دولة الولي الفقيه بين هلالين ” الشيعي والإيراني “

دولة الولي الفقيه بين هلالين ” الشيعي والإيراني “

د. نبيل العتوم

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية

مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية

مقالات ذات صلة

لا يُغامر الأردن في حساباته الإقليمية ولا الدولية عندما يهاجم الملك (عبد الله الثاني) إيران وسياساتها العدوانية في المنطقة عندما تحدث عن الهلال الإيراني وتدخلات طهران المدمرة في المنطقة، ودعمها للمليشيات التي تعيث خراباً ودماراً في جغرافيا المنطقة، وبالمناسبة هو لا يحاول لا إرضاء واشنطن ولا غيرها من خلال إطلاق هذه التوصيفات، كما جاء في رد الفعل الإيراني، فالأردن ليست دولة صانعة للتوتر، ولا هي دولة متآمرة من خلال حشد الاصطفاف وبناء الأحلاف ضد إيران .

اليوم بدأت أبواق إيران الإعلامية تصدح بسمفونية عدم إمكانية تحمل الأردن لمثل هكذا تصريحات قد تفتح أبواب المواجهة عليه مع إيران مباشرة .
لكن ما قصة التوتر الحاصل في العلاقات بين عمان، وطهران ؟

لا شكّ بأن قصة التوتر عبر عنها الأردن من دافوس، وعلى لسان رأس الدولة الأردنية الملك عبدالله مباشرة، وقد سافر إلى دافوس مباشرة، ودون المرور بالمحطة الأمريكية والسعودية كما هي عادة إيران دوماً في تفسير الدوافع التآمرية للأردن .

فخلال جلسة حوارية (دافوس )
ضمن فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي

مع شبكة (سي إن إن ) اتهم الملك عبد الله إيران بتبني مشروع خطير عنوانه ” الهلال الإيراني “ بكل أدواته وصفاته، مثمناً الدور السعودي في انتهاج سياسة ردعية استباقية جديدة للوقوف بوجه إيران، وهنا أراد الملك الابتعاد عن التوصيف المذهبي قدر الإمكان، بعد أن كان قد وصف المشروع الإيراني سابقاً بالهلال الشيعي، خرج على إثرها المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ليردَّ بأن هذه الاتهامات غير صحيحة ولا واقعية، وأن الإدلاء بمثل هذه التصريحات في هذه الظروف الخطيرة في المنطقة لا تنسجم مع مصالح الشعوب، مؤكداً على دور إيران في إحلال السلام والأمن في المنطقة .

صحيح أن عمان تتحمل فيه تبعات هذه التصريحات النارية، وهذا يحسب للأردن في الوقت تعاني هذه الدولة الأمرين الآن؛ فنار الأزمات المتفجرة تكوي الأردن من كل جانب، إضافة إلى برود غير مسبوق في علاقات عمان الإقليمية ما بين حلفاء تخلوا عن الأردن في أسوأ ظروفه، وبين خيارات التوجه نحو بناء مقاربة إقليمية عمادها نسج علاقات متطورة مع تركيا حفاظاً على دوره المهدد في قضية القدس، مع ما يجلبه ذلك من تداعيات على الأردن، واحتمالية تفجر الموضوع الفلسطيني الذي بات لغماً وطنياً أردنياً بامتياز، إلى جانب ظروف اقتصادية داخلية غير مسبوقة في تاريخ الأردن .
اللافت، أن طهران لم تستدعِ القائم بأعمال السفارة الأردنية في طهران لتسلمه احتجاجاً رسمياً على خلاف عادة طهران، في الوقت الذي ما زال السفير الإيراني في عمان (مجتبى فردوسي بور) في عمان على الرغم من استدعاء عمان لسفيرها من طهران على أثر مهاجمة السفارة السعودية في طهران .

مؤكدان وثابت في الموقف الأردني :

المؤكد الأول : أن هناك أموراً ظاهرة وباطنة هي التي دفعت الأردن لانتقاد السياسة الإيرانية خاصة أن الدولة الأردنية ليست ببعيدة عن تهديدات المشروع الإيراني، والتي باتت قريبة منه سواء من خلال محاولات طهران المتكررة اختراق الأمن الأردني، أو من خلال بوابات نار الأزمات المتفجرة ” سوريا والعراق ” التي تصب إيران عليها الزيت بما أوتيت من قوة . وهو ما يعني أن الصواب في الخطوة الأردنية هو في تعريف أحد أهم مصادر التهديد للمصالح والأمن الأردني، و اتهام طرفٍ كإيران بذلك بشكل مباشر، مما يخدم الأجندة الإقليمية والدولية التي باتت تشاطر الأردن هذا الرأي.

المؤكد الثاني : هنا فلا يجب نسيان العمليات الإرهابية التي وجهتها إيران، وكان آخرها قبل عدة أشهر، عملية ثغرة عصفور، والتي دبرتها إيران للنيل من الأمن الداخلي الأردني، هذا بالإضافة إلى حملة التعبئة المذهبية المحمومة التي باتت تقودها إيران وبلا هوادة، وللأسف الشديد بدوافع غير مفهومة، بحيث باتت تطال الأردن والتشكيك بشرعية قياداته الهاشمية، وهذا له مغزاه ودلالاته في هذا التوقيت الدقيق التي تحاول فيه إسرائيل تهويد القدس، وسحب الولاية الهاشمية عنها، إلى جانب اعتبار آيات الله العظام الجغرافيا الأردنية دار حرب بحجج وذرائع ما أنزل الله به من سلطان، هذا على خلاف ما تحاول أن تظهره إيران من محاولات التودد الملغومة التي صدعت بها رؤوس المسؤولين والشعب الأردني ليل نهار.

في الوقت الذي تتزامن فيه الطروحات الإيرانية، مع ما تطرحه إسرائيل كذلك من فكرة يهودية الدولة، ومخاطرها الوجودية على الأردن، والتي تسعى إلى افتعال أكبر عملية (ترانسفير) في التاريخ الحديث، مما يسهل على إيران مهمة تدمير أرض وادي اليابس ” بلاد السفياني ” ، على يد إسرائيل ومن والاها، مما يحقق أرض المهدي الموعودة، ويسهل من المهمة الإلهية الإيرانية .

أما الثابت : فإن الأردن قد اختار لنفسه أن يصطف مع المحور المناوئ للهلال الإيراني دفاعاً عن أمنه واستقراره، وهذا ليس معناه أن عمان تدور في فلك السياسات الإقليمية والدولية، بقدر ما بات يعتقد به صانع القرار السياسي والأمني من تداعيات السلوك الإيراني غير المنضبط والمدمر من خلال مداخل الأزمات الإقليمية، وسوء التقدير الحاصل في التعامل مع قضايا المنطقة وإسرائيل، والتي تحاول إيران توظيفها للتأثير على الأمن والديموغرافيا والجغرافيا الأردنية. منطق الرؤية الإيرانية إلى الأردن بات ينظر من زاوية الدولة الضعيفة غير القادرة على لعب دور مؤثر، هذا إلى جانب أهمية استغلال طهران “للعنة الجغرافيا” التي جعلت الأردن دولة مثقلة بمصادر التهديد والتوتر من كل الجهات لتوظيف هذا المتغير لجهة التأثير عليه، إلى جانب معاناة الأردن من دول إقليمية بات لها أدوات تهديد مؤثرة، تستطيع من خلاله العبور إلى عمق الدولة الأردنية بسهولة ويسر، بموازاة ذلك اعتقاد إيران أهمية استغلال عامل افتقاد الأردن إلى ظهير يُشكل عمقاً إستراتيجياً لجهة التأثير عليه وإضعافه .
لا شك بأن الأردن بات يعيش من خلال موقفه الصريح من العبث الإيراني حالة أكثر توافقاً مع الواقع السياسي، وأن حساباته ورهاناته الإقليمية والدولية باتت أكثر انسجاماً مع رؤيته الإستراتيجية ، خاصة أن هناك سوء تقدير إيران لتفسير السياسات الأردنية التي يتم النظر لها بمنظور التابع الذي يسير بفلك الضغوط الدولية والإقليمية ، وليس بدافع المصالح الوطنية الأردنية . كما أن وجود سخطٍ شعبيٍ ضد إيران وسياساتها العدوانية باتت تُشكل رافعة مهمة لدعم صانع القرار الأردني ، حيث أنه ومن المؤكد أن الخطاب الأردني الرسمي ينسجم بشكل أساسي مع رؤية الشعب الأردني بل والعربي والإسلامي . حيث عبَّر ت مراراً وتكراراً عن إدانتها للسلوك العدواني الإيراني، وهو ما برز بشكل واضح بعد العام 2003، وبعد قيام إيران بالانقضاض على العراق وابتلاعه، وتدمير مقوماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ونشر الطائفية في المنطقة وبشكل غير مسبوق، بحيث بات العراق أحد أهم مصادر تهديد الأمن الإقليمي العربي .
النتيجة أن إيران تتحمل بشكل كامل مسؤولية صنع التوتر مع الأردن ومع العالم العربي برمته، مع وجود حاجة ماسة لتحقيق الاستقرار الإقليمي الداخلي والخارجي، والتفرغ لحل القضية الفلسطينية، التي باتت في ذيل الاهتمام الدولي بفضل السياسات الإيرانية التدميرية التي أدخلت المنطقة العربية في أتون صراع طائفي ومذهبي، واستنزفت قدرات العالم العربي، مقوضة بذلك جهود التنمية والبناء، في ظل واقع جيوسياسي متأزم يُحيط بنا من كل جانب .\ئ

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى