دور المعلّم والتعليم في نهضة الأمة
موسى العدوان
قبل ما يزيد على ستة عقود، كتب المارشال #مونتغمري في كتابه ” الطريق إلى #القيادة ” الكثير من المعلومات التي تتعلق بالقيادة #العسكرية، مقرونة بالقيادة المدنية، بعد خبرته الطويلة من التعامل مع القيادات العسكرية والقيادات المدنية. وفيما يلي اقتباس بتصرف مما ورد في ذلك الكتاب :
” يندر أن نجد في شخص ما كل الصفات المطلوبة في القائد الناجح. ولكن يمكننا بالتمرين والتدريب أن نفعل الكثير، في سبيل خلق وتنمية الصفات اللازمة، مع عدم التوسع في هذه التجربة، وإلاّ وقعنا في غلطة كبيرة. ولهذا يجب أن نحصر جهودنا في العناصر الصالحة، وإزالة الصدأ عن القادة الأقوياء من الشعب، وهم فئة قليلة يجب تدريبهم في أضيق نطاق ممكن.
من الواضح أن الأمة، لا يمكنها أن تنجب العدد الكافي من الرجال، الذين تتوفر فيهم الصفات الأساسية للقيادة، ما لم تُحَدّد مناهج التعليم تحديدا سليما، وهذا أصعب ما في الموضوع. وعليه يجب اتباع أسس معينة في النُظم التعليمية، وأول هذه الأسس هو ” اختيار المدرّس الصالح “.
والملاحظ أن المدرّسين في الهيئات التعليمية ببعض الدول، لا يتقاضون رواتب مجزية. فالمدرّس الذي لا يتقاضى راتبا مجزيا، غالبا ما يكون ضيّق الأفق، لا يتصرف إلاّ في نطاق محدود، لا يتيح له التفرغ والاتصال بتلاميذه والإشراف عليهم وبحث مشاكلهم.
لذلك يجب أن نوجد في مدارسنا مدرّسين من الفئة الممتازة، وأن نمنحهم رواتب مجْزية. فإذا ما وفرنا النظام التعليمي السليم والمدرّس الممتاز، وجب علينا أن نهتم بالنواحي الدينية، فنضع التعليمات المنظِمة لها بالتعاون مع رجال الدين.
وبصفة عامة، يجب أن نوفر المدارس والتعليم الصحيح للطلبة، لكي يصبح خريجوها قادة في المجتمع، يستطيعون معالجة المشاكل التي تواجههم في الحياة العملية، من زاويتها الصحيحة “. انتهى الاقتباس.
* * *
التعليق :
لا شك بأن التعليم والمعلم الكفؤ، هما الوسيلة الأساسية للتطور ونهضة الأمة. وقد أدركت دول العالم المتقدم هذه الحقيقة، فركّزت حهودها عليها، وطورت مجتمعاتها في مختلف مناحي الحياة، حتى تمكنت من امتلاك التقنبات المتطورة وغزو الفضاء.
هناك دول أهملت هذا الجانب، فبقيت تعاني من الفقر والفساد وتواجه الجهل والتخلف. وهناك دول كانت تعاني من الفقر وقلة الموارد في منتصف القرن الماضي، كما في دول جنوب شرق آسيا، ولكنها اهتمت بالعلم والمعلم، ومنحت المعلم أمتيازات مالية واجتماعية غير مسبوقة، فنهضت من التخلف، وأصبحت في طليعة الدول المتقدمة، صناعيا واقتصاديا خلال فترة وجيزة.
وإذا ما نظرنا إلى وضعنا في الأردن، فسنجد أننا نعمل جاهدين على الغرق في التخلف، وإهمال التعليم والمعلم اللذين هما أساس التطور. فعلى سبيل المثال، راتب المعلم لا يكاد يفي بمتطلبات معيشته الأساسية، مما يضطره للبحث عن عمل آخر إلى جانب عمله قد لا يناسبه، ولكن مكره على ذلك كي يواجه احتياجاته الضرورية.
وأما المناهج الدراسية في مختلف صفوف المدارس والجامعات، فيجري تعديلها بما يُفرض علينا من الخارج، بعيدا عن التربية الوطنية والدينية، التي اعتدنا عليها في الماضي. وحتى نقابة المعلمين التي وُجدت رسميا للحفاظ على حقوق المعلمين ورفع سويتهم، جرى حلها وزجّ بعض معلميها في السجن.
فكيف والحالة هذه، يمكن للمعلم أن يصنع قيادات واعية في المجتمع، طالما أنه محتاج للمال ولا يحظى بالاحترام بل يُهان من قبل الدولة أمام طلابه وجمهوره ؟
ونتيجة لما تقدم بقينا في الأردن ندور ضمن محيط الدول المتخلفة، غير قادرين على صنع قادة وطنيين ينهضون بالدولة، فأصبحنا ننتظر العون والمساعدة من الآخرين، رغم توفر مختلف الموارد الكافية لديها، ووجود عقول خلاّقة بين مواطنبنا، أهملنا العناية بهم وتأهيلهم، وعندما سنحت الفرصة لبعضهم في دول أجنبية فقد أبدعوا وأظهروا مواهبهم. وهنا أود التذكير بمطلع قصيدة للشاعر احمد شوقي حين قال :
قُـــم لِلمُعــــَلِّمِ وَفِّـــهِ التَبجيلا * * كــــادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا
أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي * * يَبني وَيُنشِئُ أَنفُســًا وَعُقـولا
سُبـحانَـكَ الـلَــهُمَّ خَيــرَ مُـعَلــــِّمٍ * *عَلَّمتَ بِالقَلـَمِ القُرونَ الأولى
التاريخ : 10 / 12 / 2021