ديمقراطية افتراضية

ديمقراطية افتراضية

سهير جرادات

وبعد ان نكون قد نفذنا الاصرار غير المبرر، وأجرينا الانتخابات النيابية ، وأنجزنا الاستحقاق الدستوري ، واستقر السكان الجدد في البيت الديمقراطي، وحل النواب ( المنتخبون) في الغرفة الأولى للبرلمان ، فيما كان – في سابقة تاريخية دستورية غير معتادة – قد حل أعيان البلد (المختارون) في الغرفة الثانية قبل انتخاب النواب ، إذ من المتعارف تشكيل مجلسي النواب والأعيان معا ، لتكون لهما البداية والنهاية ذاتها، نكون قد وصلنا إلى مرحلة مبنى ( العبدلي ) جاهز … ونواب واعيان (عاجزون ) عن مباشرة العمل لوجود وباء في حالة تفشي مجتمعي .

يأتي اليوم السيادي لنظام الحكم (النيابي الملكي الوراثي) ، بالافتتاح الملكي للدورة البرلمانية ، والقاء الملك خطاب العرش السامي وارتداء الزيّ الخاص بالعرش، الذي يلبس من قبل الملك مرتين في افتتاح (مجلس الامة ، ويوم الجلوس على العرش )، ونظرا للظرف الصحي وانتشار الوباء ، السؤال : كيف سيتمكن الملك من القاء خطاب العرش ؟! هل سينيب – كما يجيز له الدستور – رئيس الوزراء بإلقاء خطاب العرش ؟! كما حدث في عهد الملك عبدالله الأول الذي مارس هذا الحق في ست مناسبات ، أو الحل الآخر هو القاء الخطاب عبر تقنية الاتصال المرئي ( الافتراضي) .. ولكن تبقى المشكلة في الحالتين ، كيف للمجلس أن يجتمع ويكتمل النصاب حتى يتمكن الأعضاء من الاستماع لخطاب العرش ؟!!

مقالات ذات صلة

وإذا تجاوزنا أمر افتتاح الدورة البرلمانية ، هناك العديد من الاستحقاقات الدستورية ستترتب على السلطة التشريعية تتمثل في : انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب ، وإعادة تشكيل المكتب الدائم ، واختيار اللجان البرلمانية من رؤساء وأعضاء ، والرد لمجلسي الأعيان والنواب -كل على حدة – على خطبة العرش ضمن الأطر الدستورية المحددة ، خلال أسبوعين من تاريخ بدء الدورة العادية لمجلس الأمة.

ونظراً للإجراءات والقرارات الأخيرة المتعلقة بالتعامل مع فيروس كورونا المستجد ، فلن يتمكن أعضاء مجلسي الأعيان والنواب الذين يصل عددهم إلى مائة وخمسة وتسعين عضوا ، من عقد اجتماع لهم تحت القبة في ظل قانون الدفاع الذي لا يجيز التجمع لأكثر من عشرين شخصا، وكيف لهم أداء القسم ( من تحت القبة ) ؟!

والحدث الأهم الذي ينتظر مجلس الأمة ، هو مناقشة وإقرار مشروع الموازنة العامة للدولة ، لأنها لا تكون نافذة إلا بالتصويت عليها كل بند على حدة ، والموافقة عليها والتأشيرات الملحقة بها مادةً مادةً ، وذلك بحسب قانون اللائحة الداخلية المنظمة لسيرعمل مجلس النواب ولجانه واصول ممارسته لكل صلاحياته الدستورية ، واستنادا إلى ما صدر عن المجلس المنحل من قرار بتعليق جلسات مجلس النواب والأعيان واجتماعات لجان المجلس، انسجاما مع الاجراءات الرامية للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد والوقاية منه ، واستمرارا للوضع الوبائي وتماشيا مع الإجراءات الحكومية المشددة بعد عودة الانتكاسة الوبائية وتسجيل إصابات محلية كسرت حاجز الخمسة الاف يوميا ، لن تجيز اللائحة الداخلية لمجلس الامة التي أكدت انعقاد الجلسات والحضورتكون في مكان ” مجلس الامة” ، من تحويل عقد جلسات المجلس (عبر العالم الافتراضي )..

وبالعودة إلى بداية الجائحة في شهر آذار الماضي ، حيث تم التوقف عن عقد جلسات المجلس لمدة ستة أشهر لحين حله ، ونظرا لبلوغ الحالة الوبائية الذروة في تسجل الحالات وفي انتشاره ، كيف سيتمكن المجلس الجديد المنتخب من الانعقاد ؟! .. وبما أنه لن ينعقد الآن في ظل هذه الظروف الاستثنائية فانه كان بإلامكان تأجيل الانتخابات لغاية السادس والعشرين من الشهر الأول من العام المقبل ليكون الوضع الوبائي قد أصبح أكثر وضوحا ، وبما أن الدستور يفرض على ( الاعيان ) توقف جلساته ، ولا يجتمع إلا عند اجتماع مجلس النواب ، ومادام عمل النواب معطلا ، فبالتالي عمل مجلس الاعيان معطل لعدم وجود أي جدوى دستورية من اجتماعه، حيث ان الوظيفة التشريعية بحاجة لوجود المجلسين معا، ورغم عدم انعقاد المجلس ، إلا أن مستحقاتهم المالية محفوظة وتصرف في حينها .

وبما أن عمل مجلس الأمة ( بشقيه ) تشريعي ، ويحتاج إلى تصويت الحضورعندما تكون الجلسة منعقدة، وقد يتفاوت التصويت، وبالتالي يصعب انجاز التشريعات عن بعد، ومناقشتها خارج مجلس النواب … لذلك هل سيبقى المجلس “المنتخب” دون انعقاد ؟! أم سنشهد مجلسا افتراضيا ، يعقد جلساته عبرالتطبيقات ونعيش في زمن الديمقراطية الافتراضية ؟!!..

Jaradat63@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى