دراسة لــ د. حسن البراري .. أسباب عديدة تدعو الأردن للقلق من الاتفاق الإماراتي مع الاحتلال

سواليف
قالت دراسة أكاديمية أعدها الباحث والأكاديمي د. حسن البراري لصالح مؤسسة فردريش إيبرت الألمانية إن اتفاق التطبيع الإماراتي-الإسرائيلي يحمل معه حفنةً من التحديات والمتاعب الاستراتيجية للأردن.

وبحسب الدراسة فإن “الصفقة أولاً لا تمنع إسرائيل من المضي بضمّ وادي الأردن، وهو أحد أبرز الأهداف السياسية والأيديولوجية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويكشف نصّ اتفاق “أبراهام” الذي ترعاه الولايات المتحدة أنّ إسرائيل غير ملتزمة سوى بتعليق الضم لفترة من الوقت لا غير، والواقع هو أنّ إسرائيل لم تكن ستنفّذ الضم أصلًا، حتى من دون الصفقة، وذلك لاعتبارات وانقسامات ضمن فريق السلام في البيت الأبيض، وبالتالي فإنّ ادعاء الإمارات بأنّ الصفقة تحافظ على حل الدولتين ليس سوى ستار يخفي واقعًا مختلفًا وقاتمًا. فبالنظر إلى الصفقة عن كثب، نرى أنّ الإمارات لا تضمن التزام إسرائيل بعدم ضم أجزاء من الضفة الغربية إليها وقد سارع الجانبان الأمريكي والإسرائيلي إلى توضيح هذه النقطة”.

وقال البراري في الدراسة ، إن “مصدر القلق الثاني الكبير هو أن الرسالة الضمنية التي توجهها الصفقة إلى الأردن هي أنّ التضامن العربي بشأن القضية الفلسطينية والذي غالبًا ما يتم التغني به لم يعد موجودًا وأنّ الوحدة العربية مع نهج الأردن الرسمي إزاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قد بلغت نهايتها”.

وتشير الدراسة إلى شعور ضمني يسود في عمّان بأن الاتفاق خيّب آمال الأردنيين وتخلى عنهم، ففي حين أن الأردن لم يعترض على الصفقة الإماراتية الإسرائيلية، إلاّ أنّه لم يؤيدها أيضًا، وهو أمر بالغ الأهمية. وفي اجتماعٍ ثلاثي ضم كلا من ملك الأردن عبد الله الثاني وعبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، أوضح الملك تمامًا أنّ السلام لن يسود في المنطقة ما لم يتم إرساء حل الدولتين. إلاّ أنّ اتفاق “أبراهام” بيّن في الواقع أنّ مبادرة السلام العربية التي بُنيَت على مبدأ اتفاق الدول العربية مجتمعةً على عدم تطبيع العلاقات مع إسرائيل إلا بعد تشكيل دولة فلسطينية مستقلّة على حدود 1967، لم تعد مطروحةً على الطاولة. فالإمارات مستعدة لإبرام تحالف مع إسرائيل بغضّ النظر عن حل القضية الفلسطينية أو لا؛ وبالتالي فقد خسرت الدول العربية ورقة مساومتها الجماعية الهامة ضد إسرائيل”.

مقالات ذات صلة

تهميش الدور الأردني في موضوع المقدسات

“ومن الأسباب الأخرى التي تدفع الأردن إلى القلق بشأن صفقة “أبراهام” هو تهميش الدور الأردني في موضوع المقدسات في القدس الشرقية، إذ إن للمملكة الهاشمية الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وهو دور أدته طوال القسم الأكبر من القرن العشرين وقد نصّت عليه معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية عام 1994. أما صفقة “أبراهام” الجديدة، فتشير إلى أنّ أبوظبي ستتولى نقل الحجاج المسلمين إلى القدس. وبدلاً من استخدام الأردن كقناة والاستفادة من موقع المملكة الأردنية الجغرافي كدولة مجاورة لإسرائيل ومتواجدة منذ عقود في القدس، تنشئ الصفقة الجديدة رابطًا قويًا بين أبوظبي ومطار بن غوريون. وبالتالي لم تراعِ لا الإمارات ولا إسرائيل المصالح الأردنية. وما زال من غير الواضح إلى أي مدى سوف يتم تهميش الأردن إذا ما وقّعت مزيد من الدول العربية صفقات سلام مع إسرائيل. فعلى مر السنوات الثلاث الماضية، كثرت التكهنات حول مستقبل وصاية المملكة الهاشمية على الأماكن المقدسة المسيحية والإسلامية في القدس”.

“وأخيرًا، ومع اتفاق تطبيع العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، تخسر الأردن دورها بمثابة الدولة “الوسيطة” بين إسرائيل ودول الخليج. فقد سعى الأردن منذ بعض الوقت ليكون قناةً وسيطة للترتيبات الإسرائيلية الخليجية. والآن، لم تكتفِ إسرائيل بتجاوز الأردن للوصول إلى الخليج فحسب، بل من المتوقع لدولة الإمارات أن تؤديَ دورًا أكثر فعالية من الأردن في تسهيل إقامة إسرائيل روابط مع دول خليجية أخرى تتمتع فيها أبوظبي بنفوذ اقتصادي و جيوسياسي كبير. وغني عن القول إنّ موقع الأردن المركزي وأهميته النسبيَين تضاءلا بشكل كبير مع إبرام هذه الصفقة”.

أيامٌ صعبة تلوح في الأفق

يؤكد البراري أنه “مما لا شكّ فيه أنّ الأردن وإسرائيل سيواجهان المزيد من المطبات في السنوات القادمة. وكثيرون في الأردن وإسرائيل بدأوا يشككون في الأسس التي تقوم عليها معاهدة السلام التي وُقّعت منذ 25 عامًا والتي مرّت ذكراها عام 2019 مرور الكرام بلا أي احتفالات رنانة، فيما ساهم صعود اليمين المتطرف في إسرائيل –والمتمسك أيديولوجيًا بفكرة “إسرائيل الكبرى”– بإرغام نتنياهو على إعادة النظر في صحة أن يكون نموذج الدولتين حلاً للصراع القديم القائم مع الفلسطينيين. وفي الوقت عينه، ساعدت تطورات جديدة في المنطقة إسرائيل على إعادة النظر في أولوياتها الإقليمية”.

وتقول الدراسة: “يبدو أنّ الأردن قلق منذ بعض الوقت بشأن التقارب الحاصل بين إسرائيل وبعض دول الخليج -وبالأخص المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ويبدو أنّ الأردن فقد موقعه المركزي وأهميته على الصعيد الجيوسياسي، وهو موقع استغله الأردنيون طوال عقود لكسب ريع استراتيجي من حلفائهم. ويشعر الأردن وكأنّه تم سحب البساط من تحت أقدامه، إذ لم تعد دول الخليج تحتاج إليه أصلًا كما كانت تفعل في السابق. فقد نجحت في تطوير ترتيبات أمنية مستقلة لها وحتى نظم تربوية أفضل، علمًا بأنّها كانت في ما مضى تقوم على موارد بشرية أردنية ماهرة. والأسوأ من ذلك هو أنّه في حال عبّر الأردن عن اعتراضه على اتفاق “أبراهام”، فإنه يمكن لمئات آلاف الأردنيين العاملين في الخليج أن يفقدوا وظائفهم وأن يُخاطر ذلك بمليارات الدولارات التي يرسلها أولئك إلى أهلهم في الوطن كل عام”.

تتابع الدراسة: “حسّن سقوط نظام صدام حسين عام 2003 شعور إسرائيل بالأمن. وفي ظل غياب هذا التهديد الذي وُصِف في ما مضى بـ”الجبهة الشرقية”، قلّت أهمية الأردن باعتباره منطقة عازلة. وبالمثل، ساهمت العلاقات السرية بين إسرائيل وبعض دول الخليج بتقليص دور الوساطة الذي أداه الأردن في السابق. وعلى هذه الخلفية، بدأت إسرائيل تعيد تنسيق أولوياتها الإقليمية. حيث وجدت إدارة ترامب وإسرائيل في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة جهتين من العيار الثقيل قادرتين على أداء دور حاسم في الضغط على الفلسطينيين للمساومة، ما كان مدعاةً لاستياء الجانب الأردني. ويستند هذا النموذج الجديد إلى افتراض وضع القضية الفلسطينية في مؤخرة الاهتمامات. وبتعبير آخر، لم تعد فلسطين نقطةً مركزيةً بالنسبة إلى الكثير من الدول العربية”.

تضيف الدراسة: “وبطبيعة الحال، يهمّش هذا النموذج واتفاق “أبراهام” دور الأردن. فلا أحد يمكنه أن ينكر أنّ العلاقات الإسرائيلية الأردنية بلغت الحضيض. ولا يغفل المراقبون عن واقع أنّ غياب الثقة بين الأردن وإسرائيل وتنامي الشعور بتباين مصالح الجانبين يبلغ أقصى مستوياته منذ ثلاثة عقود. وبغضّ النظر عمّا إذا كانت هذه الصفقة سوف تولّد اتفاقات سلام أخرى بين إسرائيل ودول عربية أو لا (الدراسة أعدت قبل إعلان البحرين اتفاقا تطبيعيا مع الاحتلال الإسرائيلي)، فمن المهم تقييم العلاقة المستقبلية بين إسرائيل والأردن في ضوء هذا الاتفاق الجديد. وبرأيي أنّ النزاع بين إسرائيل والأردن على وشك أن يتفجر على الرغم من اتفاق السلام المبرم بين البلدين منذ 25 عامًا. إذ يبدو أنّ الأردن يواجه صراعًا واضحًا مع إسرائيل على خلفية إصرار هذه الأخيرة على فعل كل ما بوسعها لجعل حلّ الدولتين من سابع المستحيلات”.

وتقول الدراسة: “من أجل استيعاب ثبات الصراع، لا بد من الإشارة إلى أنّ مطالب الحد الأدنى للأردن لحل الصراع لا تتماشى مع مطالب الجانب الإسرائيلي. إذ إنّ سياسة التوسع والاستيطان الإسرائيلية الحازمة تُضعف شيئًا فشيئًا من قدرة الفلسطينيين على إنشاء دولتهم المستقلة وذلك ليس بالبشرى السارة للأردن. حيث إنّ هوية إسرائيل بحد ذاتها –والتي تُعرّف عن نفسها كدولة ديمقراطية يهودية– تدفع بها إلى كره فكرة إقامة دولة ثنائية القومية. ولذلك فهي تسعى إلى التخلص من الفلسطينيين الذين تعتبرهم تهديدًا ديمقراطيًا لها”.

وتضيف: “يتناول بادريغ أومالي في كتابه “وهم الدولتين” ما يدعوه “التركيبة الديمغرافية: العدو في الداخل”، حيث يؤكد أومالي، لتبسيط الأمر، أنّ “الفلسطينيين سيفوقون أعداد اليهود في غضون بضعة أعوام أو أنّهم سبق أن فعلوا ذلك”. وفي مؤتمر هرتسيليا عام 2000، حذرت نخبة من الإسرائيليين من التهديد الديمغرافي والحاجة إلى الحفاظ على الطابع اليهودي للدولة. ويقول أرنون سوفر إنّ الطريقة الوحيدة لضمان قيام إسرائيل يهودية وديمقراطية هي بالفصل بين اليهود والفلسطينيين. غير أنّ تنفيذ ذلك ليس بسهولة الكلام عنه. إذ إنه نظرًا إلى خطورة الواقع الديمغرافي المستجد، لا تتمثل أمام اليهود الإسرائيليين سوى ثلاثة خيارات. يقضي الخيار الأول بالموافقة على مبدأ حل الدولتين الذي يسمح لإسرائيل بالاحتفاظ بأغلبية يهودية تبلغ حوالي 75% داخل إسرائيل. ويتمثل الخيار الثاني بإقامة دولة ثنائية القومية حيث تحكم أقلية من اليهود غالبية الفلسطينيين. وإذا رفضت إسرائيل منح الفلسطينيين حق التصويت، فستصبح إسرائيل بذلك دولة فصل عنصري. وأخيرًا، يمكن لإسرائيل أن تبقى دولةً ديمقراطية وأن تسمح بذلك للفلسطينيين الذين يشكلون الغالبية بالحكم. ولتجنب ثاني وثالث خيار، لا يبقى أمام إسرائيل سوى أنّ تسلك حل الدولتين. ويفهم الإسرائيليون هذا المنطق بشكل عام”.

وتتابع الدراسة بأنه “حذّر الملك عبد الله في مناسبات عدة من فشل حل الدولتين. وكان يتضمن تحذيره هذا رسالة ضمنية بأنّ اليهود قد يخسرون سلطتهم في حال قيام دولة ثنائية القومية. لكنّ الملك ليس وحيدًا في تفكيره هذا. إذ إنّ الفلسطينيين يعتقدون أيضًا أنّ غياب حل الدولتين سوف يؤدي إلى قيام دولة واحدة ثنائية القومية. وتحدّث رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز مؤخرًا عن استعداد الأردن للبحث في حل الدولة الواحدة. وأعرب كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، أنّ الفلسطينيين قد يعيدون البحث في نهجهم، مبرّرًا أنّه على الفلسطينيين أن يصبوا جهود صراعهم باتجاه قيام دولة واحدة يتمتع فيها كل من يعيش في فلسطين التاريخية بحقوق متساوية”.

انعكاسات فشل حل الدولتين

تشير الدراسة إلى الانعكاسات الخطيرة على الأردن حال فشل “حل الدولتين” وتقول: “أما بالنسبة إلى الأردن، فانعكاسات فشل حل الدولتين خطيرة. ويكمن جوهر المعضلة في الهوية الوطنية. إذ يشعر الأردنيون لأسباب بديهية أنّ من شأن تنفيذ صفقة القرن أن يحوّل الأردن في نهاية المطاف إلى وطن بديل للفلسطينيين. وهذا المزيج ما بين إعادة التوطين الجماعية وإنشاء اتحاد لأي أجزاء من الضفة الغربية قد تقرر إسرائيل التخلي عنها يعني أنّ الأردن كما نعرفه اليوم سيختفي عن الوجود. ونظرًا إلى أنّ مثل هذا التطور يُعتبر تهديدًا لهوية الأردن واستقراره، يبقى علينا أن نرى كيف ستتبلور ديناميات العلاقة الأردنية الإسرائيلية المتغيرة في المستقبل”.

النتيجة

وتختم الدراسة بأن اتفاق “أبراهام” ليس بفاتحة إلى تسوية سلمية بل إلى مزيد من التوسع الإسرائيلي على حساب الفلسطينيين والأردنيين. والانعدام الواضح لتكافؤ القوى بين إسرائيل والأردن لا يترك مجالًا كبيرًا للشك حول من ستكون له الكلمة الأخيرة. يدرك الأردنيون أنّ هذه الدينامية كانت تحتدم أصلًا قبل أن تُحدث الإمارات معجزة تطبيع العلاقات الفجائية بكثير. وتُطلق هذه الخطوة الإماراتية العنان لدول عربية أخرى بات بإمكانها تطبيع العلاقات مع إسرائيل من دون أن تعير أي اهتمام لحقوق الفلسطينيين أو إقامة دولة لهم. وقد خلُص الأردنيون إلى أن بعض الدول العربية –شأنها شأن إسرائيل– غير مستعدة للمساعدة في التوصل إلى حل شامل للصراع”.

وتقول الدراسة: “لم تعد معاداة الصهيونية سمةً رئيسية من سمات السياسة العربية. بل ساهمت العداوة المشتركة تجاه إيران وحلفائها بتقريب العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. ولهذا السبب، يجد الأردن نفسه في موقفٍ حساس. فالأمر لا يقتصر على مواجهة الأردن ضغوطا مالية شديدة، بل خاضت الولايات المتحدة أيضًا تغييرات جذرية من حيث السياسة العامة والسياسة الخارجية في ظل إدارة الرئيس ترامب. ولم يبقَ أمام الأردن سوى أن يخرج بخطة للدفاع عن مصالحه في حال اشتدّت الضغوط عليه سواء من الخليج أو من واشنطن”.

“ومع استمرار العد التنازلي لاضمحلال حل الدولتين، بات الخطر الذي تفرضه إعادة إحياء خيارات ضارة أخرى حقيقيًا، لم يعد لمقاربة الأردن للسلام من أهمية بعد أن كانت تتحلى بإجماع عربي في السابق. إذ أتى اتفاق “أبراهام” وألقى بالضربة القاضية على فكرة التوصل للسلام أولًا وتطبيع العلاقات بعد ذلك. ويبدو أنّ مقاربة نتنياهو باتت تكتسي أهمية أكبر الآن، وهي مقاربة الانطلاق من الخارج إلى الداخل: أي تطبيع العلاقات مع دول الخليج بغرض عزل الفلسطينيين وإضعافهم من أجل إرغامهم على تسوية الصراع بالشروط التي تضعها إسرائيل. وفي الوقت الحالي، يبدو أنّ الأردن لا يتحلى بما يلزم للتأثير في العملية. ومع أنّ الأردن قلق حيال المستجدات الإقليمية، فقد حرص المسؤولون على صياغة تصريحاتهم بشكلٍ لا يثير استياء دول الخليج، فيما تعي كل من إسرائيل ودول الخليج حدود ما يمكن للحكومة الأردنية أن تفعله على أرض الواقع”.

خيارات

“وعلى الرغم من الإقرار بأنّ خيارات الأردن محدودة نسبيًا، إلاّ أنّه سيجد أنّه يتحلى بخيارات عدة فيما لو وسّع آفاق تفكيره. أولًا، يمكن لعمّان أن تثنيَ سائر الدول العربية عن اتخاذ الخطوة عينها التي خطتها الإمارات. ويجدر بالسياسة الأردنية أن تركز في الأشهر القادمة على التواصل مع الدول الرئيسية في هذا الإطار مثل المملكة العربية السعودية والمغرب. إذ يمكن للأردن أن يعمل بتحفّظ لفضح وعزل صفقة تطبيع العلاقات الإماراتية وأثرها في الرأي العام العربي من دون استعداء الإمارات العربية المتحدة. ويمكن لهذه الخطوات أن تشمل عقد قمة عربية طارئة للتأكيد على مبادرة السلام العربية، فيتفوق في الواقع على الإمارات وعلى أي احتمال لقيام المزيد من اتفاقات تطبيع العلاقات”.

ثانيًا، ومع أنّ تحقيق المصالحة بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية احتمال بعيد المنال، إلاّ أنّه يمكن للأردن أن يلقيَ بثقله على الجهود الرامية إلى توحيد الفصائل الفلسطينية وهذا ما عليه فعله. ففي حين أنّ الانقسام الفلسطيني السياسي والديمغرافي والجغرافي يشكل عائقًا، فإنه لم يفت الأوان بعد لتوحيد الفلسطينيين حول هدف استراتيجي واحد. وفكرة أنّ الأردن فقد قوة تأثيره في السياسة الفلسطينية لا يجدر أن تردع المسؤولين الأردنيين عن العمل مع الفلسطينيين من أجل تحقيق جبهة فلسطينية موحدة والتي ستكون ضروريةً لمواجهة الضغوط الآتية من الإمارات العربية المتحدة ودول أخرى في الخليج.

والأداة الثالثة المتاحة لعمّان هي روابطها القوية مع حلفائها في الغرب، وتحديدًا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. فإذا استمر الأردن في استثمار وقته وجهده ورأسماله السياسي في إقناع المجتمع الدولي بنّ إقامة دولة فلسطينية شرط مسبق لإحلال السلام، يمكنه أن يصوّر مقاربة “السلام من أجل السلام” الإماراتية الإسرائيلية باعتبارها مناورةً يمكن للسعي خلفها بدون حل القضية الفلسطينية أن يؤدي إلى تطرّف في المنطقة. فبما أن الأردن لا يزال يُعتبَر محورًا للاستقرار في المنطقة على نطاق واسع، فلا يزال رأيه حول تأثير استمرار غياب السلام يتمتع بوقع لا بأس به. وأخيرًا، النقطة الرابعة التي يمكن للأردن الاستفادة منها هي معارضة شعبه لاتفاق “أبراهام”. فإذا رفع الأردن يده عن فم الصحفيين ووسائل الإعلام وسمح لها بأن تعكس الغضب واسع النطاق والرفض الأردني القاطع للصفقة بين الإمارات وإسرائيل، فإنه يمكن أن يرفع صوت معارضة الشارع العربي في وجه تطبيع العلاقات. وفي حين أنّ المشاعر الشعبية لا تشكل عاملًا ذا أهمية في عملية صنع القرار في بعض دول الخليج الاستبدادية، غير أنّ القادة ليسوا في مأمن تام وهم يستمعون للتذمر الحاصل في الشارع.

المصدر
ترجمة عربي 21 عن مؤسسة فردريش إيبرت الألمانية
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى