ذكرياتي في قيادة الفرقة الآلية 12 الملكية
موسى العدوان
إن قصدي من سرد هذه الذكريات، هو أولا إبراز بعض الدروس التعليمية لصغار الضباط، علّها تفيدهم في ممارساتهم القيادية والإدارية. وثانيا لكي أبين للقراء الكرام، كيف يحافظ القائد في البيئة العسكرية، على التواصل مع جنوده، ومحاولة تحقيق العدالة بينهم، والحفاظ على مصالحهم، من أجل كسب ثقتهم وقيادتهم لتحقيق الأهداف الوطنية في السلم والحرب.
فكما أسلفت في مقالات سابقة، بأنني بعد إنهائي لدورة كلية الحرب، في ولاية بنسلفانيا الأمريكية وعودتي للأردن، عُينت قائدا للفرقة الآلية 12 الملكية، في أوائل شهر تموز عام 1987. وكان أول عمل قمت به بعد الاطلاع على الخطط الدفاعية والتعرف على قادة التشكيلات، أن جمعت ضباط الفرقة وشرحت لهم سياستي العامة وأسلوبي في القيادة، والتعامل مع الضباط والأفراد حسب أدائهم وكفاءتهم، والاهتمام بالتدريب والتأهيل والقيام بالواجبات الميدانية على أفضل وجه ممكن.
كانت قيادة الفرقة تعسكر في أحراش بلدة شطنا، شرقي مغارة مفتاح المعروفة للكثيرين. وكانت مكاتب قيادة الفرقة عبارة عن غرف أو مغارات صغيرة تقع على أكتاف الوادي. فقمت ببناء مكاتب تليق بتلك القيادة من ضمن إمكانيات الفرقة، وقد تعهد رئيس جامعة العلوم والتكنولوجيا السيد كامل العجلوني مشكورا، بإجراء أعمال الديكور الخشبية لمكتب قائد الفرقة.
ثم بنينا قاعة اجتماعات تتسع لأكثر من 100 شخص، ونادي للضباط وأنشأنا ملعبا لكرة القدم لممارسة الرياضة، وتسهيل هبوط طائرات الزوار العمودية به. ثم بنيت قوسا يحمل شارة الفرقة مع غرفة للحرس في مدخل المعسكر، ولا يسمح بالمرور من خلاله إلا بعد أخذ الإذن من ركن الاستخبارات. وواصل من جاء بعدي في قيادة الفرقة، تحسين تلك الإنشاءات وأوضاع السكن للأفراد والضباط.
في نهاية الشهر الأول من تسلمي القيادة، جاءني الركن المالي في قيادة الفرقة النقيب جمعة النعسان، وأعلمني بأنه استلم مبلغ 300 دينار من المفتش العام، وهو مبلغ مخصص من القيادة العامة لمساعدة بعض الجنود المحتاجين. وهو في الحقيقة مبلغ زهيد قياسا بحجم فرقة، يبلغ عدد أفرادها أكثر من 25 ألف فرد. فسألته كيف كان من قبلي يتصرف بهذا المبلغ ؟ فقال أنه كان يوزعه على المحتاجين بمعرفته.
فقلت له يبقى المبلغ لديك وتفتح له سجل خاص، ثم نطلب من التشكيلات إرسال منسبين اثنين من الجنود المحتاجين في منتصف الشهر، وتسلمهم المبلغ المحدد وهو 20 دينارا مقابل توقيعهم في ذلك السجل. ولإدامة التواصل بيني وبين صغار الضباط والجنود فقد عملت ” بسياسة الباب المفتوح ” وعلى الشكل التالي :
1. في كل شهر كنت أعقد اجتماعا لمعظم ضباط الفرقة، يقدم كل قائد تشكيلة إيجازا عن انجازاته خلال الشهر الماضي، وما هي الأعمال المنوي إنجازها خلال الفترة القادمة. وفي الختام أقوم بإبداء الملاحظات والتوجيهات اللازمة.
2. كنت في كل شهر أختار من خلال الكشوفات ضابطين برتبة ملازم من كل كتيبة، وأدعوهم للعشاء في ليلة محددة بمنزل قائد الفرقة الرسمي، دون حضور مسؤوليهم، وأطلب منهم بطريقة لطيفة أن يتحدثوا بحرية، عن النواحي الإيجابية والسلبية التي يلمسونها في وحداتهم، وما إذا كانت لديهم أية مقترحات لتحسين الأداء.
3. كنت أختار بعض التقارير السرية السنوية للضباط، التي يرد بها ضعف في أداء أصحابها، وأرسل لهم نماذج فارغة من تلك التقارير السرية، وأطلب منهم تعبئتها في تقييم أنفسهم، وإرسالها إليّ مباشرة دون عرضها على قادتهم. وبعد أن أقرأها أعيدها إليهم مقرونة بصورة عن تقارير قادتهم بهم، ليعرفوا نقاط ضعفهم ويعالجونها. وقد لاحظت أن معظم تلك التقارير كانت متطابقة مع تقارير قادتهم.
4. عندما يشعر أي جندي أو ضابط بظلم أو لديه مشكلة في وحدته، فعليه أن يتقدم بطلب مكتوب لمقابلة قائد الكتيبة، لحل مشكلته أو رفعها للمراجع العليا. وإذا لم يقابله قائد الكتيبة خلال أسبوع يمكنه أن يراجع قائد اللواء، وإذا تأخر قائد اللواء أكثر من أسبوعين في مقابلته، فيمكنه مراجعة قائد الفرقة دون اعتبار ذلك تجاوزا للمرجع.
5. سمعت من بعض المدنيين أقارب المكلفين، بأن هناك إساءات توجه للمكلفين من بعض الضباط وضباط الصف. وعندما كنت أسأل بعض المكلفين خلال زياراتي وجولاتي التفتيشية، إن كانوا يواجهون إساءات من مسؤوليهم، تكون الإجابة دائما بالنفي. ولكي أعرف الحقيقة كنت كلما أنهت دفعة من هؤلاء المكلفين خدمتهم، أطلب من رئيس شعبة القوى البشرية لدي، العقيد شفيق الهزايمه، أن يختار اثنين من المكلفين الجامعيين من كل كتيبة وعددها 27 كتيبة، ليجتمع بهم في قاعة للفرقة تقع في رأس منيف، ويطلب منهم أن يصارحوه بما كانوا يواجهونه خلال خدمتهم من مضايقات، وذلك لتجنبها مع زملائهم الذين ما زالوا في الخدمة، ثم يلخص لي حصيلة ذلك الاجتماع. ففوجئت بأن بعض الضباط وضباط الصف، يتسلطون على المكلفين في العمل، ويطلبون منهم أحيانا قضاء بعض حاجاتهم المادية. وهكذا استطعنا أن ننبه جميع المسؤولين، بأن من يمارس هذه الأعمال سيواجه عقابا شديدا. وهكذا استقام الأمر قيما بعد.
التاريخ : 23 / 1 / 2021