رؤية التحديث الاقتصادي: بين الاستراتيجية وقابلية التطبيق

رؤية #التحديث_الاقتصادي: بين #الاستراتيجية و #قابلية_التطبيق

#الأستاذ_الدكتور_أمجد_الفاهوم
رؤية التحديث الاقتصادي في الأردن، رغم وضوح أهدافها ورغبة الدولة في دفع عجلة النمو، ما تزال محاطة بتحديات واقعية تجعل المسافة بين الاستراتيجية والتطبيق كبيرة. فالبنية البيروقراطية الثقيلة، وضعف التنسيق بين المؤسسات، ومحدودية أدوات التمويل، جميعها تجعل التنفيذ أبطأ من الطموح. أما سوق العمل فما زال محدودا وغير قادر على استيعاب الخريجين وجامعات ومعاهد تنتج أعداداً متزايدة من الخريجين خالية الدسم يسبب ضعف التمويل والتطوير و غياب ارادة التأهيل للكوادر ووجود تخصصات مشبعة، بينما تزداد الحاجة إلى مهارات تقنية ومهنية نوعية وغير متوفرة، الأمر الذي يفاقم من البطالة ويزيد من الفقر.
إن النظر إلى تجارب دول أخرى قد يفتح المجال أمام الأردن لتبني حلول إبداعية. ففي إستونيا مثلاً، استطاعت الدولة عبر الاستثمار المبكر في التحول الرقمي أن توفر بيئة جاذبة للشركات الناشئة، فباتت التكنولوجيا رافعة أساسية لاقتصادها. أما في سنغافورة، فقد جرى ربط الجامعات مباشرة باحتياجات السوق، حيث لا تُقر التخصصات الأكاديمية إلا بعد دراسة دقيقة لمدى ملاءمتها لخطة التنمية، وهو ما ساهم في تقليل البطالة وتوجيه الشباب نحو مجالات إنتاجية.أما المغرب فقد قدّم مثالاً على اللامركزية الاقتصادية من خلال تطوير أقاليم صناعية متخصصة في السيارات والطيران، ما خلق فرص عمل محلية وقلل الضغط على العاصمة.
في حين أن الأمثلة في القارة الإفريقية الأكثر تحديا كانت ملهمة فمثلاً، قدّمت رواندا نموذجاً لافتاً بعد حرب أهلية مدمرة؛ حيث ركزت على التكنولوجيا والخدمات الرقمية كرافعة أساسية، فأنشأت منصات حكومية رقمية مبكرة، ودمجت التعليم التقني والريادة في المناهج، ما ساعدها على جذب استثمارات أجنبية وتوفير فرص عمل في قطاعات جديدة. أما إثيوبيا فهي أيضاً قد اتخذت خطوة مهمة عبر الاستثمار في البنية التحتية للطاقة، خصوصاً الطاقة الكهرومائية، الأمر الذي جعلها مركزاً إقليمياً للطاقة الرخيصة وساهم في دعم صناعات النسيج والزراعة التصديرية. هذان المثالان يوضحان كيف أن التوجه نحو قطاعات محددة ذات قيمة مضافة يمكن أن يغيّر مسار الاقتصاد حتى في ظروف صعبة.
أما في أمريكا اللاتينية، فقد نجحت تشيلي في تنويع اقتصادها من خلال تطوير قطاع التعدين ودمجه مع البحث العلمي، ما جعلها رائدة في تصدير النحاس والليثيوم مع استثمار موازٍ في التعليم والابتكار.غي حين أن كولومبيا من جهتها سعت لتقليص الفجوة بين المدن والأرياف عبر دعم الزراعة الحديثة ومنح حوافز لصغار المزارعين، الأمر الذي ساعد على تقليل الهجرة الداخلية وتوزيع التنمية بشكل أكثر عدلاً. يينما البرازيل قدّمت تجربة بارزة من خلال برنامج “بولسا فاميليا” الذي ربط الدعم النقدي المباشر للأسر الفقيرة بالتزامهم بتعليم أطفالهم وتلقي الرعاية الصحية، ما قلل نسب الفقر المدقع وعزز رأس المال البشري على المدى البعيد.
الاستفادة من هذه التجارب تعني أن الأردن يمكن أن يبتكر حلولاً تراعي خصوصيته وإمكانياته وظروفه، فعلى سبيل المثال لا الحصر يمكنه إنشاء صناديق استثمارية وطنية متخصصة في قطاعات التكنولوجيا الخضراء والزراعة الذكية، وربط الدعم الاجتماعي بالتعليم والتدريب لإيجاد قوة عاملة أكثر مواءمة مع السوق. كما يمكن تطوير برامج لامركزية اقتصادية تمنح كل محافظة حوافز خاصة وفق ميزاتها الإنتاجية، مثلما فعلت كولومبيا في دعم المناطق الزراعية. والأهم هو بناء بيئة تنظيمية مرنة تسمح للشركات الناشئة بالنمو بسرعة، كما في تجربة رواندا.
بهذا الشكل، يصبح التحديث الاقتصادي مشروعاً قابلاً للتحقق، شرط أن يُبنى على تجارب ناجحة، وأن يُدار بواقعية وإرادة سياسية، وأن يرتبط بمؤشرات واضحة لقياس الأثر الحقيقي على البطالة والفقر ومستوى معيشة المواطن.


0795743175

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى