مهند أبو فلاح
تشارك المملكة المتحدة ” بريطانيا ” مستعمرتها السابقة الولايات المتحدة الأمريكية في عدوانها الغاشم على القطر اليمني الشقيق الذي جرى مؤخرا بحجة حماية الملاحة البحرية الدولية في مضيق باب المندب المدخل الجنوبي للبحر الأحمر من الهجمات المسلحة التي يشنها أنصار عبد الملك الحوثي انطلاقا من معاقلهم في اليمن .
لقد لعبت الإمبريالية البريطانية دورا هاما سابقا في مكافحة النزعات التحررية لدى جماهير الشعب العربي خلال النصف الأول من القرن الماضي في محاولة للحفاظ على سيطرتها و هيمنتها على مقاليد الأمور و زمامها في شتى أصقاع الوطن العربي الكبير و قامت بتغذية و دعم الحركات الطائفية ذات النزعات الانفصالية الشعوبية المعادية للقومية العربية .
و من أهم الشخصيات الأمنية البريطانية التي أسهمت في صناعة حالة الفوضى و عدم الاستقرار السياسي في ربوع الوطن العربي البريجادير ايلتيد نيكول كلايتون مسؤول قسم الشرق الأوسط في جهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية المعروف اختصارا ب ( M.I.6 ) في النصف الثاني من اربعينيات القرن الماضي في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية التي وضعت أوزارها في العام 1945 .
في كتابه المعنون بالحرب السرية على سورية من 1949 – 1961 يشير الباحث و الخبير الأمني البريطاني اندرو راثمل الى عملية استخباراتية بريطانية كان مسرحها بالمقام الاول القطر العربي السوري ، لم يذكر راثمل كثيرا من التفاصيل عن هذه العملية الا أن الاعتقاد السائد هو أن كلايتون هو الأب الحقيقي و الفعلي لهذه العملية و التي أدت إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي في سورية في أعقاب حرب فلسطين عام 1948 .
عصفت بسورية سلسلة من الانقلابات العسكرية في أعقاب نكبة فلسطين عام 1948 و خلال 8 اشهر فقط من آذار / مارس إلى كانون الاول ديسمبر 1949 وقعت ثلاثة انقلابات عسكرية في تلك الجمهورية الحديثة العهد بالاستقلال في أعقاب الجلاء الفرنسي عنها في 17 نيسان / ابريل 1946 .
جاءت الانقلابات في سورية في أعقاب الهزيمة المدوية التي منيت بها الأمة العربية التي تمخضت عنها تلك الحرب التي دارت رحاها فوق ثرى فلسطين الطهور و فضيحة الباخرة المحملة بالسلاح التي تعاقدت دفعت من أموال الشعب العربي السوري قبل أن ترسو في ميناء حيفا و تفرغ حمولتها لصالح الصهاينة و التي لطخت النظام السياسي البرلماني في دمشق و فتحت الباب على مصراعيه أمام موجة الانقلابات العسكرية التي مولت بريطانيا بعضها على الأقل بشكل غير مباشر من خلال شركة نفط العراق التي كانت خاضعة للادارة البريطانية .
على أية حال بعد مرور عدة عقود من السنين على هذه الأحداث العاصفة التي ضربت الأمن و الاستقرار في ربوع المشرق العربي مازالت بريطانيا تواصل دورها في زعزعة و خلخلة دعائم الأمن القومي العربي هنا و هناك بشتى الوسائل و السبل الشيطانية ممارسة لعبة مزدوجة خبيثة تعتمد في أساسها على إشعال الحرائق عبر الحروب الأهلية ثم التدخل عسكريا بذريعة محاولة إطفاء هذه الحرائق و الفتن التي ما كان لها أن تخرج لحيز الوجود لولا الدسائس و المؤامرات البريطانية التي تحاك في السر من وراء الكواليس .
اليوم نحن مدعوون كنخب ثقافية أكثر من أي وقت مضى لمواجهة هذه المؤامرات البريطانية الخبيثة عبر التسلح بالوعي أولا بطبيعة تلك الادوات و البيادق المستخدمة في خلط الأوراق و صناعة الفتن في شتى أصقاع الوطن العربي الكبير لكشفها و إماطة اللثام عنها ، و ثانيا بالتصدي لكل أشكال الفوضى الفكرية العارمة التي يراد منها خلط المفاهيم و الخنادق في ساحات النضال الجماهيري العربي من أجل الوحدة و الحرية .