دافوس.. وتفاقم التفاوت الاجتماعي

دافوس.. وتفاقم التفاوت الاجتماعي
أحمد عوض

بالرغم من أن مسألة التفاوت الاجتماعي “اللامساواة الاقتصادية” هي نتاج للنظام الاقتصادي السائد في مختلف أنحاء العالم بحكوماته ومنظماته وشركاته، الا أن مخاطره فرضت نفسها على مختلف هذه المكونات.
منتدى “دافوس” جاء كأحد المسارات والأدوات الرامية الى تعميق النقاشات الهادفة الى تعزيز استمرار النظام الرأسمالي العالمي القائم على حرية الأسواق، والخروج بحلول للمآزق التي تعرض وما يزال يتعرض لها هذا النظام.
ولم تقتصر القضايا التي يتم تناولها في جلسات هذا المنتدى العديدة على القضايا والعلاقات الاقتصادية الدولية، بل تتسع لتشمل مختلف القضايا الاستراتيجية والبيئية وغيرها من التحديات التي يواجهها العالم.
ويقصد بالتفاوت الاجتماعي الفروقات الكبيرة في الدخول والثروات بين أفراد المجتمع، وتركز الثروات بأيدي أعداد محدودة من الناس (القلة) على حساب التزايد الكبير في أعداد الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة.
وقد حظي موضوع التفاوت الاجتماعي بمكانة مهمة في مناقشات المنتدى الاقتصادي العالمي المعروف بمنتدى “دافوس” نسبة الى المدينة السويسرية التي يعقد بها منذ أكثر من خمسين عاما، والذي انتهت دورته الأخيرة قبل أيام، بسبب تفاقمه ووصوله الى مستويات غير مسبوقة.
ولإدراك حدة، لا بل “فجور” مستويات التفاوت الاجتماعي مؤخرا، يكفي معرفة أن 1 % من سكان العالم يمتلكون ما يقارب 60 % من ثرواته العالم، وأن 1 % من سكان العالم الأكثر ثراءً حصدوا 92 % من الثروة العالمية التي أنتجت خلال العام 2018، حسب تقرير لمنظمة “أوكسفام” المعنية بمكافحة الفقر في العالم.
والتفاوت الاجتماعي كما يجمع الخبراء والمؤسسات الاقتصادية العالمية ليس قدرا، كذلك فإن الثروات عند البعض ليست عوائد طبيعية للمجتهدين، بل هي نتاج لسياسات اقتصادية محددة، عملت على تكدس هذه الثروات عند القلة على حساب غالبية البشر، وهذه السياسات تعمل على عدم إعادة توزيع الثروة بشكل عادل على مختلف مكونات المجتمع.
ولعل أهم السياسات الاقتصادية التي أسهمت في تفاقم التفاوت الاجتماعي بشكل لافت، السياسات الضريبية التي اعتمدت بشكل كبير على الضرائب غير المباشرة، وتخفيف ضريبة الدخل على أصحاب الدخول العالية سواء أكانوا شركات أم أفرادا، الى جانب إهمالها لفرض ضريبة على الثروات.
الى جانب ذلك، تأتي سياسات العمل التي ذهبت نحو التوسع في تطبيق معايير العمل المرن بديلا عن معايير العمل اللائق، والسياسات التي اعتمدت على الضغط على أجور العاملين لصالح قطاعات الأعمال المختلفة بهدف تعزيز النمو الاقتصادي والاستثمار، بالإضافة الى ضعف الإنفاق على التعليم بمراحله المختلفة -الأساسي والثانوي والمتوسط والجامعي- الأمر الذي ضيق الفرص أمام الفقراء وذوي الدخل المتوسط للحصول على فرص للتعليم الجيد، وحرمهم من إمكانية حصول أبنائهم على فرص عمل بدخول عادلة، وترك لهم الوظائف الأكثر هشاشة وضعفا.
إن وصول التفاوت الاجتماعي الى مستويات عالية جدا، لم يدفع الخبراء الاقتصاديين والاجتماعيين إلى التحذير من مخاطره على المجتمعات فقط، بل دفع المؤسسات الاقتصادية الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين الى جانب عدد من (مليارديرات) العالم من دق ناقوس الخطر من استمرار الأمور على ما هي عليه، وطالبوا وما يزالون بإجراء تعديلات على السياسات الاقتصادية والاجتماعية للتخفيف من تفاقمه.
نحن في المنطقة العربية لسنا بعيدين عن مخاطر تفاقم أزمة التفاوت الاجتماعي؛ حيث تعد المنطقة العربية من بين الأقاليم التي تتفاقم فيها المشكلة حسب العديد من التقارير الدولية ذات العلاقة.
وكذلك الأمر هنا في الأردن؛ إذ إننا لسنا بعيدين عن مخاطر هذه المشكلة؛ حيث إن مظاهر التفاوت الاجتماعي واضحة للجميع، وفاقمت بعض السياسات الحكومية مؤخرا مستويات التفاوت الاجتماعي، والذي يظهر بوضوح باتساع رقعة الفقراء بأنواعهم المختلفة، وانخفاض غالبية الأجور عن خط الفقر المطلق للأسر، يضاف الى ذلك التعديلات الحكومية التراجعية على قانوني العمل والضمان الاجتماعي خلال العام الماضي، الى جانب الموقف المتردد للحكومة من قضية رفع الحد الأدنى للأجور.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى