رئيس الوزراء يناور حول وعده بالعدالة . . !
في أول حديث متلفز لدولة الدكتور عمر الرزاز، قدم به وعودا جميلة عملت على تهدئة الشارع، الذي انتفض على القوانين الجائرة التي فرضتها حكومة الملقي على الشعب. كان من بين تلك الوعود إعادة النظر بتقاعد الوزراء قائلا : ” أنه لا يجوز ولا بأي معيار من العدالة، أن يتحصّل الوزير على راتب تقاعدي مدى الحياة، مقابل خدمة شهرين أو ثلاثة أشهر في وقت يعمل فيه الموظف لعشرات السنوات، للحصول على راتب تقاعدي. وقد وجهت الحكومة بإعادة النظر في قانون التقاعد المدني، خصوصا تقاعد الوزراء “.
أعجبنا هذا الكلام المنطقي وتفاءلنا خيرا بالرئيس الجديد، ثم رحنا ننتظر الأفعال لنرى مدى تطابقها مع الأقوال. وفي يوم الاثنين الماضي 2 / 7 / 2018 فوجئنا بقرار مجلس الوزراء الذي تضمن النص التالي : ” يكتسب الوزير حق التقاعد إذا بلغت خدماته في الوزارات أو الدوائر الحكومية أو المؤسسات العامة أو البلديات 7 سنوات، ويجوز للوزير الذي تقل خدماته عن هذه المدة أن يطلب إخضاع خدماته لقانون الضمان الاجتماعي، على أن يتم احتساب اشتراكاته وفقا لأحكامه “.
وبناء على طلب دولته في أن نحاوره في قراراته أقول له : أن هذا التعديل لا يختلف عما ورد في المادة 18 فقرة أ – 1 من قانون التقاعد المدني رقم 34 لسنة 1959 وتعديلاته، الذي لم يمس جوهر الموضوع وإنما تلاعب بالكلمات لذر الرماد في العيون، بمعنى أن وعد الرئيس لم يكن إلا مناورة للاستهلاك المحلي. فمن حيث المبدأ لا أعتقد أنه يمكن تطبيق العدالة، عندما يشرّع مجلس الوزراء أو مجلس النواب لأعضائهما بنفسيهما. فهما بالتأكيد سينحازون لمصالحهم الخاصة، كما برهنوا على ذلك في بعض قراراتهما السابقة والحالية، وأرى أن تناط هذه المهمة بمجلس القضاء الأعلى، لكي لا يجسدون قول الشاعر:
يا أعدل الناس إلا في معاملتي * * فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
وهنا تخطر ببالي التساؤلات والملاحظات التالية :
1. لماذا تم اعتماد ال 7 سنوات كمقياس لتقاعد الوزراء، مع احتساب الخدمات السابقة في دوائر الدولة والبلديات مهما صغرت، خاضعة للتقاعد مدى الحياة ؟ علما بأن دولته ذكر بأن الموظف يعمل عشرات السنوات للحصول على راتب تقاعدي.
2. هل وظيفة الوزير هي وظيفة مقدسة ليستحق مشغلها ولو ليوم واحد، تقاعدا يصل إلى 1200 دينار، بينما ضابط برتبة فريق أو لواء وبخدمة تزيد عن 37 عاما تخللها عمليات عسكرية وأمنية قبل عام 2000، كادت أن تودي بحياته أو تصيبه بإعاقة دائمة، يتقاضى راتبا تقاعديا يتراوح بين 1000 – 1300 دينار.
3. عندما يلتحق الضابط بالخدمة العسكرية، يتم إجراء فحوص طبية دقيقة له للتأكد من سلامته البدنية والنفسية والأمنية، بينما يجري تعيين الوزير دون مراعاة لهذه الفحوصات، ودون وجود أية شروط أساسية تحكم هذه الوظيفة. وقد حدث أن عُين وزراء كانت لديهم سجلات جرمية أو حملوا السلاح ضد الدولة في مرحلة معينة، أو كانوا بنصف كفاءتهم البدنية حسب تقاريرهم الطبية.
4. الخدمة المدنية المقبولة للتقاعد تعتمد السن الذي لا يقل عن 55 عاما، بينما تعتمد الخدمة العسكرية الشاقة على سنوات الخدمة التي لا تقل عن 18 عاما، في حين أن تقاعد الوزير حُدد بخدمة 7 أعوام.
5. في حالة تعيين الوزير في منصبه الجديد، يُقال بأنه يمنح مبلغا كبيرا من المال لتحسين أحواله المادية كي يتأقلم مع وضعه الجديد. كما يمنح راتبا بمبلغ ثلاثة آلاف دينار، إضافة لمبلغ يصله من جهة أخرى، ولا أعرف مدى صدق تلك الروايات. وعندما يُعين ضابط كبير قائدا لفرقة أو قائدا لمنطقة تعادل ثلث مساحة الأردن، متحملا مسؤولياتها الأمنية والعسكرية، لا يمنح زيادة على راتبه دينارا واحدا.
وفي هذا المجال أحب أن أذكر القصة التالية : ” عندما عيُن الجنرال الكسندر هيج وزيرا لخارجية الولايات المتحدة في عهد الرئيس ريجان، في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، سأله أحد الصحفيين : ما هو الأكثر صعوبة عليك أن تكون وزيرا في الحكومة، أم جنرالا في القوات المسلحة ؟
أجاب هيج : عندما أصبحت جنرالا استنزفت 37 عاما من الجهد والعناء والمخاطرة بحياتي حتى وصلت لرتبة جنرال. ولكن عندما أصبحت وزيرا في الحكومة، لم استنزف من الجهد سوى محادثة بسيطة مع الرئيس، امتدت لنصف ساعة في الطائرة “. وهذا ما يدل على الفرق الشاسع بين الوظيفتين، والإجحاف الذي يقع بحق العسكريين.
ختاما أقول : أن ما قرره مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة برئاسة الدكتور الرزاز، يخالف الوعد الذي قطعه دولته على نفسه، ولم يرتقِ إلى مستوى التفاؤل الذي توقعه المواطنون، بل شكل مناورة هزيلة لم تحقق العدالة، ولم تقنع إلا المغفلين إن وجدوا. . !