رقابة محكمة الاستئناف على انتخابات مجلس النواب

مدى رقابة محكمة الاستئناف على الإرادة الملكية بإجراء الإنتخاب لمجلس النواب
المحامي محمد احمد المجالي

كنا قد أثرنا بعد صدور الإرادة الملكية بتاريخ 29/7/2020 والقاضية بالأمر بإجراء الانتخابات النيابية لمجلس النواب نقاشاً قانونياً لدى الكثير السادة القضاة والاساتذة المحامين وأساتذة القانون في الجامعات بين مؤيد ومعارض لرأينا بعدم صحة تلك الإرادة الملكية كون وزير الداخلية ليس الوزير المختص للتوقيع عليها وفقاً لأحكام المادة (40/1) من الدستور وأن وزير الشؤون السياسية والبرلمانية هو الوزير المختص بهذا الشأن.
لكن النقاشات القانونية اتسعت لمسألة قانونية أخرى لا تقل أهمية عن المسألة الأولى وهي من هي الجهة القضائية التي تملك الرقابة على صحة تلك الإرادة الملكية وتملك تقرير صحتها أو عدم صحتها أو مدى توافقها مع أحكام الدستور؟
وغنيٌ عن التأكيد أن المحكمة الإدارية أو القضاء الإداري لا يختص بالنظر في هذه المسألة قطعاً كون مثل هذه الإرادة الملكية تُعتبر في قضائنا الإداري عملاً من أعمال السيادة ولا تختص المحكمة الإدارية بالنظر في الطعون المتعلقة بأعمال السيادة واستقر القضاء الإداري الأردني على هذا المبدأ منذ زمن بعيد.
ولا تختص المحكمة الدستورية بالنظر في هذا الطعن أيضاً سواءًا بدعوى أصلية أو فرعية لأن المحكمة ينحصر اختصاصها وفق المادة (59/1) من الدستور بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة ومسألة الإرادة الملكية التي نحن بصددها تخرج عن هذا الإختصاص لأن الارادة الملكية ليست قانوناً بذاتها ولا تُصادق على قانون أو نظام، إلا أن المحكمة تملك تفسير نصوص الدستور وفق المادة (59/2) إذا طلب منها مجلس الوزراء أو مجلس النواب أو مجلس الأعيان مثل هذا التفسير، لكن طلب التفسير مرتبط باعتبارت سياسية أكثر من الاعتبارات القانونية البحتة ويرتبط بتوجّه الدولة وخياراتها وفق الظروف والمتغيرات السياسية.
وهنا يبرز السؤال المهم، ما دام أن قرار اجراء الانتخاب لمجلس النواب يصدر بإرادة ملكية وفق المادة (34/1) من الدستور واشترط قانون الانتخاب لسنة 2012 في المادة (4) صدور الامر الملكي بإجرائها وما دام أن الدستور في المادة (71) أجاز الطعن لدى محكمة الاستئناف بصحة نيابة أعضاء مجلس النواب والطعن بإجراءات الانتخاب، فهل تملك محكمة الاستئناف بسط رقابتها على صحة الإرادة الملكية القاضية بالأمر باجراء الإنتخاب لمجلس النواب ومدى توافق هذه الإرادة مع أحكام الدستور؟

وللإجتهاد في الإجابة على هذا السؤال لا بد أن نبين ما يلي:
أولاً: نصت المادة (34/1) على ما يلي: (الملك هو الذي يصدر الأوامر بإجراء الانتخابات لمجلس النواب وفق أحكام القانون)، وهنا يلاحظ أن هذا النص الدستوري يربط الأمر باجراء الانتخابات النيابية وفق أحكام قانون الانتخاب بمعنى أن هذا الامر يجب أن يكون منصوصاً عليه في قانون الانتخاب باعتباره أول اجراءات الانتخاب، ولا يرد القول أن المقصود بعبارة وفق أحكام القانون لا تشمل الأمر باجراء الانتخاب بل تنصب على ما بعده من إجراءات كون الأمر باجراء الإنتخاب مصدره الدستور وليس القانون وأن الأمر باجراء الانتخاب شأن دستوري وليس إجرائي، ونردُّ على هذا الرأي بأن الدستور لو كان يستثني الأمر باجراء الانتخاب من إجراءات العملية الانتخابية لنص على عبارة (وفق أحكام الدستور) تماماً مثلما نص على عبارة (وفق أحكام الدستور) في الفقرة التي تليها من ذات المادة عندما نص على: (2. الملك يدعو مجلس الامة الى الاجتماع ويفتتحه ويؤجله ويفضه وفق احكام الدستور) ومثلها كثير، ولهذا يجب أن نفرّق ما بين الإرادة الملكية كصلاحية دستورية لجلالة الملك تصدر بموجب أحكام الدستور على الشكل المبين في الدستور وما بين الأمر موضوع الإرادة الملكية باعتباره أول إجراءات العملية الانتخابية لمجلس النواب على أن يكون هذا الاجراء صادراً بشكل صحيح وفق المادة (40/1) من الدستور.

ثانياً: أن قانون الانتخاب باعتباره القانون المنظّم للعملية الانتخابية لانتخاب مجلس النواب وجميع اجراءاتها قد نصّ بذاته في المادة (4) واشترط صدور هذه الارادة الملكية بالأمر باجراء الانتخاب وبالتالي بان صحة الاجراءات الانتخابية وفق القانون تبدأ بصحة وسلامة الإرادة الملكية القاضية بالأمر باجراء الانتخاب وهذا يُعني أن القانون اعتبر صدور الإرادة الملكية إجراءاً إنتخابيأ بل أول إجراءات العملية الانتخابية.

ثالثاً: جاءت المادة (4) من قانون الانتخاب تحت عنوان (صدور الأمر بإجراء الانتخابات) وهذا يُعني أن الأمر الملكي باجراء الانتخابات لمجلس النواب هو أحد اجراءاتها وأحد مراحل العملية الانتخابية وبالتالي يجب أن تكون الارادة الملكية من حيث صدورها متفقةً تماماً مع أحكام الدستور والقانون.

رابعاً: نصّت الفقرة (أ) من المادة (4) على ما يلي: (بعد أن يُصدر الملك أمره باجراء الانتخابات لمجلس النواب وفق أحكام الدستور: 1. يتخذ المجلس خلال عشرة أيام من صدور الأمر الملكي قراراً بتحديد موعد الاقتراع…..)، وهذا يُعني أن قانون الانتخاب لا يُخول المجلس بتحديد موعد الاقتراع إلا بعد صدور الأمر الملكي وبالتالي فالقانون لا يعتبر تحديد المجلس لموعد الاقتراع هو أول إجراءات العملية الانتخابية بل يرتبط وجوداً وعدماً بإجراءٍ يسبقه وهذا الإجراء هو صدور الامر الملكي وفقاً لأحكام الدستور، وهذا يؤكد أن القانون أعتبر صدور الأمر الملكي هو إجراء انتخابي من هذه الناحية.
خامساً: جاءت عبارة (بمقتضى أحكام الدستور) في الفقرة (أ) من المادة (4) من قانون الانتخاب بعد عبارة (بعد أن يُصدر الملك أمره باجراء الانتخابات لمجلس النواب)، وهذا يعني أن عبارة (بمقتضى أحكام الدستور) لم تأتِ عفواً أو عبثاً في قانون الانتخاب (والمشرّع لا يلغو) وكان من الممكن أن يكون النص مجرّداً من هذه العبارة ويتحقق الغرض في تسلسل وتراتبية الاجراءات بل جاءت هذه العبارة قصداً لتؤكّد أمرين مترابطين غاية في الأهمية:
الأمر الأول: أن صدور الأمر الملكي وفق أحكام الدستور هو أحد وأوّل الاجراءات التي يتطلبها قانون الانتخاب من اجراءات ومراحل للعملية الانتخابية.
الأمر الثاني: أن قانون الانتخاب وهو المعني بالاجراءات الانتخابية يُشدد ويؤكد على ضرورة أن يصدر الأمر باجراء الانتخاب وفق ضوابط وشروط وأحكام الدستور لأهمية صحة وسلامة انتخاب مجلس النواب الممثل لإرادة الشعب باعتبار الشعب مصدر السلطات، وهذا يستلزم بالضرورة أن القانون يفرض ويبسط الرقابة على صحة صدور الأمر الملكي باجراء الانتخاب بحيث يكون الأمر موافقاً تماماً لأحكام الدستور باعتباره إجراءاً من إجراءات الانتخاب، ولا يُمكن للمشرّع أن يفرض الرقابة على صحة إجراءٍ ما دون أن يحدد تلك الجهة الرقابية، وهنا نجد أن قانون الانتخاب أحال مسألة الرقابة على صحة النيابة وصحة اجراءات العملية الانتخابية بالمادة (53) منه على المادة (71) من الدستور والتي كلّفت محكمة الإستئناف حصراً بالنظر في الطعون المتعلقة بصحة النيابة (م71/1) وصحة إجراءات الانتخاب (م71/5) وبالتالي فإن محكمة الاستئناف تملك فرض رقابتها على مدى إتفاق الإرادة الملكية مع أحكام الدستور باعتبار الأمر الصادر بموجب الإرادة الملكية هو جزء من إجراءات الانتخاب.
وهنا يجدُر التأكيد على أن محكمة الاستئناف إذا وجدت أن الإرادة الملكية قد صدرت بشكلٍ لا يتفق مع أحكام الدستور شكلاً أو موضوعاً ليس لها الحكم ببطلان الإرادة الملكية أو الحكم بإلغائها أو إلغاء الأمر بإجراء الانتخاب لمجلس النواب وإنما تقوم بالحكم ببطلان الانتخاب في الدائرة أو الدوائر محل الطعن أو الطعون لديها لعدم إتفاق الإرادة الملكية الصادرة بالأمر باجراء الانتخاب لمجلس النواب مع أحكام القانون وهذا واضحٌ تماماً بنص الفقرة (5) من المادة (71) من الدستور التي تنص على ما يلي:
((وإذا تبين للمحكمة نتيجة نظرها في الطعن المقدم إليها أن إجراءات الانتخاب في الدائرة التي تعلق الطعن بها لا تتفق وأحكام القانون تصدر قرارها ببطلان الانتخاب في تلك الدائرة)).

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى