رمضان برسم الغياب !

رمضان برسم الغياب !
د. محمد شواقفة

لن تكون الأيام كأي وقت مضى ….. يحل علينا الشهر الكريم فلا نعرف كيف نستقبله و قد أغلقت بيننا و بين بيوت الله جميع الأبواب …

لم نسمع التكبيرات تشق سكون الليل فالمساجد تشكي هجران محبيها … محتارة لسان حالها يقول: أين سكاني … أرى آثار قلوبهم و لا أجد لأي منهم أي أثر ….لن يزعجني تزاحمهم و لا الضوضاء … و لن اشتكي بعد اليوم من ضجيج الصغار و صخبهم يتراكضون في كل الارجاء …. و المحزن أننا لن نسمعها هذا العام !!

بعيدا عن الأحبة … فلا نستطيع ان نراهم الا عبر البعد … فلا نلمس اياديهم و لا نستطيع ان نرى دمعة الحزن تسيل على خدودهم عندما تغيب صورهم من الفضاء … يتسائل صغيري … أين الأهل و أين جمعة الأحبة ؟… هل سنزور بيت الجد و نلتقي بأبناء أقاربي من الصغار… لا أملك أي جواب و أشيح بوجهي فلا يراني أكاد أختنق بالعبرات.

أسأل الأحبة … كيف أحوالكم و لا أنتظر منهم أي جواب .. فوعد اللقاء بات خيالا و لم يعد للوصل أي طريق … روحي تعذبني فلا تشكي و تأبى عيني أن تبكي و ألتزم محراب الحزن العذري … تتعلق أحلامي برحمة الله و تقديره ..

كم إشتقنا لك يا رمضان … و انت مفعما بالروحانية و العبادات و الصلاة و قراءة القرآن …. و تفيض من ندى كفيك صلة الارحام … مضمخة بالشوق و التسامح و التقارب … و تطغى روحك على كل الخير في جميع النفوس فتجد الكل يتنافس في العطاء و مساعدة الآخرين … لكن هذا العام يبدو أن كل ذلك بعيد المنال… فلا مساجد تنادينا و لا تراويح تهذبنا … و لا قلوب محبة تلاقينا … و قد تقطعت السبل و غابت الادوات… لن تحظى بأجر لتطعم صائما بيديك و لن ترى أحدا على الطرقات يوزع التمر لك و بعض الماء … لن تجد سبيلا لترى أحبتك و تجالسهم و تطلب منهم أن يسامحوك على البعد و الهجران …

يا صغيري في البعد …لا املك غير محبتي ابثها لك عبر صورة الهاتف … و انت تقول بحروف متكسرة كمشاعري ” هذا أبي ! ” .. و يا أبي في البعد .. لا تنسانا من الدعاء و لكن لا ترهق نفسك بالانتظار … فيبدو أن الأمل بابه بدون مفاتيح … يا شقيقة روحي …كل ركن في خيالي لك فيه مكان …و كل مكان كنت فيه نراك هناك … فالبيت بدونكم كما الروح خاوية ..

يا أخي في البعد تسألني متى اللقاء …. تعرف اننا نشتاق لكم و لكننا في نحيا حياة أشبه بالموت لا روح فيها … و يعذبنا الانتظار … و يا أخية في البعد لا تخفي الدمع و لا تبكي … و حدثيني بكلمات أمي و ذكريني بضحكاتها و قصصها التي غابت و تلاشت ….

يا أمي … بعد أن رحلت و غبت مر علينا أكثر من رمضان و لم يكن أي منهم كما كان من قبل … و لكن يبدو انني لن احظى بتلك الزيارة الخاطفة كل عام فازرع ازاهير فوق مثواك الاخير … فارجوك ان تسامحيني!

رفقا يا رمضان و امض بنا الهوينا محملين بالاشواق و الاحزان و الذنوب… و نحبك و لو جئتنا برسم الغياب !!

” دبوس حزين بدون حزن !”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى