دكتور اخليف أجب فرسانك / د . ديمة طهبوب

دكتور اخليف أجب فرسانك
في اليوم العاشر للاعتصام المفتوح لطلاب الجامعة الأردنية؛ احتجاجا على قرار رفع الرسوم الجامعية، قررت أن أخرج من مكتبي الهادئ لألبي نداء الوفاء لخريجي الجامعة الأردنية، ونداء الوفاء للوطن الذي علمنا ان نسير بقدرة أضعفنا فيحمل القوي الضعيف والمقتدر العاجز والغني الفقير ثم انتصارا لضمير المعلم وحتى استطيع النظر في عيون طلابي فيكون فعلي مصداقا لساعات طوال من الدرس والتنظير.
في اليوم العاشر أخرجني صمود ومصداقية الطلاب وعدالة مطالبهم ورقي اسلوبهم الذي أقنع المشككين وحرك المحايدين، وأسكت المغرضين وشجع المترددين.
توقعت ان أجد صفوفا من الأساتذة بجانب طلابهم في هذا الاعتصام بالذات ذلك انهم يدافعون عن حقهم المقدس في التعليم، مستذكرين انهم في يوم ما كانوا طلابا على ذات المقاعد وفي ذات الساحات وفي ذات الموقف يوم كانت الأمهات تبيع المصاغ والآباء يبيعون الأرض استثمارا في الذهب الأعظم، والثروة الأبقى التي يملكها الأردن: الانسان، كان زملاؤنا الفقراء اكثر فخرا من المقتدرين فقد حصلوا العلم والتوفق، بالرغم من أنهم كما كانوا يقولون أبناء الحراثين، وأصبح اللقب «أبناء الحراثين» مرتبطا بكل فخر وانجاز وكرامة.
أمام مكتبة الجامعة عادت بي الأيام يوم كانت ساعة البكالوريوس بثمانية دنانير، والماجستير بخمسين، وكانت الجامعة تمر ايضا بضائقة مالية، ولكن الخروج منها لم يكن بالاستقواء على البقية الباقية في جيب المواطن الذي ما عاد له من استثمار وأمل في المستقبل سوى بتعليم الابناء ليحملوا المسؤولية من بعده.
في التسعينيات صبرنا على المقاعد المكسورة والحيطان ذات الطلاء الغامق الذي سقط أغلبه مع تقادم السنين، وعوامل الجو، صبرنا على الغرف الملتهبة صيفا والمتجمدة شتاء لأننا كنا نتلقى علما، وكان العامل البشري المتمثل في الاستاذ القدير، والطالب الراغب أهم من القشور الممكن تعويضها، تعلمنا بثمانية دنانير، ومن بعدها بخمسين، وحملنا اسم الجامعة الأردنية على شهاداتنا ثم ذهبنا لنفاخر بها في العالم الغربي، ونبز أبناء البلد وغيرهم من أبناء الذهب الأسود من العرب فنلنا الاعتراف والتقدير مع أننا طارئون على البلاد واللغة!
في الاعتصام عاد لي شيء من الايمان بجدوى التعليم بعد ان احسست انه حالة غثائية عدمية دون فائدة ترجى لطلاب يودون لو كان العلم يؤخذ في حبوب تبلع مرة واحدة، وينتهي الأمر او تنابلة تدخل المعلومة من اذنهم اليمنى لتخرج من اليسرى دون اي مرور بالعقل او القلب!
في الاعتصام وجدت شبابا واعين يعضون على حقهم بنواجذهم، وجدت شبابا يتحملون المسؤولية الجماعية، ويقارعون من اجل المصلحة العامة بالرغم من ان بعضهم يستطيع دفع الرسوم حتى في حالة ارتفاعها! في الاعتصام وجدت شبابا يحبون الأردن حقا لا ادعاء، وعملا لا شعارا فهم يريدون ان تظل الجامعات منارات للعلم في قلب الجهالة واللااستقرار الذي يعصف من حولنا.
كنت أتمنى في الاعتصام رؤية رئيس الجامعة الأردنية الاستاذ الدكتور اخليف الطروانة مع طلابه، فسمعته الطيبة لا تجعل ذلك غريبا، وهو ابن الأردن، وابن مدارس الكرك والخالدية الذي عايش الأصلاء من أبناء الأردن الذي يجمع بعضهم القرش على القرش لتحقيق حلم تدريس أبنائهم، كنت أتمنى أن يكون الدكتور بين طلابه، وهو صاحب المواقف المشهودة الذي يقودهم في كل موقف وصلاة فالعلم وساحاته محاريب عبادة ايضا ومواقف بذات الأهمية.
اعلم ان الاستاذ الدكتور اخليف الطروانه ليس على طرفي نقيض مع الطلاب، ولكنه ضغط الأوضاع، ولكننا بما نعرفه من سيرته و نؤمله منه لنرجو ان يخرج بقرار حكيم يحفظ للجامعة وحرمها حرمتهما، وللطلاب كرامتهم ومستقبلهم، وبذا يكون تناغم مع ضميره الانساني ودوره الأكاديمي وأصالته الأردنية.
وإن كان موقف الاعتصام في «الأردنية» يذكر باعتصام مماثل في جامعة اليرموك في الثمانينيات، فالتشابه فقط في الظروف، ووعي وهمة الشباب، أما المؤكد فإن النتيجة الحالية لن تكون مثل سابقتها، فالأردنية الجامعة الأم المشهود لها والزمن تغير والعقلاء في ادارتها لن يرضوا بانتهاكها ما داموا يستطيعون تجنب ذلك، والدكتور اخليف ليس ذلك الاستاذ الذي تنصل من مسؤوليته الأخلاقية تجاه طلبته في اليرموك فدخل التاريخ من أسوأ وأضيق أبوابه، ولما ظن ان الناس نسيت جاء الأدب ليذكرهم في رواية طافت العالم بعنوان «حديث الجنود» للدكتور أيمن العتوم.
استاذي الفاضل الدكتور اخليف، أكاد استشعر بهجة تحاول اخفاءها بهذا الجيل المبشر من أبناء الأردن، وانت تنظر اليهم من مكتبك اثناء اعتصامهم، هذا الجيل الذي يضع الكلمة موضع التنفيذ، هذا الجيل الذي يحرص على محاضراته فيبدأ الاعتصام عصرا، ثم يحرص على تنظيف ساحات الجامعة بعد اخلائها صباحا في أجمل مشهد للانتماء والنظام.
استاذنا الكبير، إن فرسانك القابعين أمام الرئاسة ينتظرون قيادتك وموقفك، موقف يتجاوز الوظيفة والكرسي وينتصر للرسالة وقدسية التعليم، لقد فعلها سقراط من قبلك فشرب السم، ولا أن يتراجع عن مبادئه فعلم طلبته الذي تحلقوا حوله الدرس الخالد في قدسية المبادئ وبقائها مهما كانت التضحيات.
استاذنا الفاضل، لست اقتصادية لأقترح حلاً مباشراً، ولكننا نعلم ان الدعم يمكن تحصليه بطرق كثيرة، فهارفرد من أعرق الجامعات في العالم، وهي لا تعتمد على الحكومات في تمويلها، بل لها اوقاف خاصة واهلية بالملايين، واعلم انكم لو بحثتم في الداخل والخارج فستجدون وسائل عديدة، وتمويلا غير حكومي يمنع كارثة الرفع!
لقد قال أبو ذر: «اني لأعجب ممن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه»، وغذاء العقل كغذاء البطن، فعجبا لمن يحرم من حقه في التعليم كيف لا يخرج على الملأ رافعا صوته؟!
أيها الطلاب المعتصمون:
ان التعليم ليس فقط ما يحشا في عقلك، او ما تجتره على ورقة الامتحان، إنه الخير الذي تصنعه في مجتمعك! يا طلاب الاعتصام هنيئا لكم فقد احرزتم درجة الامتياز.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. حفظ الله الوطن، مقال مؤثر، أرجو أن يؤتي أكله، كما أتمنى استبدال كلمة(تجتره) بما هو أنسب.

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى