#ديمقراطية #أردنية بلون #عشائري
الأستاذ الدكتور #أنيس_الخصاونة
يشكل مصطلح |”الديمقراطية” اكثر المصطلحات والمفاهيم استخداما ورواجا في وسائل الإعلام الأردنية ومنصات التواصل الإجتماعي ولقاءات المسؤولين بالجهات الرسمية والشعبية. وفي الوقت الذي لا غرابة في الإستخدام المتكرر لهذا لمصطلح فإن الممارسات السياسية على الأرض تشي بتقديم وتعزيز الروابط والأبعاد العشائرية والمناطقية والأمنية على أبرز قواعد ومتطلبات الديمقراطية مثل الانتخابات الحرة القائمة على رأي الأغلبية، والعدالة ،وحرية التعبير وحق انتقاد السلطات العامة. فعلى سبيل المثال تضمنت برامج التحديث السياسي وضع قوانين جديدة للانتخابات التشريعية والأحزاب السياسية ،واعادت النظر بالتقسيمات الادارية ،والدوائر الانتخابية، والهدف كما يبدو على الورق هو تعزيز الديمقراطية وتقوية الأحزاب ليصبح التمثيل البرلماني يتجاوب ويتساوق مع التمثيل الحزبي القائم على أساس البرامج.أما على ارض الواقع فيجد المتابع للشأن العام والفعاليات الرسمية وزيارات المسؤولين نفسا ،لا بل وأنفاسا،لا تنسجم مع الدعامات الأساسية التي تقوم عليها الانتخابات الديمقراطية والحياة الحزبية. فالدولة والمسؤولين لا يعدموا الوسيلة مثلا في مقاومة احزاب سياسية بعينها ويتعاملوا معها وكأنها عدوة للديمقراطية، فهذا حزب يتم محاصرت فعالياته وأنشطته بسبب الأيدولوجية التي قام وتشكل على اساسها ،وذاك حزب يتم الترصد به وممارسة الضغط على اعضائة للإنسحاب منه ومن ثم حله بحجة عدم توفر العدد الكافي للأعضاء حسب قانون الأحزاب الجديد.أما الأحزاب التي تمالئ الدولة واجهزتها وأذرعها الأمنية وغير الأمنية فهي تتمتع بحرية سقفها السماء ،وتفتح لها كافة المنصات الإعلامية ويحظى اعضائها بالمقابلات الصحفية والتلفزيونية ويتم دعوتهم للقاءات أهل الحل والعقد في أعلى المستويات .
أما في مجال الانتخابات التشريعية ،والتي أصبحت على الابواب، فمن المتوقع أن تلعب الأحزاب السياسية دورا مهما في إفراز ممثلي الشعب في مجلس النواب وذلك وفقا لمنطوق قانون الانتخابات.والحقيقة ان تسابق النخب السياسية لتشكيل احزاب سياسية تحقق متطلبات قانون الأحزاب لا يضمن بالضرورة ان تكون هذه الأحزاب جماهيرية وبرامجية حسب مقاصد القانون، ولا يضمن ان تنمي هذه الأحزاب ثقافة سياسية قائمة على المشاركة والحوار. فالعشائرية والقبلية والمناطقية والطائفية كلها أبعاد حاضرة وفاعلة ليس فقط في أذهان الناس وانماط تصويتهم ولكن في القوانين الناظمة للإنتخاب ، فدوائر الانتخابات ما زالت تكرس الطائفية على شكل مقاعد للمسيحيين والأرمن والمسلمين ،وتكرس القبلية على شكل دوائر البدو والمخيمات،والعرقية على شكل مقاعد للشركس وغيرهم. أما من حيث عدد المقاعد نسبة الى عدد السكان في المنطقة الانتخابية الواحدة فما زال البون شاسعا بين المساواة بين عدد الممثلين في مجلس النواب وحجم الناخبين في المنطقة الانتخابية ،ومن لديه شك في ذلك فعليه مراجعة الدوائر الانتخابية وقانون الأحزاب الأردنية.
وتمثل الانتخابات الطلابية في الجامعات إنموذجا لما سيحدث في الانتخابات النيابية القادمة حيث ان تشكيل الكتل الانتخابية على أسس عشائرية وقبلية باستثناء طبعا كتلة واحدة لها مرجعيات إسلامية يمثل تحديا لديمقراطية الانتخابات ومقاصدها في التمثيل العادل لإرادة الناس وإشاعة الثقافة الحزبية القائمة على البرامج. فرغم أن القوانين تتيح الانتماء والعمل الحزبي في الجامعات والمؤسسات الأكاديمية فإن الإصطفافات العشائرية والقبلية والمناطقية تتقدم كثيرا على الانتماءات الحزبية ، ويبدو أن الدولة بأجهزتها ليست فقط تغض الطرف عن ذلك وإنما هناك أحاديث عن تدخل بشكل غير مباشر في تشكيل وهندسة التكتلات والعمل الحزبي في الجامعات رغم التصريحات المتكررة للملك وكبار المسؤولين ورؤساء الجامعات عن تشجيع الطلبة على الانتماء والعمل الحزبي. وفي هذا الصدد نتسائل بإستفهام كبير علاقة الديمقراطية بصمت معظم الجامعات الاردنية والعربية إزاء القضايا السياسية الهامة ذات العلاقة بالشأن المحلي والإقليمي في الوقت الذي تتصدر الجامعات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والأسترالية المشهد السياسي الغربي فيما يتصل بمناهضتها للمجازر التي تحدث في غزة رغم مواقف الدول الغربية المتواطئة مع العدوان الإسرائيلي على اهلنا في فلسطين.
إن القوانين والتشريعات الناظمة للانتخابات البرلمانية والحياة الحزبية في الاردن وحدها لا تصنع الديمقراطية وحرية التعبير بمعزل عن السلوك الرسمي للدولة وأجهزتها ونخبها . فزيارات المسؤولين في أعلى سلم السلطة في الدولة للعشائروالقبائل ومخاطبتهم لهذه العشائربالأهل والعزوة يعزز الإصطفافات العشائرية والقبلية على حساب الانتخابات وتشكيل الأحزاب على اسس برامجية وطنية ،فالعشائر والقبائل تضم ألوان واطياف سياسية مختلفة. أستطيع أن أتفهم زيارات ميدانية لمؤسسات ومستشفيات وجامعات ومصانع ومناطق سكانية معينة ولكن لا أستطيع تفهم زيارات كبار المسؤولين في الديوان لعشيرة او قبيلة معينة والتي بالضرورة يتبعها سلسلة من الزيارات للقبائل والعشائر الأخرى من باب المعاملة بالمثل وأسوة بالعشائر والقبائل الأخرى . إن مثل هذه الزيارات والممارسات للمسؤولين تدفع ببعض النخب السياسية الاردنية للبحث عن إصطفافات وقواعد عشائرية لتحقيق مآرب سياسية مما يضعف من قدرة الأحزاب السياسية على ممارسة دورا سياسيا حقيقيا في الوقت الذي تحتل فيه العشائر والقبائل مكانة متقدمة ومفضلة عند السلطات الرسمية.ضمن هذا السياق فلا غرابة ان تجد وزراء سابقين وأكاديميين ورؤساء جامعات وطلاب وتربويين وكتاب يسعون الى تشكيل كتل وأحزاب ظاهرها حزبي سياسي وباطنها عشائري أو قبلي او طائفي أوعرقي.إن اندفاع هذه الفئات النخبوية لتكوين إصطفافات لا تقوم على أساس الأفكار والمبادئ والبرامج الوطنية وانما تقوم على أساس العرق او الطائفة أو العشيرة يهزم فكرة الديمقراطية التي ننادي بها ويضعها في مهب الريح. فالديمقراطية بلون عشائري وطائفي وعرقي هي ديمقرطية عرجاء وستبقى كذلك إلى ان يتغيرالسلوك والممارسات الفعلية لسلطات الدولة تجاه الأحزاب السياسية الموالية والمعارضة ومشاركتها الحقيقة ،وليست الشكلية، في صياغة المشهد السياسي على المستوى الوطني فهل من مدكر…..