زارني اليوم الدكتور صالح وهو أحد الأطباء المعينين حديثا في وزارة الصحه بعد أن أمضى سبع سنوات في انتظار التعيين، وحاله كحال أبناء الحراثين درس على حساب ذويه ودفعت أمه تكاليف دراسته من الحيله والفتيله ما بين باقي ذهبها وقروض من البنوك وجمعيات مع نسوان الحاره وغيره فاجتمعت كل ألوان الشقاء في دفع تكاليف دراسة الدكتور صالح.
بدأ الدكتور صالح عمله كطبيب في فرق التقصي الوبائي بعد مرور ١٤ سنه على دخولة كلية الطب، أعوام مضت بين دراسة وحرمان وقهر وانتظار التعيين، ليستلم اول راتب له وقدره ٥١٥ دينار ضاعت ما بين إيجار شقه ومواصلات وسندويشات فلافل.
يسرد لي صالح بكلمات مجبولة بالحسره وهو ابن ال ال ٣٣ عاما وبعد استلام اول راتب له لم يعد يفكر بزواج ولا شقة ولا سياره ويقول امي تحدث نسوان الحاره (ابني دكتور في التقصي الوبائي) ولا تدري ان كل أحلامي ضاعت وبتنا نحلم فقط أن نعيش.
كم من صالح في وطني أفسدوا حلمه وكم من صالح اليوم يتاجرون به.
اليوم اخاطب جميع الآباء والأمهات واقول لهم التالي.
ان أكثر من ٢٥ الف طالب طب على مقاعد الدراسه ما بين الجامعات الأردنيه و الخارج
يتخرج سنويا ما بين ٣ إلى ٤ آلاف طبيب والعدد مرشح ليتضاعف في ظل المعدلات العاليه وزيادة عدد مقاعد الطب في الجامعات الأردنيه، ولم تكتف الحكومه بذلك بل أعلنت عن ترخيص كليات طب خاصه سيتم افتتاحها.
عدد فرص العمل في السوق المحلي لا يتجاوز البضع مئات مقابل ٣ إلى ٤ آلاف خريج سنويا
هناك عدد من خريجي العام ٢٠١٣ من سكان عمان ما زالوا ينتظروا التعيين حتى اللحظه واضطر أغلبهم لدخول برنامج الاقامه بعقود دون رواتب يتقاضوا مكافآه ٢٢٠ دينار شهري فقط والبعض الآخر يعمل بنظام الاقامه غير مدفوعة الأجر. ولكم أن تصوروا حجم الكارثه بعد عدة سنوات.
لم تكتف الحكومة بالتنصل من مسؤوليتها عن الأرقام المرعبه انفة الذكر وعدم تحملها مسؤوليتها بمراعاة مخرجات الجامعات مع حاجة السوق في جميع التخصصات الطبيه وغيرها. بل عمدت إلى التوسع في ترخيص كليات الطب ومضاعفة عدد مقاعد الطب في الكليات الحاليه واليوم نشاهد مخرجات الثانويه العامه تصب في نفس الكأس وكأن حكوماتنا تريد أن تسد العجز المادي في الجامعات على حساب تخصص الطب وجيوب أهالي الطلبه غير آبهة بالكارثه الحتمية الحاصلة لا محاله بعد عدة سنوات.
فهل تغامر حكوماتنا بسمعة الأردن العلمية ومكانته ومستقبل أبنائنا الطلبة ومستقبل الوطن ككل دون أن ان تكترث؟؟
وان كان كذلك من يتحمل مسؤولية ما يخطط له.؟؟