دكاكين الشمس والبالون الكبير

#دكاكين_الشمس و #البالون_الكبير

#شبلي_العجارمة

كان الدكنجي هو الأرستقراطي الأول في كل قرية ، وكان يعد من أهم وجهاء المجتمع ؛ لأن الجميع يطأطىء رأسه حين يريد الدخول إلى دكانه ذات الباب الضيق ذو الارتفاع القصير والعتبة العالية التي غالبًا ما تكون إحدى تقنيات تفادي دخول مياه الأمطار إلى أرضية الدكان . الدكاكين في القرية كانت لا تتعدى الاثنتين أو الثلاثة على الأغلب ، كانت تفتح بعد صياح الديكة ومع شروق الشمس وعند صمت الكلاب عن نباح الليل الذي تعبت منه وغطت في سباتٍ عميق ، وكانت هذه الدكاكين تغلق أيضًا قبل مغيب الشمس ، ليوفر الدكنجي عبوة كاز وبلورة مصباح وفتيلة .

ما كان يغرينا ونحن صغارًا في تلك الحقبة من الزمن ؛ هي بلالين السحبة ، حيث كانت عبارة عن لوحة ورق زرقاء أوحمراء ، مثقبة بطريقة فنية ، وكانت تتعلق في تلك الثقوب بلالين متعددة الأحجام والألوان والأشكال ، كان البالون الكبير دائمّا يحمل الرقم عشرة ، وكانت بطاقة السحبة عبارة عن لوحة صغيرة بحجم بطاقة دعوة الأفراح ، تحمل مربعات ورقية ملصقة ذات شكل واحد ورسمة واحدة ، وكان يتم سحب الورقة بطريقة ( حدرة بدرة قلي عمي عد للعشرة ) وعندما ينتهي العد للعشرة على مربع عشوائي ؛ يقوم الدكنجي بفك الورقة ومن ثم يقوم بالبصق الخفيف عليها ليسهل فسخ الغشاء عن الرقم ، وكانت تنتهي السحبة والمربعات الصغيرة ويبقى البالون رقم عشرة وحيدًا يعطيه الدكنجي كفائض ربح لأطفاله .
ذات يوم قال لي ابن خالتي الذي يعيش في المدينة أنه إذا أردت أن تسحب الرقم عشرة عليك أن ترفع بطاقة السحب وتضعها بينك وبين الشمس وتدقق بالرقم سوف ترى الرقم عشرة أو أي رقم بالون كبير ، حاولت أن أفعلها مع أحد دكنجية القرية بعد أن حاولت إشغاله بأمرٍ ما ؛ لكنه سرعان ما اكتشف حيلتي ، فجذب الورقة مني بعنف ووبخني قائلًا :” مو عيب عليك عموه انت ولد مين ؟ ، مو حرام تتعلم الغش من هسا ! هذا حرام يا عيب الشوم عليك ، بسيطة غير اقول لابوك ” .
هربت بتلك الجريمة النكراء ، ومن حدة غصب الدكنجي ، ومن تصور العقاب الذي سيلحق بي عندما يعلم أبي بالقصة ، حتى أنني تركت القرش الأحمر لدى الدكنجي من شدة الخوف ، وحين سألتني أمي عن البالون قلت أضعت القرش ،فنلت الجزاء بالكاش لا بالدين المؤجل لحين قدوم والدي .
لم أكن أعرف أن السحبة هي تضاريس جغرافية مسيرة حياتي ؛ بأن أوطاننا مجرد لوح كرتوني يحمل الشحيح من المغريات والكم الكبير من الشقاء ، وأن تلك اللوحة وبطاقة السحبة ما هي إلا مصير حياة بيد دكنجي كبير يمنح لمن يريد أرقام البلالين الكبيرة ولمن يريد البلالين الصغيرة ، وأن الرقم عشرة ربما شعار لكل مرحلة ، وأنه لا يتم طباعة رقم حقيقي له من الأصل يحمل الرقم عشرة ، حتى مجرد المحاولة للنظر من خلف البطاقة السميكة للأرقام من ناحية الشمس هي جريمة بجد ذاتها ربما تحرمك حتى الحصول على أصغر البلالين حجمًا على السحبة !

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى