رسائل مهربة من السجون المصرية

سواليف

أعاد سجناء مصريون إلى الصدارة نوعاً من الأدب تكاد لا تقترب منه أضواء النقد، إلا في حالات نادرة، وهو أدب السجون.

وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أثارت رسالة مهرّبة من سجين مصري شاب، يدعى أيمن علي موسى، حالة من التعاطف الشديد على مواقع التواصل الاجتماعي.

موسى جرى فصله من كلية الهندسة في الجامعة البريطانية بالقاهرة، وقضت محكمة عليه بالسجن 15 عاماً؛ بتهمة التظاهر في أكتوبر 2013.

مقالات ذات صلة

ولم يستطع هذا الشاب أن يودّع والده، الذي تُوفّي بعد عام من حبسه ولم يحضر أيضاً جنازته؛ ما دعاه إلى استعادة 3 أعوام قضاها سجيناً، فكتب رسالة تهنئة لنفسه بعيد ميلاده.

موسى بدأ رسالته قائلاً: “عيد ميلاد سعيد؟! ..٢٥ أكتوبر ٢٠١٣ أتممت سن المراهقة في السجن، كان عيدُ ميلادي الـ21 هو الأول في السجن ٢٠١٤، كان الثاني ٢٠١٥، الثالث اليوم ٢٠١٦ هو عيد ميلادي الـ23… الرابع في السجن”.

أول عيد ميلاد

ويتابع الشاب المصري السجين: “أُول عيدِ ميلاد دون أبي… دون مستقبلٍ واضح أمامي، بعدما تم إيقاف قيدي بكلية الهندسة، بعدما تم الحكم عليّ بالسجن 15 عاماً دون سبب! أجلس في زنزانتي على الأرض، حيث أنام، أشعر بأني فأر محاصَر في مصيدة بمعمل، ينتظر أن تتم عليه التجربة، ولا أعلم بأي النتائج ستنتهي، إلى أي شيء ستحوّلني!”.

وعن حاله في السجن، يضيف موسى: “أنا متعَب من خسارة هدية في كل عيد ميلاد.. هذا العام، بدلاً من أن أرتدي قبعة التخرج والعباءة مع أصدقائي، حاصلاً على شهادة تخرّجي، ارتديت بدلة سجين وأصفاد يدٍ، منتظراً أن يتم نقلي إلى سجن آخر هذا العام.. تغيبت عن جنازة أبي.. أنا أفتقد أبي”.

بعد حكم الرئيس المصري جمال عبد الناصر (1956-1970)، لاقى أدب السجون اعترافاً نقدياً، حيث ظهرت مذكرات وكتابات روائية مختلفة.

لكن، في المرحلة الراهنة بمصر، ظهر أدب السجون في صورة جديدة، وهي رسائل مهرّبة تحمل آلاماً وآهاتٍ من خلف قضبان السجون.

وتعكس هذه الرسائل أوضاعاً غير إنسانية، بحسب سجناء، وهي تُكتب أحياناً على أوراق علب السجائر، وتبقى المتنفَّس الوحيد لآلاف الشباب المحبوسين (دون حكم قضائي)، والمسجونين على خلفية احتجاجات سياسية مختلفة.

ويعرّف الشاعر والكاتب السوري ممدوح عدوان، في كتابه “حيونة الإنسان”، أدب السجون بأنه “نوع من الأدب استطاع أن يكتبه أولئك الذين عانوا السجن والتعذيب خلال فترة سجنهم وتعذيبهم أو بعدها، أو كتبه الذين رصدوا تجارب سجناء عرفوهم أو سمعوا عنهم”.

وقبل أيام، بعث الباحث والصحفي المصري هشام جعفر، المحبوس في سجن “العقرب” بجنوب القاهرة، برسالة إلى ابنه قال فيها: “ابني العزيز عدنان، اشتقت إليك وإلى أحفادي كثيراً، اشتقت إلى روجيدة وتمنيت رؤية آدم، اشتقت إلى بذور هذا الوطن”.

إياك وفقد الانتماء

ورغم حبسه منذ منذ أكثر من عام دون حكم قضائي يدينه، يوصي جعفر ابنه بقوله: “إياك -يا بني- أن تزرع فيهم (الأحفاد) كره هذا الوطن، إياك -يا بني- أن تَدَعَهم يفقدون الانتماء إليه أو يفقدون الرغبة في ذلك، إياك إياك”.

ويعاني جعفر (52 عاماً) في السجن حالة صحية متردية، تشمل ضعف البصر والتهاب البروستاتا والضغط والسكري.

وهو رغم ذلك، يوصي ابنه عدنان قائلاً: “ازرع بداخلهم (الأحفاد) هذا الوطن، لا تدعْه يخرج من قلوبهم، اجعلهم دائماً يشتاقون إليه ويشعرون بالحنين، وإن كفرت أو كفروا، فحينها سأتيقّن أن ضريبة سجني ذهبت سدىً.. أنا لم ولن أكفر بالوطن فلا تدعهم يكفرون به. ودمنا إلى لقاء أتمناه قريباً”.

وفي أكتوبر 2015، اقتحمت عناصر من قوات الأمن المصرية مقر عمل جعفر في “مؤسسة مدى الإعلامية” (غير حكومية)، وأُلقي القبض عليه، ثم نُقل إلى سجن العقرب، ولم تتم إحالته إلى القضاء حتى الآن.

ومن بين السجناء في مصر، الناشط السياسي الشاب أحمد دومة، وهو يقضي عقوبة السجن المؤبد (25 عاماً) في القضية المعروفة إعلامياً بـ”حرق المجمع العلمي” (وسط القاهرة) في ديسمبر/كانون الثاني 2011، إضافة إلى حكم بالحبس 3 سنوات بتهمة خرق قانون تنظيم التظاهر.

ومن خلف القضبان، قال دومة (28 عاماً) في رسالة مهرّبة: “أصبح اشتياقي إلى الأشياء التافهة موجعاً للغاية: أن تدخن سيجارة في شرفة منزلك، تتمشى ليلاً في شوارع وسط البلد (يقصد القاهرة)، تجلس مع رفاقك على القهوة، تأكل الآيس كريم المفضل وأنت تقرأ، تقف بجوار صديق يحتاجك، تتلقى العزاء حتى في صديق مات.. لا تعرف قيمة الأشياء في حياتك وإن بدت تافهة إلا بعد فقدانها”.

واشتهرت العديد من الأعمال الأدبية العربية والغربية باعتبارها تنتمي إلى أدب السجون، لكن تبقى الأعمال التي كتبها مبدعون فلسطينيون وسوريون ومصريون ومغاربة هي الأبرز في هذه المساحة من المعاناة الإنسانية.

فرج

وتعد رواية “فرج” للكاتبة والأديبة المصرية الراحلة رضوى عاشور، والصادرة عام 2008، واحدة من أبرز هذه الأعمال؛ إذ تنقل تجربة أجيال متتالية مع السجن، بداية من تجربة والدها، ثم تجربتها هي، وأخيراً تجربة شقيقها الصغير.

وعبر هذه الأجزاء الثلاثة، يعرض ذلك العمل الأدبي تفاصيل الملاحقة والقمع السياسي في فترات مختلفة، وكأنها أرادت القول إن التجربة واحدة ومشتركة.

وعن السجون المصرية خلال حكم عبد الناصر، قدّم الكاتب المصري الراحل أحمد رائف عام 1977 كتاب “البوابة السوداء”، الذي رصد فيه تجربته وتجربة رفاق له من جماعة الإخوان المسلمين، إضافة إلى سجناء آخرين شيوعيين وغيرهم، حيث نقل تجارب شخصية جداً له ولرفاقه في أقبية التحقيق والتعذيب.

وفي كتابها “مذكراتي في سجن النساء”، الصادر عام 2000، تقدم الكاتبة المصرية نوال السعداوي عرضاً للاعتقال السياسي خلال حكم الرئيس المصري الراحل أنور السادات (1970-1981)، الذي شنت أجهزته الأمنية حملات اعتقال كبيرة بحق مثقفين وكتاب مصريين. وتتميز رواية السعداوي لمذكراتها بجمعها بين نوعين من القمع، هما القمع السياسي وما تطلق عليه “القمع الذكوري للمرأة في المجتمع المصري”.

هافنغتون بوست

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى