رجال في القش

رجال في القش
يوسف غيشان

في فمي الكثير من القش وأنا أكتب هذه الكلمات:
على عادتي، عند ركوب الباص، أحمل معي كتابا لمطالعته خلال الرحلة. وقد شاركت الجمعة الماضية في رحلة أقامتها رابطة الكتاب الأردنيين الى البتراء والعقبة، الجمعة المنصرمة وقد فوجئت أن صديقي مخلد بركات كان من المشاركين في ذات الرحلة، سيما وأني أحضرت معي روايته الأخيرة (ماندالا) رفيقة لرحلتي هذه، وكنت اشتريتها من المعرض الدولي الأخير للكتاب.
طحنت المسافات، خلال عملية المطالعة، حتى توقفت عند تشبيه لصديقي مخلد، أذهلني، وأنشر لكم الفقرة هنا:»-هي من اوصلتني الى هنا. الوعي خطيئة يا يحيى، وجع ممتد كأوجاع الإبل وهي تشرب الماء بجلود صغارها، أو النعاج حين تطبخ لحوم أبنائها بلبنها، أو (البو) يوقفونه خاويا كي يستدر حليب امه» انتهى الاقتباس.
أول مرة اسمع بالبو هذا (بفتح الباء والتسكين الواو)، وهو حسب الرواية ولد الناقة (الحوار)لكن بعد أن يموت حيث يخرجون أحشاءه ويحشون مكانها بالقش، ثم يوقفون الحوار الميت الذي تحول الى بو محنط، أمام والدته الرؤوم، ليستدرّ حليبها.
عبقرية بدوية لحلب الصخر، خدعة سوداء للاستفادة من حليب الأم، بعد انتهاء مبرر ادرار الحليب بوفاة فلدة كبدها، بخدعها بهذا الكائن المحنط أمامها. خدعة تحمل بعدا دراميا مذهلا صدمني.
تذكرت رواية نيقولاس غوغول العظيمة (نفوس ميتة)، حيث يقوم بطل الرواية تشيتشكوف بشراء قيود النفوس الميتة من الأقنان، عبيد الأرض، من أصحابها الأصليين بثمن بخس، حتى يقال أنه يملك عددا كبيرا من الأنفس، فينضمّ بالتالي الى قائمة النبلاء المالكين للأرض، سيما وأن الإحصاء السكاني يتم مرة كل 10 سنوات، فيكون قد صار نبيلا وملاكا على حساب أنفس الأقنان الميتة.
عود الى نفوسنا الميتة:
تخيلت نفسي، وتخيلتكم معي، أنت وانتِ وأنتم وأنتنّ. تخيلتنا جميعا مجرد أبواء أو بوّات أو بوابي (لا أعرف الجمع المتفق عليه لكلمة بو، وأعتقد أنه غير موجود لأنها كلمة عامية على الأغلب.
صحيح أننا نقف بكل شموخ وسؤدد، لكن كثيرين للأسف، محشوون بالفراغ……وها هم يستثمرون وجودنا، ويتاجرون بموتنا. لا بل أنهم يحسدوننا على الموت.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى