رمضان شهر الجود والكرم والعطاء والمواساة والإحسان

#رمضان #شهر #الجود والكرم و #العطاء و #المواساة والإحسان – ماجد دودين

الحمدُ لله العظيمِ في قَدْرِه، العزيزِ في قهْرِه، العالمِ بحالِ العَبْدِ في سِرِّه وجَهْرِه، الجائِدِ على المُجَاهدِ بِنَصْرِه، وعلى المتَواضِعِ من أجْلِهِ بِرَفْعِه، يسمعُ صَريفَ القلمِ عند خطِّ سَطْرِه، ويرى النَّملَ يدبُّ في فيافي قَفْرِه، ومِن آياتِه أنْ تقوم السَماءُ والأرضُ بأَمْرِه، أحْمَدُهُ على القَضَاءِ حُلْوِه ومُرِّه، وأشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له إقامةً لِذْكْرِهِ، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه المبعوثُ بالبِرِّ إلى الخلْقِ في بّره وبَحْرِه، صلَّى الله عليه وعلى آلِهِ وأصحابه والتابعينَ لهم بإِحسانٍ ما جاد السحابُ بقطْرِه، وسلَّم تسليماً كثيرا.

هذا شهر الجود والكرم والعطاء والمواساة، والجود من معالي الأخلاق.

قال – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:” – إنَّ اللهَ كريمٌ يُحبُّ الكُرَماءَ، جوادٌ يُحبُّ الجَوَدَةَ، يُحبُّ معاليَ الأخلاقِ، ويكرَهُ سَفْسافَها”.

مقالات ذات صلة

وقال – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:” إنَّ اللهَ تعالى جَوَادٌ يحبُّ الجُودَ، ويحبُّ مَعالِي الأَخلاقِ، ويكرَهُ سَفسافَها “.

حَثَّ الإسلامُ على التَحَلِّي بالصِّفاتِ الطَّيِّبةِ والجَميلةِ، التي يُحِبُّها اللهُ سُبحانَه ويَرضاها نَبيُّه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. وفي هذا الحَديثِ يَقولُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “إنَّ اللهَ كَريمٌ”، والكَريمُ اسمٌ مِن أسماءِ اللهِ تَعالى الحُسنَى، وهو يَتضَمَّنُ صِفَةَ الكَرَمُ على ما يليقُ بكَمالِ اللهِ تعالى، “يُحِبُّ الكُرَماءَ”، أي: يُحِبُّ عِبادَه الكُرَماءَ الذين يُكرِمونَ غَيرَهم مِن عِبادِ اللهِ، وهو سبحانَه “جَوَادٌ”، أي: كَثيرُ الجُودِ والعَطاءِ لِعِبادِه؛ فيَفيضُ عليهم بالرَّحَماتِ والغُفرانِ والأرزاقِ، وغَيرِ ذلك مِنَ النِّعَمِ التي لا تُعَدُّ، “يُحِبُّ الجَوَدةَ”، وهم أصحابُ البَذلِ والإنفاقِ، والذين يَتَّصِفونَ بسُهولةِ البَذلِ والإنفاقِ وتَجَنُّبِ ما لا يُحمَدُ مِنَ الأخلاقِ، وفي ذلك دَلالةٌ على أنَّ اللهَ سَيُثيبُ أصحابَ تلك الصِّفاتِ بأفضَلَ مِمَّا أنفَقوا وبَذَلوه لِغَيرِهم. ويُحِبُّ سُبحانَه وتعالَى “معاليَ الأخلاقِ” وهي الأخلاقُ عاليةُ الشَّأنِ، ورَفيعةُ القَدْرِ التي تَرفَعَ قَدْرَ صاحِبِها، مِثلَ: عِزَّةِ الإيمانِ وقُوَّتِه، والامتِثالِ للهِ والرَّسولِ، “ويَكرَهُ سَفْسافَها” مِنَ الأخلاقِ رَديئَها وحَقيرَها، والتَّوافِهَ التي تُنبئُ عن الخِسَّةِ والدَّناءةِ، وعَدَمِ المُروءةِ، مِثلَ: الإصرارِ على الذُّنوبِ، والغِيبةِ والنَّميمةِ، وتَدَخُّلِ المَرءِ فيما لا يَعنِيه. ولَيسَتْ صِفاتُ اللهِ كصِفاتِ الخَلقِ؛ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ ليس كَمِثلِه شَيءٌ، وهو السَّميعُ البَصيرُ، ولكِنْ مَن تَخلَّقَ بِشَيءٍ مِن صِفاتِه ومَعاني أسمائِه الحُسْنى، كانَ مَحبوبًا له مُقَرَّبًا عِندَه. وفي الحَديثِ: إثباتُ صِفةِ المَحبَّةِ للهِ تَعالى، وبَيانُ بَعضِ أسبابِ نَيلِ مَحبَّتِه سُبحانَه. وفيه: الإرشادُ إلى الحِرصِ على فِعلِ مَعالي الأُمورِ في الدِّينِ والحَياةِ، والابتِعادِ عنِ الأفعالِ الدَّنيئةِ.

وفي حديث أبي ذر عن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عن ربه قال:” يا عِبَادِي لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، ما نَقَصَ ذلكَ ممَّا عِندِي إلَّا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يا عِبَادِي إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ، فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ “

والله سبحانه وتعالى أجود الأجودين، وجُوده يتضاعف في أوقات خاصة: كشهر رمضان، وفيه أنزل:” وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) سورة البقرة.

رمضان شهر العتق من النيران:

ومن سابغ جود الله وعظيم كرمه تفضله في هذا الشهر بعتق عباده من النيران وفي حديث أبي هريرة:” … إذا كان أولُ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ صُفِّدَتِ الشياطينُ ومَرَدةُ الجنِّ، وغُلِّقتْ أبوابُ النارِ فلم يُفتحْ منها بابٌ، وفُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ فلم يُغلقْ منها بابٌ، ويُنادي منادٍ كلَّ ليلةٍ: يا باغيَ الخيرِ أقبلْ، ويا باغيَ الشرِّ أقْصرْ، وللهِ عتقاءُ من النارِ، وذلك كلَّ ليلةٍ “.

وعن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال:” – للهِ عند كلِّ فطرٍ عتقاءُ”.

رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أجود الناس:

وقد جبل الله نبيه – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – على أكمل الأخلاق وأشرفها

في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجوَدُ ما يَكونُ في رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وكانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضَانَ، فيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أجْوَدُ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ.

قال ابن حجر في “الفتح”: “قال الزين بن المنير: وجه التشبيه بين أجوديته – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بالخير وبين أجودية الريح المرسلة أن المراد بالريح ريح الرحمة التي يرسلها الله تعالى لإنزال الغيث العام الذي يكون سبباً لإصابة الأرض الميتة وغير الميتة، أيْ فيعم خيره وبره مَنْ هو بصفة الفقر والحاجة، ومَنْ هو بصفة الغنى والكفاية أكثر مما يعمّ الغيث الناشئة عن الريح المرسلة”.

•        وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أحسن الناس وأشجع الناس، وأجود الناس.

“وكان جوده بجميع أنواع الجود، من بذل العلم والمال، وبذل نفسه لله تعالى في إظهار دينه، وهداية عباده، وإيصال النفع إليهم بكل طريق، من إطعام جائعهم، ووعظ جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وتحمل أثقالهم، ولم يزل – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – على هذه الخصال الحميدة منذ نشأ، ولهذا قالت له خديجة في أول مبعثه: ((أبشِرْ يا بنَ عمِّ واثبُتْ، فوالذي نَفْسي بيَدِهِ، إنِّي لأرجو أنْ تكونَ نبيَّ هذه الأُمَّةِ، فواللهِ إنَّك لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصدُقُ الحديثَ، وتَحمِلُ الكَلَّ، وتُكسِبُ المعدومَ، وتَقري الضَّيفَ، وتُعينُ على نَوائِبِ الحقِّ.)) ثم تزايدت هذه الخصال فيه بعد البعثة وتضاعفت أضعافاً كثيرة.

•        وفي “صحيح مسلم” عن أنس قال:” – ما سُئِلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ علَى الإسْلَامِ شيئًا إلَّا أَعْطَاهُ، قالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فأعْطَاهُ غَنَمًا بيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إلى قَوْمِهِ، فَقالَ: يا قَوْمِ أَسْلِمُوا، فإنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لا يَخْشَى الفَاقَةَ”.

فَقالَ أَنَسٌ: إنْ كانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ ما يُرِيدُ إلَّا الدُّنْيَا، فَما يُسْلِمُ حتَّى يَكونَ الإسْلَامُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَما عَلَيْهَا.

وفيه أيضاً عن صفوان بن أمية قال:” لقد أعطاني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ حُنينٍ وإنَّه لَمِن أبغضِ النَّاسِ إليَّ فما زال يُعطيني حتَّى إنَّه لَأحبُّ الخَلقِ إليَّ “.

•        وفي مغازي الواقدي: أن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أعطى صفوان يومئذ وادياً مملوءً إبلاً ونعماً فقال صفوان: أشهد ما طابت بهذا إلا نفس نبي.

•        وخرج البخاري من حديث سهل بن سعد:” جَاءَتِ امْرَأَةٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ببُرْدَةٍ، فَقالَ سَهْلٌ لِلْقَوْمِ: أتَدْرُونَ ما البُرْدَةُ؟ فَقالَ القَوْمُ: هي الشَّمْلَةُ، فَقالَ سَهْلٌ: هي شَمْلَةٌ مَنْسُوجَةٌ فِيهَا حَاشِيَتُهَا، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، أكْسُوكَ هذِه، فأخَذَهَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُحْتَاجًا إلَيْهَا فَلَبِسَهَا، فَرَآهَا عليه رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، ما أحْسَنَ هذِه، فَاكْسُنِيهَا، فَقالَ: نَعَمْ فَلَمَّا قَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَامَهُ أصْحَابُهُ، قالوا: ما أحْسَنْتَ حِينَ رَأَيْتَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخَذَهَا مُحْتَاجًا إلَيْهَا، ثُمَّ سَأَلْتَهُ إيَّاهَا، وقدْ عَرَفْتَ أنَّه لا يُسْأَلُ شيئًا فَيَمْنَعَهُ، فَقالَ: رَجَوْتُ بَرَكَتَهَا حِينَ لَبِسَهَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، لَعَلِّي أُكَفَّنُ فِيهَا)).

“كان جوده – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كله لله وفي ابتغاء مرضاته فإنه كان يبذل المال إما لفقير أو محتاج أو ينفقه في سبيل الله أو يتألف به على الإسلام من يقوي الإسلام بإسلامه، وكان يؤثر على نفسه وأهله وأولاده فيعطي عطاء يعجز عنه الملوك مثل كسرى وقيصر ويعيش في نفسه عيش الفقراء، فيأتي عليه الشهر والشهران لا يوقدْ في بيته نار وربما ربط على بطنه الحجر من الجوع، وكان قد أتاه سبي فشكت إليه فاطمة ما تلقى من خدمة البيت وطلبت منه خادماً يكفيها مؤنة بيتها فأمرها أن تستعين بالتسبيح والتكبير والتحميد عند نومها وقال: لا أعطيك وأدع أهل الصفة تطوي بطونهم من الجوع”

“كان – صلى الله عليه وسلم – بعد الرسالة جوده في رمضان أضعاف ما كان قبل ذلك، فإنه كان يلتقي هو وجبريل عليه السلام وهو أفضل الملائكة وأكرمهم ويدارسه الكتاب الذي جاء به وهو أشرف الكتب وأفضلها وهو يحث على الإحسان ومكارم الأخلاق، وقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هذا الكتاب له خُلُقاً بحيث يرضى لرضاه ويسخط لسخطه ويسارع إلى ما حث عليه، ويمتنع مما زجر عنه فلهذا كان يتضاعف جوده وأفضاله في هذا الشهر لقرب عهده بمخالطة جبريل عليه السلام وكرة مدارسته له هذا الكتاب الكريم الذي يحث على المكارم والجود، ولا شك أن المخالطة تؤثر وتورث أخلاقاً من المخالطة.

كان بعض الشعراء قد امتدح ملكاً جواداً فأعطاه جائزة سنية فخرج بها من عنده وفرّقها كلها على الناس وأنشد:

لمستُ بكفي كفه أبتغي الغنا … ولم أدر أن الجود من كفه يعدي

فبلعْ ذلك الملك فأضعف له الجائزة. وقد قال بعض الشعراء يمتدح بعض الأجواد ولا يصلح أن يكون ذلك إلا لرسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

تعوّد بسط الكف حتى لو أنه … ثناها لقبض لم تجبه أنامله

تراه إذا ما جئته متهللاً … كأنك تعطيه الذي أنت سائله

هو البحر من أي النواحي أتيته … فلجته المعروف والجود ساحله

ولو لم يكن في كفه غير روحه … لجاد بها فليتق الله سائله

وفي تضاعف جوده – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – في شهر رمضان بخصوصه فوائد كثيرة منها:

  • شرف الزمان ومضاعفة أجر العامل فيه.
  • إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعاتهم فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم.
  • وفي حديث زيد بن خالد رضي الله عنه، قال رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:” مَن فَطَّرَ صائمًا، كان له -أو: كُتِبَ له- مِثلُ أجرِ الصَّائمِ، مِن غيرِ أنْ يَنقُصَ مِن أجرِ الصَّائمِ شيئًا”.
  • شهر رمضان شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار لا سيما في ليلة القدر.
  • والله تعالى يرحم من عباده الرحماء كما قال – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إنما يرحم الله من عباده الرحماء” فمن جاد على عباد الله جاد الله عليه بالعطاء والفضل والجزاء من جنس العمل.
  • ومنها أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة كما جاء في حديث عليّ رضي الله عنه، عن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: “إنَّ في الجنَّةِ غُرفًا تُرَى ظُهورُها من بطونِها وبطونُها من ظُهورِها فقامَ أعرابيٌّ فقالَ لمن هيَ يا رسولَ اللَّهِ فقالَ لمن أطابَ الكلامَ وأطعمَ الطَّعامَ وأدامَ الصِّيامَ وصلَّى باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ.
  • قال بعض السلف: الصلاة توصل صاحبها إلى نصف الطريق والصيام يوصله إلى باب الملك والصدقة تأخذ بيده فتدخله على الملك.
  • وفي “صحيح مسلم” عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: ” مَن أصْبَحَ مِنْكُمُ اليومَ صائِمًا؟ قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن تَبِعَ مِنْكُمُ اليومَ جِنازَةً؟ قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن أطْعَمَ مِنكُمُ اليومَ مِسْكِينًا قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن عادَ مِنْكُمُ اليومَ مَرِيضًا قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ما اجْتَمَعْنَ في امْرِئٍ إلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ.
  • أن الجمع بين الصيام والصدقة أبلغ في تكفير الخطايا واتقاء جهنم: والمباعدة عنها وخصوصاً إذا ضم إلى ذلك قيام الليل.
  • فالصيام جنة، وفي حديث معاذ: “الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وقيام الرجل من جوف الليل” يعني أنه يطفئ الخطيئة أيضاً وقد صرّح بذلك في رواية الإمام أحمد.
  • وفي الحديث الصحيح عنه – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “اتقوا النار ولو بشق تمرة”.
  • الصدقة تجبر ما في الصوم من خلل: إن الصيام لابد أن يقع فيه خلل أو نقص، وتكفير الصيام للذنوب مشروط بالتحفظ مما ينبغي التحفظ منه.
  • وعامة صيام الناس لا يجتمع في صومه التحفظ كما ينبغي ولهذا نهى أن يقول الرجل: صمت رمضان كله أو قمته كله.
  • فالصدقة تجبر ما فيه من النقص والخلل، ولهذا وجب في آخر شهر رمضان زكاة الفطر طُهرة للصائم من اللغو والرفث.
  • والصيام والصدقة كفارات الأيمان ومحظورات الإحرام وكفارة الوطء في رمضان ولهذا كان الله تعالى قد خيّر المسلمين في ابتداء الأمر بين الصيام وإطعام المسكين ثم نسخ ذلك وبقي الإطعام لمن يعجز عن الصيام لكبره.
  • ومن أخّر قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر فإنه يقضيه ويضم إليه إطعام مسكين لكل يوم تقوية له عند أكثر العلماء، كما أفتى به الصحابة
  • وكذلك من أفطر لأجل غيره كالحامل والمرضع على قول طائفة من العلماء.
  • ومنها “أن الصائم يدع طعامه وشرابه لله، فإذا أعان الصائمين على التَقَوِّي على طعامهم وشرابهم كان بمنزلة من ترك شهوة لله وآثر بها أو واسى منها ولهذا يشرع له تفطير الصوام معه إذا أفطر لأن الطعام يكون محبوباً له حينئذ فيواسي منه حتى يكون ممن أطعم الطعام على حبه، ويكون في ذلك شكر لله على نعمة إباحة الطعام والشراب له ورده عليه بعد منعه إياه فإن هذه النعمة إنما عرف قدرها عند المنع منها”.

مواساة السلف:

كان كثير من السلف يواسون من إفطارهم أو يؤثرون به ويطوون:

•        كان ابن عمر يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين، فإذا منعه أهله عنهم لم يتعش تلك الليلة، وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام وقام فأعطاه للسائل فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الجفنة فيصبح صائماً ولم يأكل شيئاً، وكان يتصدق بالسكر ويقول: “سمعت الله يقول: “…لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون” والله يعلم أني أحب السكر”.

•        وجاء سائل إلى الإمام أحمد فدفع إليه رغيفين كان يعدهما لفطره ثم طوى وأصبح صائماً.

•        وكان الحسن يُطعم إخوانه وهو صائم تطوعاً ويجلس يروّحهم وهم يأكلون.

سلام الله ورحمته على تلك الأرواح لم يبق منهم إلا أخبار وآثار، كم بينْ من يمنع الحق الواجب عليه وبين أهل الإيثار.

قال الشافعي رضي الله عنه: أحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداء برسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم.

قال – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:” أفضلُ الأعمالِ أن تُدخِلَ على أخيك المؤمنِ سرورًا، أو تقضى عنه دَيْنًا، أو تطعمَه خبزًا)) كان الصَّحابةُ رضِي اللهُ عنهم -لحِرصِهم على الطَّاعاتِ وما يُقرِّبُ مِن رِضا اللهِ عزَّ وجلَّ- كثيرًا ما يسأَلون النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن أفضلِ الأعمالِ، وأكثرِها قُربةً إلى اللهِ تعالى، فكانتْ إجاباتُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تختلِفُ باختلافِ أشخاصِهم وأحوالِهم، وما هو أكثرُ نفعًا لكلِّ واحدٍ منهم.

وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “أفضلُ الأعمالِ أنْ تُدْخِلَ على أخيك المُؤْمِنِ”، والمرادُ بالأُخُوَّةِ أُخُوَّةُ الدِّينِ لا أُخُوَّةُ النَّسَبِ، “سُرورًا”، أي: تُقدِّمُ له مِن الأسبابِ التي تَشْرَحُ صدْرَه وتُسْعِدُه، “أو تَقْضيَ عنه دَيْنًا”، أي: يَسعَى في قَضائِهِ كاملًا أو جزءًا منه أو المقدورِ عليه، “أو تُطْعِمَه خُبْزًا”، والمُرادُ الخُبْزُ وما فوقَه من أنواعِ الطَّعامِ المقدورِ عليها، وإنما خُصَّ الخُبْزُ لعُمومِ وُجودِهِ حتى لا يَبْقى للإنسانِ عُذْرٌ في تَرْكِ الإطعامِ.

•        وقال – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ” – أحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفعُهُمْ ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ تُدخِلُهُ على مُسلِمٍ ، أو تَكشِفُ عنهُ كُربةً ، أو تَقضِيَ عنهُ دَيْنًا ، أو تَطرُدَ عنهُ جُوعًا ، ولَأَنْ أمْشِيَ مع أخِي المسلمِ في حاجةٍ أحَبُّ إليَّ من أنْ أعتكِفَ في المسجدِ شهْرًا ، ومَنْ كفَّ غضَبَهُ ، سَتَرَ اللهُ عوْرَتَهُ ، ومَنْ كظَمَ غيْظًا ، ولوْ شاءَ أنْ يُمضِيَهُ أمْضاهُ ، مَلأَ اللهُ قلْبَهُ رضِىَ يومَ القيامةِ ، ومَنْ مَشَى مع أخيهِ المسلمِ في حاجَتِه حتى يُثْبِتَها لهُ ، أثْبتَ اللهُ تعالَى قدَمِه يومَ تَزِلُّ الأقْدامُ ، وإنَّ سُوءَ الخُلُقِ لَيُفسِدُ العملَ ، كَما يُفسِدُ الخَلُّ العَسَلَ”.

•        وقال – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “خير الناس أنفعهم للناس”

•        وقال – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار”.

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رجلاً سأل رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال يا رسولَ اللَّهِ أيُّ الإسلامِ خيرٌ؟ قالَ: تُطعمُ الطَّعامَ، وتقرأُ السَّلامَ، على من عَرفتَ، ومن لم تعرِفْ “.

•        وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:” اعبدوا الرحمنَ، وأطعموا الطعامَ، وأفْشُوا السّلامَ تدخلوا الجنةَ بسلام “.

اسمع إلى حديث أبي هريرة عن رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: “- بَينَما رَجُلٌ يَمشي بطَريقٍ؛ اشتَدَّ عليه العطَشُ، فوجَدَ بِئرًا فنزَلَ فيها فشرِبَ، ثم خرَجَ، فإذا كَلبٌ يَلهَثُ، يَأكُلُ الثَّرى مِنَ العَطَشِ، فقال الرَّجُلُ: لقد بلَغَ هذا الكَلبَ مِن العَطَشِ مِثلُ الذي بلَغَني. فنزَلَ البِئرَ، فمَلَأَ خُفَّهُ، ثم أمسَكَهُ بفيهِ، حتى رقِيَ فسَقى الكَلبَ، فشكَرَ اللهُ لهُ، فغفَرَ لهُ. قالوا: يا رسولَ اللهِ، وإنَّ لنا في البهائمِ أجْرًا؟ فقال: في كُلِّ ذاتِ كَبِدٍ رَطبةٍ أجْرٌ.”

أو هذا الحديث… قال – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( بيْنَما كَلْبٌ يُطِيفُ برَكِيَّةٍ قدْ كادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، إذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِن بَغايا بَنِي إسْرائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَها، فاسْتَقَتْ له به، فَسَقَتْهُ إيَّاهُ، فَغُفِرَ لها بهِ)

الرَّاحمونَ يَرحَمُهم الرَّحمنُ، حتَّى لو كانتْ رحمتُهم للحَيوانِ، فضْلًا عَن الإنسانِ، ولا يُوجَدُ ذَنْبٌ يَستعظِمُ على اللهِ سُبحانَه؛ فهو الغَفورُ الرَّحيمُ لمَن تاب وأنابَ.

وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ اللهَ تعالَى غَفَرَ لمُومِسةٍ -وهي المرأةُ الزَّانيةُ المجاهِرةُ بالفُجورِ-؛ لأنَّها مَرَّت بكلْبٍ على رَأسِ رِكيٍّ -أي: بِئرٍ- يَلهَثُ، فيُخرِجُ لِسانَه مِنَ العَطشِ يَكادُ يَموتُ منه، فنَزَعتْ هذه المرأةُ خُفَّها -والخُفُّ: ما يُلبَسُ في الرِّجلَينِ مِن جِلدٍ رَقيقٍ- ورَبطَتْه بِغطاءِ رَأسِها، فأنْزَلَتْه في البِئرِ حتَّى وَصَلَ إلى الماءِ وامتلَأَ، ثُمَّ جَلَبَتْ به الماءَ مِنَ البِئرِ وسَقَتِ الكَلْبَ، فغَفَرَ اللهُ لها بهذا الفِعلِ؛ لأَجْلِ رَحمتِها بالكَلبِ.

وفي الحديثِ: أنَّ الرِّفقَ والرَّحمةَ لا تَختصُّ بالإنسانِ، بلْ تَتَعدَّاه إلى كُلِّ ما فيه رُوحٌ، وتلك مِن أَعظَمِ تَعاليمِ الإسلامِ الحَنيفِ. وفيه: فضْلُ سَقْيِ الماءِ وكَونُه مِن أعظَمِ القُرُباتِ. وفيه: التَّنفيرُ مِن الإساءةِ إلى البَهائمِ والحَيوانِ. وفيه: أنَّ اللهَ تعالَى يَتجاوَزُ عن الكَبيرةِ بالعمَلِ اليَسيرِ تَفضُّلًا منه سُبحانَه.

الصدقة والإطعام باب لرفعة الدرجات.

عن عائشة رضي الله عنها أن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال:” إِذَا أَنْفَقَتِ المَرْأَةُ مِن طَعَامِ بَيْتِهَا غيرَ مُفْسِدَةٍ، كانَ لَهَا أَجْرُهَا بما أَنْفَقَتْ، ولِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بما كَسَبَ، ولِلْخَازِنِ مِثْلُ ذلكَ، لا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شيئًا. “

•        وقال الشعبي: “من لم ير نفسه إلى ثواب الصدقة أحوج من الفقير إلى صدقته فقد أبطل صدقته وضرب بها وجهه”. ما قدر كسرة تعطيها، أو ما سمعت أن الرب يربيها؟ فيراها صاحبها كجبل أحد، أفيرغب عن مثل هذا أحد؟ إن اللقمة إذا أُكلت صارت أذى وقبائح في الحش، وإذا تصدق بها صارت إذاً مدائح عند العرش.

•        أما تعلم أن الصدقة تزيد في العمر، ثم إنها والله سريعة الخلف، وحافظة بعد الموت للخلف، واعلم أن إنفاق كل حبة يثمر لك الوفاق والمحبة. “في كل سنبلة مائة حبة…”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى