فنجان بدون سكر:
#رحلة نحو #المجهول
بقلم #عبدالهادي_بريويك
في وضعية وجدت تطبيقاتها الغير المثالية في مغربنا الأصيل، وضعية أقلية من المعارضة داخل مجلس النواب، لا يؤخذ برأيها، ولا تثمن اقتراحاتها من قبل أغلبية حكومية فازت في انتخابات سابقة، وصارت اللعبة السياسية مكشوفة، أمام الشعب.
أغلبية تتمتع بقوة القانون في التفكير والتدبير، وأقلية تقدم ما في جعبتها من حلول من أجل الوصول إلى الباب المفتوح.. ولكن الأغلبية مصرة على الاستمرار في العبث باسم دولة الحق والقانون، رغم تفاقم المشاكل الاجتماعية واستفحال غلاء المعيشة، وتدهور الصحة والتعليم، ومصادرة حقوق الطلبة الجامعيين الذين هم عماد الدولة والدين، مستقبل البلاد ومناراتها ..ومصادرة حقوق المتقاعدين اللذين على أكتافهم تم بناء المغرب الحديث وغيرهم من الشرائح الاجتماعية الجد متضررة اجتماعيا واقتصاديا.
التعليم أخطبوط يؤرق بال آباء وأمهات وأولياء التلاميذ
منظومة التعليم أم الورقة المطوية؟
لا مندوحة بالاعتراف بأن منظومة التعليم اتخذت عدة منعرجات، عقبات ومنحدرات منذ تسعينيات القرن الماضي، ما بين مد وجزر، ما بين الإقبال والإدبار، فأصبحت منظومة عرجاء بمفهومها العميق من حيث جودة المقررات والتأهيل والتكوين، ومن حيث المفاهيم والاختيارات، لاسيما أن التعليم بالنسبة لنا كمغاربة ..أمرا واجبا ومقدسا، بحكم الرغبة في التعليم من قبل المجتمع، ومرفوضا من قبل الساهرين اليوم على الرغم من كونه عمودا وركيزة أساسية في تقدم الدولة والمجتمع، قطاع في حالة استيلاب حقيقي للمنظومة وإفراغها من محتواها، وإثقال الأسر وأطفالهم وبناتهم بالمقررات العصية التي لا تستجيب للحياة العادية تاريخا وجغرافيا، عادات وتقاليد مغربية أصيلة بحثة، مع انفتاحاها على باقي الثقافات، لتبقى مقتصرة على المدارس الخاصة، في محاولة مقصودة لتدجين المدرسة العمومية وإفلاس جيوب المواطنات والمواطنين بقصد واضح وفاضح، مدرسة عمومية فقدت الهيكل والعظم والشحم واللحم، وأخذت طريقها نحو التلاشي إن لم أقل إلى منحى الاندثار.
الطلبة الجامعيون والأساتذة وذوي العلم والمعرفة “يأخذون حصصا إضافية في العصا بشوارع العاصمة”.. والعصا لم تخلق إلا لنفض الزرابي من الغبار.
هل هي فلسفة التقويض الهادف لصد صرخة أهل العلم والمعرفة؟ أم هي هيمنة من أجل بناء مستقبلي هادف/ غامض؛ نحن لا نعرفه ولا نعرف خباياه من أجل وطن متقدم وسعيد، ولم تستوعبه بعد حتى أحزاب المعارضة رغم تاريخها العريق التي تنتقد هذه المواقف المركزية التي لا علاقة لها بأنسنة الإنسان باعتباره المحور الأساس لكل تقدم وتنمية؟ أم يا ترى العصا أصبحت منهجية في إعادة ترتيب مفاهيم الدولة في تعاطيها مع المجتمع بمختلف فئاته وبمختلف مشاربه السياسية والحقوقية بناء على دستور البلاد 2011 الذي جاء بالكثير من الحقوق الدستورية ولم يطبق منه إلا القليل؟
حرية التعبير والحق في الإضراب والحق في المطالبة بالحقوق في جو من السلم الاجتماعي المطلوب والمفروض، باعتبارهم أوجها من أوجه الديموقراطية والعدالة الاجتماعية، ونوعا من أنواع المكاشفة بغاية إيجاد مكامن الخلل والعطب والبحث عن الحلول الملائمة والناجعة من خلال اتخاذ المواقف الحكومية، مواقف ” كلاييه”.. تشبه ضربة “علي كلاي” في الضربة القاضية، ضربة المعالجة والاستيعاب والاحتضان بصدر رحب لمعاناة المحتجين، دون اللجوء إلى القوة بذريعة العصيان. لأن الجحيم، هو إصرار على كونه المعاناة من عدم القدرة على الحبّ! والجحيم والجنة لا يلتقيان.. مادام الجواب يتجلى فقط في العقاب. ولأن حكومتنا هي العالمة والعارفة الملمة بكل القضايا.. يبقى المجتمع قاصرا في نظرها ويستحق العقاب.. عقاب بمختلف اشكاله وتنوعاته ومنوعاته …ماديا ومعنويا..
ارتفاع عدد السجينات والسجناء بالمغرب إلى ما يزيد عن المائة ألف..تكاليف ومصاريف تفوق ميزانيات التعليم..
من البديهي أن ترتفع نسبة ظاهرة الجنح والاجرام والتزوير والنصب والاحتيال وغيرها من المظاهر الشاذة التي تؤدي إلى السجن، ويتكاثر عدد السجينات والسجناء، مما يكلف الدولة مبالغ مالية تصرف مجانا من حيث الإيواء والمأكل وما يترتب عن ذلك من ميزانيات الموظفين والمؤسسات السجنية، ميزانيات تفوق بكثير ميزانيات التعليم .
الأمر الذي يدعو إلى التخمين في الأسباب المؤدية إلى ارتفاع نسبة الاجرام بالمغرب، لاسيما إذا ما استحضرنا الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية التي تنعكس بشكل مباشر على سلوك المواطنات والمواطنين، وتساهم في تكوين الأجيال المتأثر بمحيطهم وبيئتهم، مما يستوجب على الدولة إعادة النظر في منظومتها التعليمية والأساليب البيداغوجية والارتقاء بالحياة الاقتصادية للمواطنين، لا سيما أن معظم السجينات والسجناء ينتمون إلى الفئات الفقيرة والدنيا في هرم المجتمع، في غياب رؤية تحويل السجون، من سجون تثقل كاهل الدولة من حيث المصاريف إلى سجون منتجة،كورش تأهيلي إدماجي ذا أهمية بالغة في تكريس انفتاح القطاع السجني على محيطه المجتمعي والسوسيو اقتصادي وتعزيز فرص تأهيل السجناء لإعادة الإدماج السوسيو مهني بعد الإفراج عنهم.
سوء التدبير ..مفتاح الفقر ومن تأخر تدبيره تقدم تدميره
بدون حكامة جيدة في التدبير باعتبارها آلية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية على المستويين الوطني والترابي، ومساءلة جميع مدبّري الشأن العام الوطني والترابي، لن يكون هناك مفتاح للفرج ولا انفراج اجتماعي واقتصادي وسياسي، لأن غياب الحكامة بمفهومها العميق أدت وتؤدي إلى تعثر العديد من الأوراش التنموية وتساهم في هدر زمن التنمية في بلادنا، وينعكس سلبا على المؤشرات التنموية في ظل نظام عالمي متسارع ومتجاذب، الأمر الذي ساهم ويساهم ي تعميق الفوارق الاجتماعية والمجالية، ولم يتم تفعيل المضمون/ المحمود للجهوية المتقدمة كما جاء في منطوق الدستور المغربي. وما جاء في المشروع التنموي الذي تضمن صفحات متعددة من الاقتراحات البناءة لبناء مغرب قوي بمؤسساته وثرواته وموارده البشرية..
دون حكامة جيدة وتدبير جيد تكون النتائج وخيمة. ويظل الفقر جاثما على عتبة كل بيت مغربي في ظل عدم تجويد أساليب العمل والتربية على المواطنة الصادقة، وتبقى مستويات الفقر والبطالة والهجرة مرتفعة.
وإلا ما جدوى دستور 2011 في بابه باب الثاني عشر للحكامة الجيدة، الذي ركز على تنظيم المرفق العمومي على أساس المساواة، والإنصاف، والاستمرارية في أداء الخدمات. والجودة، والشفافية، والمحاسبة والمسؤولية، مع احترام قيم الديمقراطية التي أقرها الدستور؟
هل رئيس الحكومة يعتبر نفسه غير معني بالتواصل مع عموم المواطنين، ولا يبالي بمعاناتهم ولا باهتماماتهم؟
إذا كانت أهمية التواصل تكمن في فهم الآخرين ونقل الأفكار والمشاعر لهم، وأن القدرة على فعل ذلك بشكل جيد يعد أمراً مهماً، بغاية تبادل الأفكار فيما بينهم بشأن الأمور المختلفة، فإن رئيس حكومتنا غائبا تماما عن هذه الميزة التي تساهم في إغناء النقاش والانصات والاستماع إلى معاناة الشعب واهتماماته، فضلا عن غياب جسور التواصل مع أحزاب المعارضة التي تلعب دور الرقابة وما يمكن أن تتوفر عليه من حلول لمختلف القضايا المطروحة على الوطن.
فهذا التواصل المنعدم من قبل رئيس الحكومة، لا يؤدي إلى معرفة قصد الآخرين وتزويدهم بالأفكار المطلوبة، لأن الإمكانية على ضرورة التواصل، بشكل مقبول يُعد أمراً ضرورياً، بين جميع الفئات في المجتمع الذين يسعون لفهم المسؤول وتلقي المعلومات منه. تلك المعلومات التي تبقى غامضة ولا سيما في ظل تزايد ارتفاع الأسعار رغم أمطار النماء، والاستمرار في ارتفاع سعر المحروقات رغم تراجع سعر البترول عالميا، وغيرها من الإمكانيات المتاحة التي لا يستفيد منها المواطن البسيط ، وظل منحى الزيادة والغلاء المعيشي في تصاعد مستمر دون التعرف عن أسبابه الحقيقية في ظل واقع متأزم، وأصبحت القفة المغربية لا تحتوي على ضروريات الحياة وأساسياتها، وكما يقال : “عندنا جوج بحور وجيب المواطن مغدور”، وبلدنا بلدا فلاحيا؛ بينما غلاء الخضراوات والفواكه والقطاني تساءل القائمين على الشأن العام عن الأهداف المؤدية إلى تفقير الشعب وتجويعه والحط من كرامته بمختلف الأشكال المتنوعة.