دنيا الأردن عكس عكاس …(3) / د. خالد حُسين العُمري

دنيا الأردن عكس عكاس …(3)
تكية أم علي ،، لإطعام 30,000 أسرة … كل الشكر ولكن ..

نحو الوصول إلى أردن خالٍ من الجوع. هذا هو شعار تكية أم علي تلك المؤسسة التي أخذت على عاتقها مكافحة الفقر الغذائي، والتي قدمت وما زالت تقدم الطعام والغذاء للأسر الفقيرة التي تعيش في فقر مدقع لا تملك ثمن الطعام، وأيضا عملت التكية على إدماج مؤسسات (حوالي 90مؤسسة) وأفراد (حوالي 45000 فرد) وآلاف المتطوعين في مختلف أعمالها التطوعية مما ساهم في تفعيل قيم التكافل وعمل الخير، وهي بغنى عن شهادتي في مساحة الشفافية في مختلف إجراءاتها الإدارية والمالية فجزاها الله كل خير عن الأردن.
وبذات الوقت فإن النقد للاستراتيجيات أو الأهداف لا يفسد في الود قضية فإدارتها منفتحة على كل ما يصب في القضاء على الجوع في وطننا الحبيب. وما دعاني للكتابة هو شعارها الذي أطلقته في المرحلة الثانية من مشروع مكافحة الفقر الغذائي لديها والذي ينص على رفع العدد الإجمالي للأسر العفيفة المستفيدة من المساعدات الغذائية شهرياً من 17,600أسرة إلى 30 ألف أسرة، وهو هدف يمثل 95 ٪ من الأسر الأردنية التي تعيش في فقر مدقع. ولكني كم تألمت وأنا أقرأ هذا الهدف ولا أشكك بنبل الغاية وسموها، ولكن كم تمنيتُ لو كان الهدف يقاس بالعكس أي انخفاض عدد الأسر المستفيدة لا رفعها، ولتوضيح مقصدي فلنتفق أنه كلما كان عدد الأسر المستفيدة أقل كلما دل ذلك على القضاء على الجوع، وكلما ارتفع عدد الأسر دل ذلك على زيادة نسبة الجوعى في الأردن، وبالتالي فإن الاستراتيجية التي تسعى لإطعام وتغذية من هم من ذوي الفقر المدقع يجب أن تتوجه لتقليل الاعتمادية على التكية فبدلاً من نطعمهم السمك سنعلمهم اصطياده ونعطيهم الصنارة.
ولتبيان المقصد سأتناول فقط برنامج الإطعام أو الدعم الغذائي فأُشير إلى أن تكلفة الطرد في المتوسط حوالي 50 دينارا في الشهر حسب ما تنشره التكية على موقعها الالكتروني أي أن متوسط تكلفة الأسرة الواحدة حوالي 600 دينار سنويا للطعام الأساسي في برنامج الإطعام تحت ظل الآية الكريمة (يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيماً وَأَسِيراً) ولكنني أتساءل ماذا لو تم اتباع استراتيجية جديدة تسعى لتوفير عملية تشغيلية لكل أسرة من ذوي الفقر المدقع، فالتكية بدأت عمليات الإطعام منذ أكثر من عشر سنوات تقريبا، وحسب المسوحات التي أجرتها تكية أم علي فإن عدد الأسر التي تحتاج لإطعام في الأردن حوالي 32.000 أسرة، بينما لو تم اتباع استراتيجية التشغيل لتلك الأسر بواقع توفير تشغيل (وليس توظيف طبعا) لتلك الأسر بما قيمته حوالي 2000 دينار مثلا (أي دعم الأسر في مشروع تشغيلي مثل دكان صغير، مشغل مخللات، آلات خياطة وتطريز، … الخ) لبدأ العد العكسي للانخفاض الحقيقي لمكافحة الجوع والقضاء عليه. ولمزيد من التوضيح فبناء على ما نشرته التكية وتحت عنوان إنجازات تفتخر بها فإنها قامت بتوزيع مليون ومائتين الف طرد غذائي، وحسب تقديرات التكية -كما ذكرنا سابقا- فإن متوسط سعر الطرد حوالي 50 دينارا وبحسبة بسيطة لحساب تكلفة الطرود فإنها = 1.200.000 × 50 = 60.000.000 وبالتالي لو افترضنا أن عدد الأسر التي استفادت من تلك الطرود وحسب ما تنشره التكية حوالي 18.000 أسرة فإن تكلفة إطعام الأسرة الواحدة كانت حوالي 3500 دينار، وبناء على هذه الأرقام لو كان الهدف توفير فرص ومشاريع تشغيلية بنفس القيمية (3500 دينار) والتي تأتت من حساب آخر عشر سنوات لكنا الآن قد وفرنا فرصا تشغيلية لحوالي 17000 أسرة بل أكثر من ذلك بقليل ولكنّا قد اجتثثنا الجوع اجتثاثاً وليس إطعامه وسد فاه، فنحن بالاستراتيجية الحالية نُطعم الجوع ويزداد سنة بعد سنة فعلينا أن نُغَيـّر بوصلتنا لنصبح تحت عنوان علمني كيف أصطاد ولا تطعمني السمك وأن لا نبقى عكس عكاس. وفي النهاية أكرر أن الاختلاف في المنهجية والاستراتيجية لا يُـفسد في الود قضية وكل الشكر والتقدير للقائمين على تكية أم علي فرداً فرداً.

خبير القياس والتقويم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى