رسالة عاجلة إلى صديقي المزارع الكبير
- موسى العدوان
عزيزي #المزارع_الكبير أعزّك الله
لا أجد سبيلا للوصول إليك، لأحدّثك مباشرة عن الأحوال التي آلت إليها مزرعتنا الكبيرة هذه الأيام، إلاّ من خلال هذه #الرسالة المكتوبة. فعمّالك المقرّبون وضعوا الحواجز في الطريق ليحجزونا عنك أو يحجزوك عنّا، وسواء كان ذلك بعلمك أو بغير علمك فالنتيجة واحدة.
يحدث هذا بغضّ النظر عمّا كان بيننا من ود وتقاسم لأيام الشدة والشقاء، عندما انتظمنا جميعا في #طاقم #أمن #المزرعة، وساهمنا في العناية بأشجارها الباسقة وحماية حدودها من #المعتدين. وانطلاقا من هذا الحال أرى من واجبي مخاطبتك بهذه الرسالة الهادئة وفاء للعلاقة المميزة، التي سادت بيننا في ذلك الحين، لعلّك تجد فيها بصيصا من نور يضيء أمامك بعض #معالم #الطريق.
ولكي أربط الماضي بالحاضر لا بد لي من العودة بالذاكرة قليلا إلى الوراء. فقد حدث الفراق بيننا منذ فترة غير قصيرة، حيث غادرتُ وبعض زملائي منصتنا الأمنية في مزرعتنا الجميلة، التي سكبنا فيها العرق والدماء والتحقنا بجمهور النظّارة والمشاهدين، يحدونا الأمل بحرصك على مواصلة مسيرتها المتحضّرة، والحفاظ عليها نظرة تتطور نحو مستقبل واعد.
وفي السنوات اللاحقة رحنا نراقب مسيرة تلك المزرعة من خلال منصة المتفرجين، تمسكا بالعهد وتجسيدا لارتباطنا بها روحيا وجسديا، لأننا قطفنا بعضا من ثمارها الزكية في وقت سابق، وارتوينا من مائها العذب، وتيممنا بترابها الطهور، وتوسّدنا حجارتها الصلبة في ليال مظلمة موحشة، سعيا لحمايتها من شرور الطامعين، ورغبة في رؤيتها مزدهرة يتمتع عمالها بالسعادة، وتلهج ألسنتهم بالدعاء للقائمين عليها.
ولكننا مع الأسف الشديد، رأيناها وقد تحكّم بإدارتها عمال وعاملات أحداث، جاؤوا إليها بأفكار نظرية لم يمارسوها عمليا من قبل، فحقنوا أشجارها بمواد كيماوية ضارة ونقلوا إليها فيروسات قاتلة، وباعوا روافد الحياة فيها للغرباء، ثم حوّلوا قنواتها إلى مستنقعات آسنة، ممّا أكره عمالها الأمناء على هجرتها. ونتيجة لذلك ساءت حالتها العامة وقلّ إنتاجها، وأوشكت على الهلاك رغم مكابرة المنافقين.
صديقي المزارع الكريم
ألا ترى معي أنّه قد آن الأوان كي تعيد قراءة المشهد العام من حولك، فتصعد إلى تلة عالية وتستخدم منظارك المكبّر، لترى الحالة المحزنة التي وصلت إليها مزرعتك ؟ أنظر إلى عمالك الجدد الذين اقتلعوا ما زرع الآباء والأجداد، وقدّموا لك نصائح نظرية أتلفت ما صلح في المزرعة، وعاثوا فسادا في أرجائها، فأصبحت مرتعا للطيور الغريبة، وأوكارا للوحوش الضارية، التي أخذت تتأهب للانقضاض على فريستها، عندما يجيء اليوم الموعود.
وإذا ما أمعنت النظر في سجلاتي الزراعية السابقة، فستجد أنني لا أكرهك وإنّما أكره كبار عمالك ومستشاريك، الذين منحتهم كامل ثقتك في إدارة المزرعة. أولئك الأشخاص المنافقين الذين يُسدون لك نصائح زائفة، ويطمئنوك بأنّ مزرعتك بحالة جيدة وأمورها تسير على ما يرام، ويخبروك بأنّ عمّالك قانعون بأحوالهم العامة. ولكنهم في الحقيقة يخدعوك ولا يصارحوك باحتجاجات عمالك المتواصلة، التي تعبر عن أوضاعهم المعيشية البائسة، لا سيما وأنّ زياراتك النادرة إليهم تأخذ صبغة شكلية، لا تشاهد من خلالها إلاّ ما يرغب المنافقون أن تشاهده، ولا يُسمعوك إلاّ ما يروق لهم أن تسمعه.
وهذا الحال أنتج وضعا غريبا في المزرعة يسوده الغضب والاحتقان، خاصة بعد أن حصل كبار عمّالك على امتيازات ليست من حقهم، الأمر الذي أدّى إلى اختلال طبيعة المزرعة، وتقويض أسس العدالة بين عمالها، فأصبحت الفوضى والمشاجرات، وزراعة وتعاطي المخدرات، سمة سائدة في تصرفاتهم اليومية. ولا شك بأنّ هذا وضع ضار بمكانتك الشخصية، ويشكّل خطرا حقيقيا على كيان المزرعة ووجودها في ساحة المنطقة.
رفيقي المزارع العزيز
أحب أن أذكّرك بما فعلة بعض كبار الحراس في مزرعتك، والذين ائتمنتهم على رعايتها والحفاظ على ممتلكاتها، فأساؤوا حمل الأمانة، وأبوا إلاّ أن يرتدوا عباءة اللصوص. فراحوا يقطفون ثمارها خلسة آناء الليل وأطراف النهار، بعيدا عن أعين المراقبين الغافلين والمتواطئين، وجسّدوا عمليا المثل القائل “حاميها حراميها”. لقد اختلسوا وأفسدوا في أركان المزرعة التي آلت إليك كإرث من آبائك وأجدادك، حيث أقسمتَ يمينا في الحفاظ عليها نظرة آمنة أمام الله والتاريخ.
وهنا أود أن أسألك بصراحة متناهية : ألا تدفعك أفعال هؤلاء الحراس وغيرهم من المصفقين والمتزلفين، إلى التفكير بأنّ هناك خلل كبير في بنية مزرعتك المنهوبة ؟ ألا تشعر بأنّ الغرباء يخططون للاستحواذ عليها، وإغراقها بالعمال الجدد بعد نقلهم من مواقعهم السابقة ؟
ألا تعتقد بأنّ الوضع يتطلّب منك استعادة زمام المبادرة، فتطرد من مزرعتك كبار المنافقين، وتعاقب اللصوص الذين أساؤا لسمعتك وسمعة مزرعتك، ثم تقابل عمالك الغاضبين، لتسمع شكواهم الحقيقية مباشرة دون وسيط ؟ أليس من الأهمية بمكان أن تعيد الاستقرار والطمأنينة إلى مزرعتك بأسرع وقت ممكن، قبل أن يصيبها ما أصاب المزارع القريبة والبعيدة من فوضى وخراب ؟
أتوسّل إليك يا عزيزي، أن تقوم بانتفاضة بيضاء عاجلة تُصلح بها مسيرة المزرعة، قبل أن تميد الأرض من تحت أقدامنا جميعا، وقبل أن يركب بعضهم طائرة مغادرة إلى عالم مجهول، مخلّفين وراءهم أكواما من الركام ومديونية عالية على المزرعة. وعندها لن ينفعنا ترديد ما قاله امرئ القيس : قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل . . !
افعلها يا صديقي . . فالأمر جِدُّ خطير . . افعلها قبل فوات الأوان . . وحينها ستجد عمّالك يفخرون بك، ويساندوك بكل توجهاتك الإصلاحية، من أجل رفعة مزرعتنا الغالية. واعلم في ختام هذه الرسالة، أنّي قد صدقتك القول، وأنّي لك من الناصحين . . ! - مزارع من الأغوار
التاريخ : 18 \ 10 \ 2021