دراسة أمنية “إسرائيلية”: في 7 أكتوبر سقطت أسطورة التفوق والتداعيات الاستراتيجية خطيرة

#سواليف

نشر الباحث في معهد دراسات الأمن القومي “الإسرائيلي” غاي حازوت دراسة يحاول من خلالها مقاربة ما جرى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 بما وقع قبل خمسين عامًا تقريبًا في #حرب_تشرين 1973. ينطلق الكاتب من الفرضية القائلة إن من لا يتعلم من #التاريخ يكرر كوارثه، ويرى أن “ #إسرائيل ”، رغم تفوقها العسكري والتكنولوجي، عادت لتواجه انهيارًا شبيهًا بالذي عرفته حين باغتتها الجيوش العربية في حرب 1973. لكن ما يجعل المقارنة أكثر إيلامًا هو أن ما جرى في غزة لم يكن هجومًا من دولة كبرى أو تحالف إقليمي، بل ضربة جاءت من قوة مقاومة محاصرة، وهو ما كشف عمق الأزمة البنيوية في المنظومة “الإسرائيلية”.

يؤكد حازوت أن لحظة #السابع_من_أكتوبر شكّلت #صدمة_وجودية، ليس فقط لأنها أسقطت آلاف #القتلى و #الجرحى في ساعات معدودة، بل لأنها كسرت أسطورة التفوق الأمني والاستخباري الذي طالما تباهت به “إسرائيل”. فكما فوجئت القيادات “الإسرائيلية” قبل خمسين عامًا بعبور #الجيش_المصري لقناة #السويس وتحطيم خط بارليف، فوجئت مجددًا هذه المرة بقدرة #المقاومة_الفلسطينية على اختراق الحدود المحصنة، وتعطيل القواعد العسكرية، وأسر الجنود، وإظهار الجيش بمظهر العاجز. المفارقة، في نظره، أن العدو لم يكن دولة ذات جيش نظامي، بل تنظيمات مسلحة وفرق مقاتلين استطاعت أن تحول نقاط الضعف “الإسرائيلية” إلى ثغرات استراتيجية قاتلة.

ويمضي في القول إن المجتمع “الإسرائيلي” لم يتعاف بعد من هذا الزلزال. فبينما شكّلت حرب 1973 نقطة انطلاق لإعادة بناء الجيش وتحديث العقيدة القتالية وترسيخ ما سمي “مفهوم الأمن الجديد”، جاءت حرب 2023 لتؤكد أن “إسرائيل” لم تتعلم الدرس التاريخي كما يجب. فالاعتماد المفرط على التكنولوجيا، من القبة الحديدية إلى أنظمة الاستشعار والجدار الذكي، خلق شعورًا زائفًا بالأمان جعل القادة السياسيين والعسكريين يتجاهلون أبسط التحذيرات. وعندما وقعت الكارثة، لم يكن لدى الجيش خطة جاهزة ولا قيادة موحدة، فغرق في الفوضى، الأمر الذي أظهر هشاشة المؤسسة الأمنية بأكملها.

في موازاة ذلك، يقارن الكاتب بين الأثر المجتمعي للحربين. ففي السبعينيات، ورغم الألم والفقدان، خرج المجتمع “الإسرائيلي” بشعور من الوحدة الداخلية، وبرزت قيادات سياسية جديدة مثل مناحيم بيغن، وشهدت الساحة السياسية انقلابًا أنهى هيمنة حزب العمل وأفسح المجال أمام اليمين. أما بعد 2023، فإن المجتمع “الإسرائيلي” يعيش انقسامات عميقة تفاقمت بفعل الحرب، بين تيار يرى في استمرار القتال حتى “الحسم الكامل” السبيل الوحيد لاستعادة الردع، وآخر يطالب بالتفاوض لإنهاء النزيف البشري والاقتصادي. هذه الانقسامات، بحسبه، لم تعد مجرد نقاش سياسي، بل تحولت إلى أزمة هوية تهدد تماسك المشروع الصهيوني برمته.

ويشير حازوت إلى أن الفارق الجوهري بين 1973 و2023 يكمن في البيئة الإقليمية والدولية. ففي السبعينيات، كانت الولايات المتحدة حريصة على إنقاذ “إسرائيل” ودعمها سياسيًا وعسكريًا، بينما كانت مصر وسورية مدعومتين من الاتحاد السوفيتي، ما جعل الحرب جزءًا من صراع الحرب الباردة. أما اليوم، فالمشهد مختلف تمامًا: واشنطن لا تزال تدعم “إسرائيل”، لكنها تجد نفسها مقيدة باعتبارات داخلية وضغوط دولية متصاعدة تندد بجرائم الحرب في غزة، بينما المقاومة الفلسطينية نجحت في حشد تضامن شعبي عالمي وضع “إسرائيل” في موقع العزلة الأخلاقية. بهذا المعنى، فإن “الهزيمة المعنوية” لـ”إسرائيل” عام 2023 أوسع بكثير من هزيمتها العسكرية عام 1973.

ويتابع بأن القيادة “الإسرائيلية” الحالية لم تُظهر أي استعداد حقيقي للاعتراف بالتقصير أو استخلاص العبر، على عكس ما جرى بعد حرب يوم الغفران حين شُكّلت لجان تحقيق رسمية أطاحت برؤوس كبيرة مثل غولدا مائير وموشيه دايان. اليوم، يصر نتنياهو وحكومته على تبرير الفشل عبر اتهام الآخرين، أو الحديث عن مؤامرات دولية، أو التركيز على معركة الوعي والإعلام بدل مواجهة جوهر المشكلة. هذا الإصرار على إنكار الحقائق يزيد من خطر تكرار الأخطاء، بل وربما التورط في مغامرات جديدة في لبنان أو إيران دون استعداد كافٍ، وهو ما قد يجر “إسرائيل” إلى كارثة استراتيجية.

وفي جانب آخر، يرى الكاتب أن الحرب الأخيرة أعادت فتح النقاش حول حدود القوة “الإسرائيلية”. فالحروب السابقة، حتى في لحظات الصدمة، كانت تنتهي بتثبيت صورة “إسرائيل” كقوة إقليمية كبرى. أما اليوم، فإن حرب غزة أظهرت أن “إسرائيل” قد تخسر حربها رغم تفوقها، وأن القوة الجوية والمدرعات والاستخبارات لا تكفي لحسم معركة ضد خصم يملك الإرادة والعقيدة القتالية. لقد انهارت أسطورة الردع، ليس فقط في نظر الفلسطينيين، بل في عيون المنطقة بأسرها، حيث تراقب إيران وحزب الله وبقية القوى ما يجري وتبني استراتيجياتها على أساس أن “إسرائيل” لم تعد عصية على الانكسار.

ويستخلص حازوت أن “أكتوبر 2023” ليس مجرد حادث أمني عابر، بل نقطة تحول تاريخية قد تعيد صياغة مكانة “إسرائيل” في الشرق الأوسط. فكما كانت حرب 1973 مقدمة لمسار سياسي أدى إلى اتفاقيات كامب ديفيد وتغير موازين القوى، فإن ما جرى في غزة قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة، لكن هذه المرة على حساب “إسرائيل” لا لصالحها. وإذا لم تُظهر النخب السياسية قدرة على استخلاص العبر وإعادة تعريف أهداف الحرب وأدواتها، فإن المشروع الصهيوني قد يواجه خطر التآكل التدريجي من الداخل قبل أي تهديد خارجي.

ويختم بالتحذير من أن التاريخ لا يرحم. فـ”إسرائيل”، التي قامت على فرضية التفوق المطلق والقدرة على الردع، تواجه اليوم معضلة وجودية: كيف تحافظ على نفسها في بيئة متغيرة لم تعد فيها القوة العسكرية كافية؟ الإجابة، برأيه، تكمن في الاعتراف بالواقع بدل إنكاره، وفي إدراك أن الاحتلال المستمر يولّد مقاومة لا تنتهي، وأن الرهان على سحق إرادة الشعوب هو وهم قاتل. لكن ما يراه على أرض الواقع هو عكس ذلك تمامًا، فالحكومة تمضي في مسارها الحالي، والمجتمع غارق في الانقسام، والجيش يترنح بين هزائم متتالية. وهذا يعني أن الدرس لم يُستوعب بعد، وأن الكارثة القادمة قد تكون أشد وقعًا إذا استمرت “إسرائيل” في تجاهل الحقيقة.

المصدر
قدس الاخبارية
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى