عرف عن الأردنيون إبائهم وعزة نفسهم وصدق مشاعرهم وخصوصا في المواقف التي تستدعي القوة والصلابة ورباطة الجأش .لا يمكن لي وللعديد من الاردنيين أن نتفهم قيام شخصية سياسية معروفة ومن على شاشة التلفزة المحلية بذرف الدموع عندما مر ذكر الملك الراحل الحسين بن طلال الذي يحبه جميع الاردنيون بعد ستة عشر عاما على وفاته ؟؟؟
هل يدخل هذا في باب الدموع والعبرات التي لم يستطيع سيادته السيطرة عليها ومنع انهمارها من وجنتيه الكريمتين؟
وكيف يمكن لهذا الشخص أن يرتب ويؤقت لانهمار دموعه في ساعة محددة في برنامج تلفزيوني يراقبه مئات الألاف من المشاهدين ؟
الدموع تعكس حالة انفعالية وجدانية تعلمنا عبر ثقافتنا الممتدة أنها حالة وجدانية مفعمة فيها خصوصية شخصية كبيرة ومن المعيب تسخيرها تقربا أو ممالأة أو تزلفا للسلطة أو المسؤولين .
كيف بالله عليكم يمكن أن أتفهم قيام هذا الشخص بالبكاء لمجرد رؤية شريط جنازة الملك الراحل في الوقت الذي لا يذرف الدموع على والديه الذين أنجباه لهذه الدنيا وأولياه أقصى ما استطاعا من رعاية واهتمام!! أيهما أولي بذرف الدموع والبكاء الوالدين أم ولي الأمر الذي مضى على رحيله ما يزيد على عقد ونصف من الزمان!!!
يبدوا لي أن الدموع أيضا يمكن أن تكون دموع تسحيج وتزلف لأولي الأمر وقد رأينا قبل سنوات عديدة أحدى الشخصيات الأردنية المهمة التي لم تذرف الدموع فقط عبر وسائل الإعلام ولكنها أسمعت الأردنيين نحيبا وأنينا عندما تم الإعلان عن إصابة الملك الراحل بمرض خطير يصعب الشفاء منه.
ذرف الدموع والبكاء في بلاط الأمراء والسلاطين قضية معروفة ومألوفة حيث أنها تهدف إلى استجداء عطف هؤلاء السلاطين والأمراء لتقريب البكائين ، ولكن الشيء غير المفهوم أن يقوم هؤلاء بممارسة هذا النفاق وذرف الدموع أمام مشاهدين التلفزة الذين يمكنهم التمييز بين دموع الصدق ودموع الكذب…. ألا يدرك هؤلاء الذين يتاجرون بدموعهم أن رونالد ريغان ومن قبله أيزنهاور وروزفلت في أمريكا وكذلك تشرشل في بريطانيا وشارل ديغول في فرنسا ونيلسون مانديلا محرر شعب كامل في جنوب إفريقيا قضوا جميعهم ولم تذرف عليهم دموع إلا دموع زوجاتهم وبعض أولادهم ؟؟؟
من المؤسف حقا أن يصل النفاق ببعض الشخوص للاستثمار في دموعهم وتقديمها قربى يتزلفون بها للمسؤولين وأولي الأمر علهم يعطفون عليهم بمنصب زائل ومتاع رخيص من متاع الدنيا .غريب أمر هؤلاء الذين لا يحرصون على صورهم واحترام مجتمعهم لهم وهم يضعون قدوة سيئة للأجيال من بعدهم ويسطرون تاريخ غير مشرف من النفاق والتسحيج الذي لم يعد ينطلي على الأردنيين في دير يوسف والقسطل والسماكية والنعيمة وسامتا ومليح وعيرا ويرقا وبلعما. صدق عنترة بن شداد عندما قال :
لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ = بَل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ
ماءُ الحَياةِ بِذِلَّةٍ كَجَهَنَّمٍ = وَجَهَنَّمٌ بِالعِزِّ أَطيَبُ مَنزِلِ.
وَاِختَر لِنَفسِكَ مَنزِلاً تَعلو بِهِ = أَو مُت كَريماً تَحتَ ظُلِّ القَسطَلِ
فَالمَوتُ لا يُنجيكَ مِن آفاتِهِ = حِصنٌ وَلَو شَيَّدتَهُ بِالجَندَلِ