دورالمكاتب الخاصة للخدمات الجامعية في تراجع جودة الدراسات العليا

دور #المكاتب_الخاصة للخدمات الجامعية في #تراجع #جودة #الدراسات_العليا
الأستاذ الدكتور #أنيس_الخصاونة
ترتبط برامج الدراسات العليا في #الجامعات ارتباطا وثيقا بالبحث العلمي نظرا لما تشكله البحوث والدراسات العلمية من حيز كبير في بنية هذه البرامج وتصميمها وغاياتها. ولعل ارتباط الدراسات العليا في كثير من الجامعات بعمادة البحث العلمي ينبع من اعتماد برامج #الماجستير و #الدكتوراه على إكساب #الطلبة لمهارات البحث ومناهجه وادواته ،لا بل فإن بعض الجامعات العالمية المشهورة (بريطانيا استراليا ) تعتمد #الرسالة وليس المساقات والمواد كأساس لمنح الدرجات العلمية العليا .وأي كانت الفلسفة والنهج الفكري في برامج الدراسات العليا فإن الإطروحة التي يعدها طالب الماجستير أو الدكتوراه تعد محور أساسي في تنمية قدراته ومهاراته ،وهي التي تميز طلبة البكالوريوس عن طلبة الدراسات العليا.إن التركيز الكبير والمتطلبات العالية التي تشترطها الجامعات ذات السمعة العلمية المحترمة لقبول وتخرج الطلبة من برامج الدراسات العليا يعكس أهمية هذه البرامج ومخرجاتها ليس فقط لسمعة هذه الجامعات ولكن لمستوى وجودة مخرجات التعليم العالي وأثره على مستوى البحث العلمي وصلته بالقطاعات المختلفة في سوق العمل.
تتضمن معظم اللوائح والتشريعات النافذة لبرامج الدراسات العليا في الجامعات الاردنية تعليمات وشروط لإعداد الرسائل الجامعية . من أيرز هذه الشروط توفر الأصالة والمساهمة العلمية للرسالة وموضوعها وصلته وفائدته للمجتمع ، اما الجانب الآخر فهو متصل باستخدام وتطبيق أساليب ومنهجيات سليمة للبحث العلمي وذلك للوصول لنتائج ذات مصداقية.إن تحقيق مثل هذين الشرطين يتطلب ابتداءا توفر الاستعداد لدى الطلبة للقيام بإعداد رسائلهم بأنفسهم وتعلم كافة الأدوات والأساليب البحثية التي تمكنهم من ذلك.أما الشرط الثاني فهو يتعلق بتدريب الجامعة للطلبة على اكتساب مهارات البحث العلمي ومنهجياته وأدواته. إن عدم توفر أي من هذين الشرطين يسبب اختلالا واضحا في امتلاك الطالب للقدرات البحثية اللازمة، وفي مدى كفاءته وملائمته لعنوان ومضمون شهادة الماجستير او الدكتوراه التي يتم منحه إياها.
الجانب المقلق بالموضوع هو ذلك السوق الهائل والرائج لتجارة البحث العلمي الذي نشأ في المملكة على مدارالعقود الثلاث الماضية ،والإعلانات والترويج التجاري الذي يصاحب هذا السوق تحت عناوين ومصطلحات خادعة ومضللة مثل مكاتب خدمات جامعية أو خدمات طلابية او غيرها. هذه المكاتب التي يتم الترخيص لها رسميا لتقديم خدمات الطباعة والتصوير والقرطاسية والتدقيق اللغوي اصبحت للأسف تقوم بمهام وواجبات على الطالب ان يتعلمها ،لا بل فإن تعلم الواجبات والمهارات في اختيار الموضوع ،وإعداد مقترح الرسالة، وجمع البيانات والمعلومات ،وإجراء التحليل وكتابة الرسالة، هي من صميم أهداف برامج الدراسات العليا.وهنا نتسائل ما الفائدة من هذه الرسائل وأصالتها ومنهجياتها البحثية إذا كانت مكاتب الخدمات الجامعية تقوم بإعدادها مقابل الأجر!! الجانب الملفت في الموضوع هو تلك الجرأة والصلف التي تمارسه بعض هذه المكاتب في وضع إعلانات ودعايات خاصة بها داخل اروقة الجامعات وعلى أسوار الجامعات تفيد باستعدادها لإعداد مقترحات الرسائل ،وإعداد رسائل الماجستير والدكتوراة ،ومشاريع التخرج لطلبة البكالوريوس.إن الدور التدميري لبعض مكاتب الخدمات الجامعية يتجاوز دور اعداد الرسائل الجامعية ليشمل اعلانات للاساتذة باستعداد وجاهزية هذه المكاتب لاعداد بحوث الترقية للمدرسين وترسل إعلانات مباشرة لأعضاء الهيئة التدريسية بهذا الخصوص موضحة استعدادها لعمل بحوث للنشر في مجلات سكوبس (Scopus) أو مجلات ذات تأثير علمي(Impact Factors Journals) طبعا كل بحث بالسعر الذي يتناسب مع مرتبة المجلة.المؤلم بالموضوع أن بعض الاساتذة الجامعيين يتعاونون مع هذه المكاتب مقابل نسب متفق عليها من العوائد المالية .
في ضوء هذه الوضع المؤسف فإننا نتساءل وإياكم عن دور وزارة التعليم العالي والبحث العلمي (قبل الدمج وبعد الدمج مع وزارة التربية التعليم والموارد البشرية) في مراقبة ومتابعة ممارسات مكاتب الخدمات الجامعية التي تفرغ برامج الدراسات العليا من محتواها وتسيئ لجودة مخرجات الدراسات العليا في الجامعات الاردنية.إذا كانت هذه المكاتب الجامعية تقوم باختيار الموضوع وتطويره على شكل (Proposal) وتقوم بتفريغ البيانات ،وإجراء التحليل الإحصائي، وكتابة الرسالة، فما الذي يتعلمه الطالب وما هو مصير شروط الأصالة والمنهجية التي تعتمدها الجامعات!
لقد ناشدنا غير مرة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ،وخاطبنا رؤساء الجامعات وطلبنا منهم أن يتجولوا في محيط جامعاتهم وفناءاتها الخلفية ليشاهدوا بأم أعينهم هذا التغلغل والإعتداء السافر على حرمات البحث العلمي ونزاهته من قبل كثير من مكاتب الخدمات الجامعية ولكن لم يتم تحريك ساكن من قبل الوزراء المتعاقبين وكأن الأمر لا يعنيهم. إعداد رسائل الماجستير والدكتوراه ومشاريع التخرج من قبل مكاتب الخدمات الجامعية يرقى الى مستوى الجريمة وهو ظاهرة مدمرة لأهداف البحث العلمي والدراسات العليا في جامعاتنا ونتائج هذه الظاهرة تصبح أكثر أذى عندما تصبح هذه الممارسات في استكتاب المكاتب لرسائل ومشاريع التخرج قضية عادية ومقبولة من قبل الطلبة والمجتمع.
مكاتب الخدمات الجامعية ينبغي أن تخضع للرقابة الحثيثة والشديدة من قبل وزارة التعليم العالي أو أي جهة حكومية أخرى، وينبغي أن يحذف من الترخيص إسم “خدمات جامعية” ليستبدل “بخدمات قرطاسية ومكتبية” كما ينبغي أن يكون هنالك غرامات وعقوبات بالإغلاق لأي مكتب يمارس إعداد الرسائل والأبحاث الجامعية. أما على صعيد الطلبة فإن على الجامعات تغليظ العقوبات على كل من يثبت قيامه باستكتاب أي جهة أو مكتب لإعداد بحثه أو رسالته. الدراسات العليا وإطروحات الماجستير والدكتوراة تمر بمأزق هذه الأيام ونعتقد أن اتخاذ الاجراءات الضرورية للحد من الاعتداء السافر لبعض مكاتب الخدمات الجامعية هو واجب وطني وأخلاقي ، وإذا لم ننهض سريعا بهذا الواجب فإن شهادات الدراسات العليا ستصبح مثل منح رخص قيادة السيارات لأشخاص ليس لديهم قدرات على القيادة وبالتالي فهم يعرضون حياة الآخرين للخطر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى