ذهب الظمأ وابتلت العروق
بثبوث رؤية هلاله تبدأ درة شهور السنة ، فيها تحلق #الروح ويطيب البدن ،رمضان شهر الكرم والجود شهرطاعة وعبادة نرجو الله فيه أن ينعم علينا بالرحمة والعفو ،وغفران الزلات والذنوب.
يقول الله تعالى 🙁 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (183)البقرة
الله سبحانه جل في علاه يخاطب #المؤمنين مباشرة دون وسيط ،ولم يقل يا أيها الرسول ، فيه دلالةٌ أن الصيام عبادةٌ عظيمة قديمة ،كتب الله على أهل الاسلام الصيام ،كما كتب على الذين من قبل ،نداءٌ للمؤمنين وما أروعه من نداء يوجب الطاعة والامتثال .
وفي تدبرٍلمعاني الآيات، نرى الله قد جاء بكلمة “كُتِبَ” عليكم الصيام وليس “فُرضَ”، لما في #الصيام من مشقة فيها يمتنع البدن عن أمور يرغبها ويطلبها ،ففي لفظ “كُتِبَ” التكليف هنا أوثق وأشد، وأكثر الزاماً وكأنه ميثاقٌ مكتوب فيه الحجة أقوى وأثبت.
والتقوى هي المقصد الأهم من الصيام ،بما تحمل في طياتها من الطاقة والقدرة على العمل ،واستطاعة على الفعل ، صلة مع الله يكون فيها المؤمن قوياً صفةٌ خاصةٌ بالمؤمن دون غيره ،يخشى الله ويخافه ويحرص كل الحرص على الامتثال لأوامر الله ،واجتناب نواهيه، في كل قول أو فعل ،كما تتضمن معنى الوقاية ،وهي أشد درجات الحفظ، بوقاية النفس وأخذ الحيطة والحذرعن الوقوع في المحظورات ،صغيرها وكبيرها ،حرصاً واتقاءًا للفوز برضا الله وجنته اذن هي القوة بأروع صورها.
أيامٌ معدوداتٌ لتطهير النفس من الذنوب واعلانٌ للتوبة والإقبال على الله بكل الجوارح ،والتوقف مع النفس، هل ستكون هذه النفس ممكن يرضى الله عنها ورسوله، ممن ستدخل الجنة وتنجو من النار ؟
وتتطرق آيات الصيام لأكثر من معنى “وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ” تعلمون أن صيامكم خيرٌ لكم على أداء الطاعة ،وخيرٌعلى الجسد وعلى الروح، وفيها مصلحةٌ لعباد الله في كل زمان.
ويتواصل فضل هذا الشهر الكريم بنزول القرآن فيه و في أفضل الليالي ، في لية القدر التي تتنزل فيها الملائكة وما فيها من البركة والعفو واجابة الدعاء ، ليكون هدىً لقلوب العباد الى الحق ،والى الصراط المستقيم ،الطريقُ واضحٌ وجلي فيه نجاتنا في الدنيا والآخرة ،فرقانٌ بين الحق والباطل، بين الحلال والحرام ، فهل لازلنا نضل الطريق ونحيد عنه ؟!
وتدعونا الآيات الى تكبير الله ،فهو أكبرمن كل شيء ،الهادي إلى الإيمان والإسلام والالتزام بتعاليمه ،والله أكبر بأن هدى عباده المؤمنين لصوم هذا الشهر المبارك ،وهي نعمةٌ عظيمةٌ لمن يدركها يجب أن تثمر شكراً وحمد اً على هدايةٍ قد حرم منها آخرون .
الصيامُ ليس انقطاعٌ عن الطعام والشراب فحسب، وان كان في هذا حكمةٌ من الله بطاعته بدايةً وليرق قلب المؤمن ويشعر بمن حوله من المحتاجين ،ومن ضاق بهم الحال ،هي دعوةٌ لسمو الأخلاق وعلوها وتهذيب للسلوك ،اذن هو شهر تربية للمجتمع بصيام الناس مجتمعةً يسهل الصيام والعبادة ،هذا يعني كلما كثرت العبادات وانتشرت ،سهلت على الجميع .
فهو فرصة لتهذيب النفس ورقيها وتجاوزها عن الكثير، رحمةً وتسامحًا وعفوًا وأجرًا وتقوى ،هذا هو المعنى الحقيقي للصوم ،وليس غضبًا نراه في سلوك الكثير،أوقسوةً أو تعنتًا أو غفلة، مثل الذي يقضي يومه بين أكل وشرب ونوم ،أومتابعةً لهذا العرض السنوي من الدراما التي لا تحلو لمنتجيها لإطلاقها إلا في رمضان ،وما فيها مما يخالف ديننا وفطرتنا ،عجبًا لهم وعجبًا لأناسنا الذين ساروا مع الموجة.
هي أيام قليلة ، فما المانع أن أستثمرها بما فيه خيرٌ ورحمةٌ واحسانٌ للآخر، وتقديم عون مهما كان يسيرا ، بل إن اليوم لايكفي إن كان لنا خطةً ومنهاجًا من العبادة والتقرب من الله وصلة الرحم ،والإحساس بفئات تحتاج لقطرة غيث، فلماذا لا أكون أنا أوأنت أو نحن؟.
كم نتمنى أن نرى في وجوه الآخرين رمضانًا مختلفًا، أعني همةً مختلفة ،انجازًا واتقانًا للعمل،لماذا لا نعزم الأمر على تغيير سلوك وعادة ، أو نتعلم أمرًا جديدًا يضيف لشخصنا ولأمتنا ، ولماذا لا نتخذ قرارًا لأن نكون لبنةً حقيقيةً وننضم لقافلة من يعمرون الأرض عبادةً وعملًا واقعًا لا ترديد لشعارات أوأداء لفرائض ونسك فقط والتي هي أيضا يغفل عنها الكثير ،بل هي البداية والأساس.
شهرُ بركة بكل ما فيه ،تصفد الشياطين وتغلق أبواب الناروتفتح أبواب الجنة ، في دعوة لمن يريد أن يصنع معروفا أو خيرا ولمن تسول له نفسه بفعل الشر أن يتوقف، وفي كل ليلة من لياليه ،يختص الله أناساً ليعتقهم من النار .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين، ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة»
رمضان محطة للتزود والتنقية ومن استطاع استثمار هذا الشهر وفهم مقاصده ومعانيه وأدى ما عليه بحق خرج منه مغفورَ الذنب، مجابَ الدعوة ، مع كثيرٍ من الأجر والحسنات ، يتمثل ذلك في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله فرض صيام رمضان وسنت لكم قيامه فمن صامه وقامه ايمانًا واحتسابًا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
وللصدقة في هذا الشهر طعمٌ آخر والرسول صلى الله عليه وسلم قدوتنا في هذا الأمر الجواد الكريم كان يعطي ويعطي كالريح المرسلة ودعوةٌ لنا لنتفقد من حولنا من قريب أو بعيد ونحرص أيما حرص على هذا الأمر لما له من أثرٍ في تحقيق التكافل الاجتماعي، وما سناله من الأجر العظيم ،وإن في الصدقة شفاءٌ للداء واجابةٌ للدعاء.
رمضان أيامٌ وتمضي ،والخاسر الأكبر من لم يدركه ويعتبره فرصةً لإعادة وترتيب الأولويات والأهداف والطموح ،ومعرفة مكامن القوة والضعف ،فرصة قد لا نعيشها عامًا آخر، فلنعطي لأنفسنا الإنذار الذي قد يغير الكثيرحقا.
ندعو الله بصيام هذا الشهر وقيامه أن يذهب ظمأ قلوبنا وتبتل أيامنا برضى الله وتحقيق أمانينا وبثبوت الأجر ان شاء الله .