
د. #هاشم_غرايبه
العاقل يتعظ بما حدث معه، ويستنبط من التجربة التي مر بها العبر والدروس، أما الحكيم فيستفيد من كل ذلك من غير أن تقع معه، بل بالتفكر والتدبر فيما جرى مع الآخرين، حتى لا يقع فيما وقعوا فيه.
أمتنا وطوال القرن الماضي، وهي تعاني من الفشل والتخبط والهزائم، مما يدل على أن قادتها لا يحسنون التعلم مما يوقع بهم، ولا مما يقع على غيرهم، فهم ليسوا بحكماء ولا حتى بعقلاء، أو أنهم يعلمون لكن لا يجرؤون على اتخاذ القرار الحكيم، وذلك عائد إلى أنهم يخشون فقدان المنصب ان تصرفوا بما تقتضيه مصلحة أمتهم، المعاكسة قطعا لمصلحة أعدائها الذين يملكون إبقاءهم في الحكم أو إقصاءهم عنه.
لكن ذلك ليس حجة لقعود الحريصين على مصلحة أمتهم والساعين الى استنهاض همتها، عن مداومة النفخ في القربة المخرومة، فلعل الله يقيض من يرتق شرخها، عندها يحقق النفخ المراد.
في العدوان الأخير الذي شنه الغرب على إيران بواسطة مخلبه القذر (الكيان اللقيط) الذي أقامه في قلب الأمة لمثل ذلك، الكثير من الدروس التي يجب استيعابها من قبل أولي الألباب:
1 – لقد ثبت ان مسمى التحالف الذي تعقده أي من أقطار الأمة مع أمريكا، بعيد كل البعد عن مدلوله، وما هو في حقيقته الا مسمى تجميلي للتبعية والعمالة للغرب، فهولا يعطي لذلك القطر أية ميزة، بل ناقض لاستقلاله، والقواعد العسكرية التي يمنحها ذلك القطر على أرضه للدولة المستعمرة تؤكد ذلك عمليا، فهي لا تستعملها للدفاع عن القطر، بل لحراسة الكيان اللقيط أو للعدوان على بلد شقيق يفترض ان رابط العقيدة والأخوة والقومية أقوى بكثير من العلاقة مع الغرب، كما أنه لو كانت العلاقة هي تحالف حقيقي لوجب وجوب شرط أن لا تستعمل تلك القواعد في الاعتداء على بلد شقيق تربطه مواثيق الدفاع المشترك.
لكننا رأينا القوات الأجنبية في تلك القواعد همها الأول التصدي للصواريخ والمسيرات الإيرانية حماية للكيان اللقيط ، غير آبهة بما يشكله اسقاطها من خطورة على القطر المجودة فيه القاعدة.
2 – على الرغم من انكشاف زيف جميع الذرائع السابقة التي استخدمها الغرب لضرب المسلمين بهدف اعاقة تقدمهم ونهوضهم، بدءا من مساعدتهم في الاستقلال عن الدولة العثمانية، ثم اقامة الكيان اللقيط، ثم تأميم قناة السويس، ثم شن عدوان 67 بهدف اختلال ما بقي من فلسطين، فتنظيم اختراق ثغرة الدفرسوار لتحويل الانتصار بالعبور الى هزيمة لأجل تمرير معاهدة كامب ديفد، ثم توريط صدام في حرب إيران لاستنزاف القطرين، ثم تدبير تفجيرات نيويورك لتبرير احتلال افغانستان، وقصة اسلحة الدمار الشامل للتمهيد لاحتلال العراق، ثم صنع الإرهاب ممثلا بداعش لمحاولة اجتثاث المجاهدين الاسلاميين، ثم تدبير تحالف الأنظمة الرجعية العربية للانقضاض على الثورات العربية، وآخرها ولن تكون الأخيرة كانت قصة السلاح النووي الإيراني، التي هدفت لتدمير القدرات العلمية والتقنية لإعاقة التقدم الإيراني.
على الرغم من انكشاف الزيف في كل ذلك، إلا أن الأنظمة العربية ما زالت تنجر وراء الغرب، وتساعد في تنفيذ مآربه، فهل يعقل أنه ليس من بين تلك الأنظمة رجل رشيد؟.
الأمر لا يتوقف على الأنظمة فقد تكون مغلوبة على أمرها ويسيطر عليها هاجس أن يستبدلها المستعمر إن لم تماشيه في كذبته، لكن ماذا نقول لجيوش العلمانيين العرب الذين يبررون للغرب في كل مرة طمعا بالقضاء على الإسلاميين، الذين يكرهونهم أكثر بكثير من المستعمر المحتل، ويفضلون بقاء الأنظمة العميلة له على أن تقام الدولة الإسلامية.
3- مع كل ما سبق، فهنالك استخلاصات ايجابية لصالح الأمة، فقد كان اصطفاف الغالبية العظمى من ابناء الأمة مع ايران دافعه الأخوّة الاسلامية مترفعين عن الطائفية، ومتجاوزين لممارساتها الاجرامية بحق السنة، مما يدل على الوعي لموجبات العقيدة.
كما أعاد الرد الإيراني القوي على العدوان الحياة للروح النضالية التي افتقدتها الأمة في ظل انظمة (سايكس – بيكو) المتخاذلة، وأحيا الآمال بعودة الكرامة الى الأمة التي حاول المطبعون وأدها.
والأهم أنه ثبت أنه لا يرهب العدو ويحمي الديار غير المبدأ الإلهي “وأعدوا لهم ما استطعتم..”، فلا يفلّ الحديد الا الحديد وليس الاستجداء.
القوة تصنعها الإرادة والعزيمة، وليس بالمساعدات الأمريكية.