ربيع مختطف..

مقال الاثنين 18-4-2016
النص الأصلي
ربيع مختطف..
مكتوب في روزنامة السعادة أن الأشياء الجميلة غالباً ما تنتهي قبل ان تبدأ…
**
“الربيع” هدنة بين قوتين عظيمتين ،وفسحة بين حصتين ممّلتين ، وهو منطقة عازلة تستقبل اللاجئين من البرد والنازحين من الحرّ…هو استراحة زمنية لتبدل الفراشات أجنحتها ،ويتموضع الزهر فوق رؤوس الأغصان من جديد ، وفيه يتم إسعاف الجرحى من أزرار الورد الذي قصفته الريح ذات ليلة ، وهو فرصة لأن تعود العصافير الى أعشاشها سالمة بعد ان نفّذت طلعات جوية ناجحة فوق السهول الخضراء القريبة…وهو الشهر الرابع في حمل الأرض الذي لا يجزم فيه “أنوثة” الحنطة من “ذكورة” الشعير النابتة للتو من كفّ الحرث..
**
ربيع هذا العام كان تائهاً مختطفاً ، لم يحفظ حياديته كخط فاصل بين طقسين متناقضين ، لم يدرك أهميته كــ”غرينتش” يقسم شقي المزاج ويمايز بين تواقيت الفرح المنعقد على الشفاه الرقيقة ، كان “ربيع” هذا العام مشتت الولاء تارة ينحاز للشتاء وتارة يتقمّص دور الصيف ، فأضاع محبيه وضيّعهم …لم يحدد موقفه منذ البداية أمام الفصلين المتناحرين كشهر منفصل ، بكيان منفصل ، ولم يعلن انه “معسكر” مستقل جيشه جحافل من سنابل ، طائراته “سنونو” ، بنادقه من زنابقه ، رايته زرقة السماء ، ليس لديه أقمار اصطناعية للتجسس لديه قمر طبيعي للمكاشفة فقط …كان على جاريه الكبيرين ان يحترما خصوصيته كوطن أصلي للفراشات قائم على العدل في حرارته و المساواة بين الليل والنهار،واحترام دستوره “الأخضر” ..كان عليه ان يفعل ذلك بكل ما يملك من لطف ووضوح في اللقاءات الثنائية بين الفصول لكنه للأسف لم يفعل..فقد باع دفأه بغيمة ماطرة “فحسبوه” على الشتاء، ثم عاد وتنازل عن رطوبته بموجة حر قائظة فحسبوه على معسكر “الصيف”…
**
ربيع هذا العام ، ربيع مختطف يشبه الى حد كبير “الربيع العربي”، عندما تردد ان يعلن عن نفسه ربيعاً حقيقياً له ملامحه وتقاسيمه كما ولدته امه الحرية ام الفصول كلها..تقاسم ضعفه “شتاء” روسيا و”صيف”امريكا…فصرنا نمشي وشمسيات الصدمة فوق رؤوسنا لأننا لا نريد “زكاماً” من موسكو..ولا ضربة شمس من واشنطن..

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. جميل وشاعري ومعبر وعلمي ومنطقي ودقيق وممتع ومشوق ورومانسي وصادق وحقيقي
    سلمت يمناك ولا عدمناها

  2. يا سيدي كما يقول المثل نارك و لا جنة هلي .. مين لزك على المر غير اللي امر منه .. لأجل الورد ينسقى العليق .. اللي بده الجوري بتحمل شوكه .. و هاذي سنن الله في التغيير .. فلا بد من نشوء جيل جديد و زوال أجيال الخنوع اما بالموت او بالهجره .. بلادنا ليست عقيمه و لا بد لسنن الله ان تنفذ .. ابشر بالقادم … أجيال كسرة حاجز الخوف و القبضه الامنيه و عهدت على كل ضروفها القاسيه نسيم الربيع و الحريه و تركة رائحة الخوف و الشتاء البارد الذي مكث لعقود .. ابشر يا أحمد فالقادم جميل و صحي .. قد تكون العراق استثناء لطبيعة أهلها منذ الازل و حبهم للشقاق .. لكن الشام قادمه بوجه الامبرياليه و اسرائيل زائله بحلول 2023 كما يزعم حاخاماتها منذ زمن طويل .. ابشر بالربيع

  3. أبدعت الوصف كعادتك ووضعت اليد على عالوجع كما عهدناك…كلماتك الصادقة تدغدغ ذكرياتنا الحلوة على هذي الأرض الطيبة….دام قلمك

  4. ما يميز أسلوبك أستاذ أحمد أنك تتحدث بسخرية فتصل ألى هدفك بحرفية عالية ، في السخرية مرارة ونقد مؤثر …وعندما تكتب بجدية تبهر نا بثقافة عالية وأسلوب شائق وصور جميلة ولغة حلوة سلسة ..استاذنا أسلوبك مدرسة تلاميذها محبو الوطن ..وعاشقو الحرية ومادتها الحياة بكامل تفاصيلها …. وزينتها الموجودات عناصر الطبيعة …أما درسها الأول والأخير .فهو انسان هذا الوطن القابع في بلده القابل بالضيم الآكل للمر القانع بفقره وعوزة .. بس فدوى لعيون الوطن ولاجل أمه وأخته وبنته بيوم ما تنهان …يقبض عالجمر ويموت وهو يغني كرمال الوطن .

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى