما عسى ان ترمز اليه احرف كليو، فجأة لفت انتباهه برنامج حواري على احدا القنوات كان يبحث بأمر احداث ربوع الأردن الأهلية، قرأ بصدمة كبيرة شريط اخباري عليه كلمات “من الأرشيف : صدامات بجامعة ربوع الأردن الأهلية منذ بضعة ايام بسبب اعتراضات على عرض مسرحية كليوبترا،” نظر الى الصورة بين يديه و سأل ذاته “هل هذه صدفة ام ان الله يلهمني الى شيئ، هل يمكن ان يكون الأمرين مرتبطين ببعض، و لكن الضحية ليست طالبة جامعة؟” تيقن انه من الحكمة ان يبحث بالأمر اكثر، كان على استعداد للبحث باي امر محتمل بهدف الوصول الى الجاني و قبل ان يرتكب جريمته الرابعة…يتبع

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى