درَاكّوْلِيو الأُرّدُنّ و دِمَاءُ الفُقَرَاء/ فداء العبادي

درَاكّوْلِيو الأُرّدُنّ و دِمَاءُ الفُقَرَاء
فداء العبادي

يَبدوأن الشخصِية القِصَصِية الخَيّالية السّيئة ل “دراكولا ” والتِي استوحَاها الكاتِب “ستوكر” مِن شخّصِية إنّسَانٍ حقيقِي مُتَعَطِش لإرَاقَة الدِمَاء وهو: (فلاد الثالث Vlad Ţepeş )، أو كما يُشتهر بـ (فلاد المّخوزِق ) أحد أفراد عائِلة”داركوليشتي” في مُقاطَعة “سيغيشوارا” بإقليم “ترانسيلفانيا” التابِعه لِرومانيا الحالية, قَد تَشّعبت سُلالتها حَتّى وصَلّت قَارة آسيا , فَظهرمثلاً “مَصّاصُ الدماء” الصيني (تشونغ-شي) .
غَيرَ أن المُثير للّدهشة وعلى نَقيِضُ الدّول الاورُوبية بوجودِ دراكولا واحِد, يوجد في الجنوب الغربي لآسيا في “الأُردن” عَددٌ لا يُحّصَى مِن ( الدراكولا ) . الذين لَم يُشّبِعوا نَهمهّم بِمصّ دماء الشّعب وإفقّاره حتى اللحّظة ,فأصبَحت “جُيوب الفقر” منتشِرة في جَنوبِ ووسَط وشَمال وشَرق المملَكه , بلّ وفِي كُلَ مَدينة وحَّي وقّريَة .
فُقراء ومَساكِين أضّحَت أقّدارُهم تُسابِق الزّمن فِي القَسوة ,وبَات الفقرعنوانًا لبيوتهم وجّلدٌ لِراحَة أيديهم للبَّحث عن “رَغِيف خُبّز ” أمتصّتهُ دراكولا الحُكومَه .
فَمَن أخّتَبر “الفَقر ” يعرِفُ تَماماً ما معنى قَول (عَلِيّ بِن ابِي طَالِب ) : “لو كان الفقرُ رجلاً لقتلته” . فالفقر لَيس فقط قِلّة المَال , إنّما فُوبّيا مُستمرة مِن كُل شيء, من (لُقمةٍ)يأكلها ويَخّشَى الجُوع بعّدها ,من دَاءٍ عابِر لِقلة دواء يحصُل عليه , من شِتَاء قارصّ او صَيفٍ حَارق لِقلة ما يَأويِه .
وهَا هُم قد فَلَحُوا في صِناعَة أزّمَة فقرٍ وإنتِزاع للحّق حتى لا نُفكّر إلا في “قُوتِ” يومنا , وهم الذيّن أوهَمُونا أنّ _الوطن (رغِيف خبزٍ و كَرامة ) ,فأيّن رغيف الخُبز ؟ وأيّن الكَرامَة ؟
ثم إيّاك أن تسأل(دراكولا الحُكومة ) هذا السُؤال (أين رغيف خبز ) ؟ حِينها سَنفتحُ باباً على أنفُسنا “لِمصّ دمنا برفَعة أسَعارٍ جَديدة يُلازمُها ضَرِيبة استثنائية, تمامًا كالخُبزالفرنسِي (بَاغيت بَاريس) على الرُفوف الأروسّتقراطِية في مَخَابز [ الطبقة البرجوازية ] .
ينفَطرُ قَلبُكَ ويَعجَز قَلَمُكَ عن التعبيروالوصّف و”تحّتسب الله “في كُل دَقيقة ,حِين ترى حَاويات القُمامة وقد أصبحت مصدرُ رزقِ الكثير من العَائلات المعّدومَة , باحثين لَيل نهارداخلها عن (كِسرةِ خُبز) يُغلِقون بها فَمّ مَعِدتِهم التي وصَل جُوعها حَّد “المَرارَة والبُكَاء ” .
أمّا الداهِية العظِيمة لِهولاء (مصّاصوا الدِماء ) ,هي مُفارقاتِهم العَجيبة لِتقاريرالفّقر وربّط مُصطَلح (الفقرالمُدقع) بقيمة السُعرات الحرارية ,التي يحصل عليها الفرد لابقاءه على (قيد الحياة ), أُرِيد أن يَعلم مصّاصي الدمِاء أنّه (ما حدا يموت من الجوع ) لكنه حَتما سَعيش معّلول , مَعّلول منّكم وبِكم؛ وأنّ قانون الدِيناميكا الحرارية التي يَقِيسوُن فيها مستوى فقرالأفراد لا تُقارن بالسّعرات الحرارية التي تفيض بها موائدهم بدءاً من ( المقبلات التركية و الخرفان المحشية والمناسف وانتهاءً بالبروليه الفرنسية والبنيولاتَا الايطالية ). فَسُعراتهم الحرارية “الفقراء ” والذين يَبيتون أكثرالاوقَات دوُن عَشاء مُكتفين ب (وُجيبة )غداء لم تتعدى 200 سعرة حرارية ولم تستغرق 10 ساعات أو أكثر لإعّدادِها كما هي موائدكم , والتي لا تذكرني سوى بمائدة [جوزف ستالين] التي كانت تسّتغرق 6 ساعات لاعدادها فقد كان يعشق الطيور البرية بالبندق ويا [أسفاه] حين خرجت روحة لم ياخذ معه لا (طيور ولا حباري ) بل كَان نزاعه مع الموت رهيِب ووجّهه يزدادُ إسوداد كلما اقّتربت روحة من الخروج , كما وصفت ابنته [ سيفتلانا ] . فأتقوا الله واتعظوا ؟
فهاهو شهر الخير والبركة على بضعة أيام منا , ولا زال مصاصوا الدماء يتفنون برفع السلع واحدة تلو الاخرى ,حتى أصّبح رمضان للفقراء ,ليس إلاعجز شديد في توفيرِ نفقاتهِ ,فباتوا في همّ وغمّ وحزن , وستُسّألون يوم الحِساب عن حُزنهم .
حزنُ أُولئك الذين هم أكرم منكم لأنهم ببساطة يعرفون شعور الحاجة وألم الفقر .
إن أسّوأ من الفقر، مَا يَنجم عنه من فُقدان الرغّبة في الحَياة، انّعِدام ثقتهِ بالمجتمع وفُقدان انتماءه لِوطنهِ وطُعم المرارة العَالق في فَمه .
وقد أبدع “إيليا أبو ماضي” في وصّفهِ حَال الفُقراء مُقارنة بالأغنياء فَكتب :
كُلوا واشرَبوا أيُّها الأغنياء، وإنْ ملأ السِّككَ الجَائعون
ولا تَلبِسوا الخَزَّ إلَّا جَديداً وإنْ لَبسَ الخِرقَ البَائسون
وحوِّطوا قصورَكُمْ بالرِّجالِ، وحوِّطوا رِجالَكم بالحُصون
ويا فقراءُ لماذا التَّشكّي؟ ألا تَستَحون؟! ألا تَخجلون؟!
دَعوا الأغنياءَ ولذَّاتِهم فهُم مثل لذَّاتِهم زَائلون
سَيمسونَ في سَقر خَالدين وتُمسونَ في جنَّةٍ تَنعَمونْ
فلا تَعطشونَ، ولا تَسغَبونَ، ولا يَرتوون، ولا يَشبَعون
لَكُم وَحدكُم مَلكوتُ السَّماءِ فمَا بالكُم لَستُم تَقنَعون؟

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى