#رواية #وجوه_واقنعة…الجزء الثالث
#فراس_الور
نظر الشيخ زاهر عبدالصمد بسخط كبير الى موقع صحيفة ربوع الأردن الأهلية على هاتفه الخلوي، حَمَلَتْ الصحيفة عناوين عدوانيه و صادمة في هذا الصباح فكانت كل ابوابها مُجَيًشَة ضد كلية فنون المسرح و الدراما، كانت ابرز العناوين الرئيسية تقول “الفجور و الفحشاء في جامعتنا المحترمة و في مسرحية كليوبترا التي ستعرض اليوم في مسرح باخوس بالجامعة،” فكتب المحرر اسفل الخبر ما يدين مشهد القبلة و الأحضان بالمسرحية التي جرت بروفاتها بالأمس، و ألحق الخبر بالفيديو الذي سُجِلَ اثناء البروفة و فيه المشهد بالكامل حيث تُقَبِلْ نجوى جمال على المسرح، و كتب كاتب و طالب في كلية الشريعة الإسلامية مقال تم نشره في مطلع الصحيفة بجانب العناوين الرئيسية يحمل اسم “غرازيلا ابليس و استاذة الإخراج الشيطاني سالي نجيب”، و كتب في مطلع المقال “اين الرقابة الأخلاقية على كلية فنون المسرح و الدراما حيث تحرض اولادنا على الفجور بمسرحية ستعرض امام لفيف محترم من الشخصيات اللامعة و وزير الثقافة و الإعلام الأكرم بالاردن،” تعددت المقالات و العناوين التي تهاجم كلية المسرح بأكثر من شأن فمنها من آدان المنهج العام للكلية للأربعة سنين و منها من طالب الكلية بالتركيز على التراث الشرقي و الأسلامي اكثر من المسرح و الدراما الغربية و رعاية حركة اسلامية واضحة بمنهج دراستها، فَكًرَ في ذاته قائلا “كيف لأستاذة و دكتوره في جامعة ان ترعى تصرفات متهورة بهذا الشكل بصرح تعليمي ضخم كربوع الأردن الأهلية؟” جاشت بصدره امواج من الغضب و وقف ينظر بوسط الشارع الى مسجد الجامعة حيث كان زميلة سيؤم بالمصيلن في صلاة الظهر، و لكنه شعر بالرغبة بمخاطبة الجمع المتواجد لما اثارته عناوين الصحيفة من انباء غير سارة،
كان الطقس مازال حارا بعض الشئ حيث كانوا في الخامس من اكتوبر، فلم تطوي الطبيعة صفحة الصيف بعد بالرغم من الإعتدال الخريفي الذي كانوا به، فكان الجو حارا نسبيا، نظر الشيخ الى الجامع فكان مليئا بالمصلين، فكانت لا تزال الطالبات و المعلمات تتوافد الى مصلى الحريم و كانت صالتة الرئيسية مليئة بالطلاب الذكور لدرجة انه ابتدأ جمع غفير بالتجمهر حوله من الخارج، كانت تمتمات و همسات المصلين واضحة من خلال مكبرات الصوت، سار الشيخ الى الداخل و كله عزم ان يأخذ إذن من الإمام ليقول كلمة قبل الصلاة حيث تَوافُد جَمْعٌ كبير للصلاة سيفتح المجال له ليعبر عن ما شعر به و هو يطالع صحيفة الجامعة، سار نحوه و دخل بين جموع المصلين، همس بعض من الكلمات بإذنه، تناقشا بأمر معا ثم نزل الإمام من على المنبر و علامات عدم الرضا على وجهه، وقف زاهر بدلاً عنه، قال لهم بغضب و غيظ عظيمين”بسم الله الرحمن الرحيم، و الصلاة و السلام على اشرف خلق الله و اشرف المرسلين سيدنا محمد و على أله و صحبه اجمعين، اقف في وسطكم و كلني غضب و لوعة على ما آلة اليه امور تدريس بعض المناهج ببلدنا المسلم الحنيف و بجامعاتنا التي لطالما كانت اشرف و اروع مؤسسات تعليمية في منطقة الشرق الأسط بأكلمها، حيث طالعتنا صحيفة الجامعة الإلكترونية اليوم بفاجعة و حدث في حَرَمْ الجامعة الطاهر و الشريف، فالكارثة كارثتين يا اخوتي و اخواتي، ان الإنحراف عن سنن رسولنا الأكرم هو عيب كيبر بحق شعبنا الأردني و وزارة شؤون الجامعات و التعليم بالمهجر، فادخال مناهج لا تتوافق مع شريعتنا الإسلامية و تدريس تراث الوثن القديم و ما تقدمه دراما و مسرح الروم لا هو وصمة عار على بلادنا، فلا يؤمنون بما نؤمن نحن كمسلمين و لا يدرسون ما يتناسب مع شريعتنا الإسلامية و لا ينساقون الى ما نوصي به اكاديميا كشيوخ و مفسرين لشريعة الله صبحانه و تعالى، فهذه المسرحيات تُحْيٍ تراث احداث تاريخية قديمة لا تهمنا بالدرجة الأولى، فاستغرب من كلية مسرح تعرض مسرحية لكليوبترا عِوَضْ عن مسرحيات اسلامية تناسب ديننا و منهجنا التعليمي كمسلمين، لا يتوقف الأمر كذلك فتتضمن المسرحية مشهد حضن و قُـبَـلْ بين طلابنا و هذا ما لا نوافق عليه إطلاقا، فتخلو هذه الكلية من مخافة الله و اي غلوٍ على تراثنا الإسلامية فلا نرى بها اية اتجاهات لأثراء طلابنا بتراثنا الديني إطلاقا، بل يَكْثُرْ بها التدريس عن الفاسق شيكسبير و مؤلفين غربيون فاجرون نحن لا نحبهم إطلاقا، قولوا لي يا اخوة، مما تشكو مناهجنا الإسلامية، فلهم دينهم و لنا ديننا، و الكارثة الثانية و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم و استغفر الله من كل ذنب عظيم، جامعتنا مليئة بالنساء المحجبات فطلبنا من المتعهد ان تكون مقاعد المسرح فردية منفصلة عن بعض، فقامت الفاسقة غرازيلا مدرسة منهج الروم الفاجر بالطلب من المتعهد ان تكون المقاعد متلاصقة مع بعض لا يفصلها الا ذراع خشبي…”
انطلق من الجمع في الداخل و الخارج كلمات “استغفر الله…”
اكمل الشيخ زاهر قائلا “قال الرسول صلى الله عليه وسلم من رأى منكرا فاليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فأن لم يستطع فبقلبه، و هذا اضعف الإمان، و الحال اننا تعبنا من الكلام و من الوعظ و من المشاورات التي لم تجدي نفعا يوم من الأيام،
سمع مدير امن الجامعة رفعت شاهين و هو في مكتبه الخطبة الدائرة للشيخ زاهر عبدالصمد بخوف شديد، فمطلع صحيفة الجامعة الإلكترونية في الصباح كان لا يبشر بالخير، و سمع تمتمات الإستنكار في المُصَلى من مكبر صوت الجامع فإنقبض قلبه من الخوف، فشعر بأن هنالك كارثة قد تحصل بالقريب العاجل من جراء لهجة هذا الشيخ مع الطلاب، بل خاف لدرجة انه شعر بأن الإتصال بعميد الجامعة اصبح ضروري كي يحمل المسؤلية معه، أخذ هاتفه و طلب رقم حمدي غزال عميد الجامعة، رن هاتفه عدة رنات ثم اجاب”انا في اجتماع مهم، قل لي يا ابوعزت هل هنالك امر ما؟”
“سيد حمدي إلْحَقْ الجامعة قبل ان تتكسر على رؤسنا جميعا، شيوخ كلية الشريعة يؤمون بالمصلين بغضب شديد رافضين لعرض مسرحية كليوبترا و لمشهد الحضن و القبلة الذي شهدته البروفة بالأمس..”
“قبلة؟ احضان؟ لم يردني اية انباء تفيد ان هذه المسرحية ستتضمن مشاهد كهذه…”
قال صارخا “يا أبا نشأت ألم تفتح في هذا الصباح على صحيفتنا الإلكترونية؟”
قال مصدوما “انا مشغول منذ الصباح يا اخي، لم يتسنا لي ان اقرأ شيئ، عندي اجتماع مع وزير الجامعات!!!”
“سيد حمدي يجب ان تحضر الى الجامعة، انا اعلم ما يحصل و قد تنذر هذه الخطبة بعواقب غير سارة…”
“انا بالطريق…و اين محمد الهنداوي!”
“انه معهم بالجامع…”
“اذا لا تخف………”
“انت لا تسمع ما يقوله الدكتور زاهر في الخطبة، لا اظنه لهجة شخص يأبه لمحمد هنداوي او غيره!!! هم غاضبون على مشهد القبل و الحضن بمسرحية كليوبترا!”
“ياخي تصرف! انا قادم بالطريق! ثم انت مدير الأمن تصرف!”
قال بغضب ممزوج مع عتب شديد “حاضر سيد حمدي لكن لا تتأخر! سأتحمل المسؤلية انا! ابقوا باجتماعاتكم و اتركوا الأمر للحريم لتدير شأن الجامعة، غرازيلا ستجلب التائهة لنا!”
اغلق الخط بغضب و اتصل بالمقدم اشرف محسن على هاتفه الشخصي، كان يعلم ان هذه الخطب حينما تعلو بالجوامع قد تكون نتيجتها المظاهرات و هتفات الإستنكار و قد تجلب معها الشغب ايضا و قد لا تنتهي عواقبها على خير، سمع على الخط عدة رنات ثم اجاب صوت مرحب “ابوعزت كيف حالك،”
قال رفعت “الحمدلله، كيف حالك انت…”
“انني بخير و الحمدلله، الشغل لا يرحم احدا و لكن الله يقوينا دائما، ما هي الأخبار عندكم بالجامعة…”
“اشرف بيك اريد قوة ان تتحرك الى الحرم الجامعي بأقرب فرصة ممكنة، بل بسرعة ان امكن،”
اجاب بإهتمام “ما المشكلة؟”
“سأشرح لك بإيجاز ما حل بنا منذ الأمس، و المشكلة ان عميد الجامعة قد طلب مني ان اتصرف شخصيا في حال خرجت الخطبة الدائرة بالجامع عن السيطرة،”
اكمل زاهر الوعظ “ان وزير الجامعات الحالي لم يوفي بوعوده لنا الذي قطعها على نوابنا بالبرلمان منذ بضعة شهور، فها هو يرسل لنا المتبرجات الفاسقات لتُعَلِمْ اولادنا الفسق و الفجور في منابر العلم و الجامعات في بلادنا، و ها عم يشرعون بإنشاء مناهج اكاديمية لا تتناسب مع ديننا و قول رسولنا الحبيب، لا تصغوا الا للرسول و ما انزل علينا في الذكر الحكيم اذ يقول الله ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ، صدق الله العظيم،”
فجأة وقف احد الطلاب الملتحين قائلا “الله اكبر!!! الله اكبر!!!” صرخ الجمع وراءه “الله اكبر!!! الله اكبر!!!” شرع آخر بهتاف “اسلامية!!! اسلامية نريد المناهج اسلامية!!!” فردد الجمع كله وراءه كالرجل الواحد :اسلامية!!! اسلامية!!! نريد المناهج اسلامية!!!”
اكمل زاهر قائلا “قال رسول الله صلي الله عليه و سلم ” يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر. ” نظر الى فوق و قال اللهم اسعفنا على ما ابْتُلينَا به و قوِيْ ايماننا!!!” يا اولادي اوصيكم بالإلتزام بدينكم ثم بسنة نبينا و لا تسمعوا الى ما يرتكبه السفهاء من استاذة هذه الجامعة!َ!!”
نزل الشيخ عن المنبر و اقيمت الصلاة و سط توتر كبير بين الحضور، و حال انتهاء الشعائر هم عدد كبير من الطلاب فجأة بالخروج من الجامع، و سمع هتافات لشخص على مكبر للصوت “اسلامية!!! اسلامية!!! نريد مناهج اسلامية!!!” فرددوا مئات من الطلاب خارج الجامع وراءه “اسلامية!!! اسلامية!!! نريد مناهج اسلامية!!!” فجأة صرخ احد الطلاب وسط الجموع قائلا “فالنذهب و نكسر مسرح باخوس كي لا نعطيهم فرصة لعرض مسرحياتهم القذرة!!!” صرخ الجمع صرخات مرحبة بهذا الإقتراح، نهض الدكتور محمد الهنداوي من مكانه على الأرض ليجري ورائهم و لكن ناداه الشيخ زاهر قائلا “يا هنداوي توقف، احمل لك سلام من قيادة حزب اسلام الحق، فمدراءه يقولون لك لا تعترض حراكنا مع الطلبة اطلاقا، و لا تجادلنا بما نقوم به بالجامعة،”
نظر محمد الى الشيخ زاهر مصدوما مما قال، فلم يكن لوهلة يتوقع ان حراكهم السياسي سيكون له يد بما يحصل بهذه الجامعة، سار نحو الشيخ و جلس بجانبه على الأرض و قال هل انتم من نظمتم هذه السيرة…؟ فلا علم لي بها،”
اجاب زاهر “كله يسير وسط مخططنا لنكسب اصوات للإنتخابات البرلمانية القادمة، نحن لنا مكاسب يجب تحقيقها، افهمت يا هنداوي؟”
نظرتا غرازيلا و سالي الى بعض و الهتافات تعلو من حرم الجامعة بقوة، وقفتا بوسط موقف السيارت الخارجي للجامعة ترتجفا من الخوف مما قد سمعتاه وهن يَسْرِعْنَ الى خارج حرم الجامعة، اشار عليهن مدير الأمن من باب الإحتياط بضرورة مغادرة الجامعة بسرعة تحسبا لأي مكروه قد يقع لهن، فبخلال دقائق معدودة فَضًتْ ادارة الجامعة جميع المحاضرات بكلية المسرح و الدراما لليوم و غادرتا غرازيلا و سالي الجامعة بسرعة، اتجهت سالي مع غرازيلا الى سيارتها و الهتافات تتتابع رفضا لمنهج الدراسة المتبع بكلية المسرح، و قبل صعودهما الى السيارة ارتفعت بالمدى القريب فجأة صافرات سيارات مصفحة لشرطة الدرك، تعدت موقف السيارات بسرعة كبيرة و فتح موظف الأمن بوابات الجامعة لهم، دخلت سبعة عشر حاملات جند مصفحة الجامعة ثم اغلق موظف الأمن الباب و اسرع الى داخل مكتبه،
ركبتا غرازيلا و سالي السيارة و اشعلت سالي المحرك، تحركت بسرعة و غادرت الموقف و هي تقول “هذا حراك ممنهج ضد كليتنا يا غرازيلا،”
قالت غرازيلا بخوف “ما هو خطأنا، هذا هو المسرح و هذا هو اصوله و المشاعر تتدفق بصورة طبيعية مع تقمس الفنان للشخصية، هذه مجرد قبلة مسرح لا اكثر و لا اقل…”
قالت سالي و نبرتا الخوف و التوتر تسيطران على صوتها “قلبي يشعرني ان هذا حراك ممنهج ضدنا كَراعيِنْ للفنون، انا غير مقتنعة ان هذا لم يتم التدبير له مسبقا، اللافتات و الشعرات و كأنها محضرة من قبل،”
اجابت غرازيلا “قد يكون كلامك صحيح، و قد يكون فيديو قبلة نجوى و جمال الشرارة التي احتاجوها لينالوا منًا ككلية، بالرغم من انه ليس عندي يقين بشيئ انما قد تكون هذه الرواية،”
فجأة رات سالي سياراتين لفضائية انباء الأردن 24 تمر بالشارع بجانبهم، كانت متجهة صوب الجامعة، قالت “رأيت للتو سيارة محطة انباء الأردن تمر صوب الجامعة، الموضوع هكذا سيكبر كثيرا…”
ضربت غرازيلا كفا بكف و قالت بعصبية “هذا ما كان ينقصني، انا خائفة كثيرا، ابن عمي رئيس حزب اليسار الحُرْ بالأردن و صاحب نفوذ كبيرة بالبلد، سأكلمه كي يجد لي حل لهذه المصيبة،”
طلبت غرازيلا رقم سامح شكري من على هاتفها و انتظرت لدقيقية على الخط و لكنه لم يجبها، فطلبته مرة ثانية و يديها ترتجف من الخوف من هول الموقف عليها، رن كثيرا قبل ان يجيب “غرازيلا، آسف على تاخري بالرد عليكي، كان عندي اجتماع مع عدد من نوابنا بمجلس البرلمان،”
قالت متوسلة “انا بمصيبة يا سامح، اين انت؟”
اجاب بقلق”يا ساتر يا رب، ما المشكلة، انا بالمكتب،”
“انا قادمة اليك، ارجوك ان تنتظرني، انا بمصيبة و لن يستطيع احد انقاذي غيرك،”
“تعالي يا غرازيلا، انا بإنتظارك…لحظة من فضلك…”
فجأة ارتفع صوت مذيعة و ضجة كبيرة بمكتبه، فسأل غرازيلا “ماذا يحدث بجامعة ربوع الأردن…يا ساتر الطلاب تحاول اقتحام مبنى مكتوب عليه كلمة باخوس، و الدرك يطوقون المبنى و يمنعوهم، يا ساتر يا رب…هنالك قوات كبيرة من الدرك تكفي لتحرير القدس من قبضة اليهود…الأحداث على الفضائيات،”
“انا السبب يا سامح،”
“انا بإنتظارك، لا تخافي من شيئ، اهدائي،”
انهى المكالمة و نظر الى محطة انباء الأردن 24 و هي تنقل بث حي و مباشر من ربوع الأردن الأهلية للأحداث الدائرة هناك، فكان عدد كبير من الدرك بقفون على مدخل مبنى باخوس بوجه مئات الطلاب و هم يصرخون وراء هتافات قائد محمول على الأكتاف يكلمهم من مبكر للصوت، كانوا يقولون “اسلامية أسلامية نريد الأردن اسلاميه”، و “إسلامية إسلامية نريد مناهج إسلامية!!!”، كانوا الجنود بحالة تأهب و كأنهم ينتظرون فقط كلمة هجوم لينقضوا على الطلبة، كانوا يمسكون الرهوات و الدروع الواقية امامهم و كانوا يهرولون في مكانهم صارخين كلمات “صاعقة!!! صاعقة!!! بإستمرار، كان المنظر لا يبشر بالخير فالذي كان واضح ان الطرفين على وشك الإلتحتم مع بعض بشراسة،
اطلت مذيعة بالقرب من المكان و خاطبت المشاهدين قائلة “منذ ساعة من الآن و انتهت خطبة صلاة الظهر في جامع ربوع الأردن حيث توافد مئات الطلاب الى المسجد لأداء صلاة الظهر، و حيث خطب بهم الشيخ زاهر عبدالصمد المعروف بمواقفه المتعصبة خلال احداث الربيع العربي مؤخرا تجاه الفنون و الدراما المعاصرة، و اكد خلال خطبته على رفضه لتبنى وزارة الجامعات مناهج رومية لكليات الفنون و المسرح و الدراما حيث لا تتضمن اية مواد تتوافق مع تراثنا الشرقي و الشريعة الإسلامية، و طالب بأسلمة مناهج هذه الجامعات بالكامل، و مع ما تضمنته صحيفة الجامعة من رفض لمشهد حميمي من مسرحية كليوبترا ضم الطالبة و الممثلة نجوى فياض مع الطالب و الممثل جمال السلمان حيث ضمها و قبلها بالمشهد استشاط طلاب كلية الشرعية خاصة و بعض من طلاب كليات الجامعة عموما و احتشدوا في مظاهرة كبرى كما نحن نشاهد في الخلفية، و كادت جموع الطلاب الغاضبة ان تقتحم مسرح الجامعة و لكن لتصل قوات صاعقة الدرك بالوقت المناسب لتمنع هذا الأمر، و يبدو ان الطلاب يقومون بلوم غرازيلا فريد عميدة الكلية و استاذة الإخراج سالي نجيب على كل ما يحدث حيث قاموا بشتمهن بشدة خلال هتافات المظاهرات الدائرة حاليا، فهن من القيمين على العمل المسرحي…”
ابتسم سامح و قال في ذاته “بسيطة يا غرازيلا، اجندات معروفة لدى خصمنا الكلاسيكي المتدين، سنلعب معهم قليلا في ربوع الأردن الأهلية”
اخذ سامح سماعة الهاتف و طلب غرازيلا، اجابت بعد بضعة رنات “سامح نحن على بعد عشرة دقائق حسب جوجل مابس من مكتبكم بأم اذينه،”
“اهلا و سهلا بك متى اتيتي،” ضحك قليلا ثم قال “هل هذا ما يخيفك!”
اجابت غرازيلا بصدمة “تكاد دمائي تجف من الخوف و القلق على ما يحصل بالجامعة مع طلابنا، انا ارجلي في فلقة موجعة و انت تضحك؟”
“سأشرح لك ماذا يحصل، انت عروسة الموسم لديهم، اتيتيهم كالرزق من السماء و بالوقت المناسب فكنت و المسرح و الدراما مكسر عسى ليفعلوا بلبلتهم ليكسبوا اصوات بالإنتخابات البرلمانية القادمة، هم يريدون ان يقولوا لمنافسيهم و للدولة اننا موجودون مع اعضاء حزبنا و اتباعنا…”
صمتت على ما سمعته من سامح، فتفتحت عيناها قليلا لما كان قد حصل معها و ابتدأت بإيجاد تفاسير لأمور كثيرة، تبددت بعض المخاوف في داخلها، قالت”اذا هذه هي الحكاية؟ ماذا تشور علي يا سامح فعندك خبرة سياسية اكثر مني؟”
“ان ما يجري في الجامعة ليس بقليل، انا اعلم، و لكن لا يسعنا الا الإنتظار لنرى عن ما ستسفر المواجهات عليه اليوم، في الغد عودي لرأس عملك بصورة طبيعية و اسسي موقع الكتروني او صحيفة خاصة بكلية الفنون و الدراما في ربوع الاردن، اخبري فيها عن نشاطاتكم الدرامية و اشرحي اهدافكم الأكاديمية اكثر، فالتكن دعاية مضادة لصحيفتهم، لذلك هم استقوا عليك اعلاميا فينقصك صحيفة تابعة لكليتك تضحد اعلامهم الموجه، انا و حزب اليسار الحر سندعمك بكل ما يلزمك لتنشئي صحيفة مضادة لهم، انتِ تعلمي كم احبك يا غرازيلا، احبك كثيرا و لن اتخلى عنك اطلاقا، انا و حزبي تحت تصرفك، بعد غد سننظم تظاهرة كبيرة نحن و اتباعنا في داخل جامعة ربوع الأردن ضد تظاهراتهم الحاشدة اليوم، لا تستخفي بوزننا كحزب في داخل الأردن و في الجامعات ايضا،”
“اخاف ان يرفض العميد دعمي بكل هذه المشاريع…انا مجرد دكتوره عندهم يا سامح و قد يستغنوا عن خدماتي اذا تسببت لهم بوجعة رأس…”
الا تعلمي انني احد الشركاء الرئيسين بهذه الجامعة؟”
اجابت غرازيلا بصدمة كبيرة “شريك رئيسي؟ عمرك ما اخبرتني بهذا الأمر، اكاد لا اصدق بأنني تقدمت منذ بضع اشهر بطلب توظيف كغيري من الأساتذة في جامعة يمتلكها ابن عمي،”
“بسيطة، حقك علي، انا مقصر بواجباتي مع اسرتك، لم نرى بعض منذ عودتك من بيروت في الصيف الماضي، اخبرك منذ الآن بأن استقالتك مرفوضة…انا من اعطي غزلان راتبه…يا غرازيلا انا ألعب ببعض الملايين في داخل الأردن، لا تخافي من شيئ…”…يتبع