داء التعصب والجماعات والأحزاب والتجمعات / سالم الفلاحات

داء التعصب والجماعات والأحزاب والتجمعات
ما رأيت داءً أفتك بالمجتمعات والأمم كالتعصب.

حتى قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام طبيب النفوس والقلوب والعقول من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من عصبية لقي الله يوم القيامة مع أعراب الجاهلية.

وقد سمى الله تعالى معالجة التعصب ومساعدة المتعصب للخلاص مما هو فيه نصراً فقال: أنصر أخاك ظالماً، أو مظلوماً.

إنه مرض متدحرج من المسموحات إلى الممنوعات، ومن العادَّيات إلى المستقبحات.

التعصب وهو الارتباط غير المنطقي بشخص أو عقيدة أو عرف أو عادة.

والتعصب هو عدم قبول الحق مع ظهور الدليل عليه بناء على ميل لجانب ما.

وهو مرض اجتماعي يولد الكراهية بالعداوة في العلاقات الاجتماعية والشخصية.

إن التعصب هو الثمرة العلقم لمتبع الهوى والظلم، والأنانية والغفلة المركبة، والجهل المطبق، والشعور بالكبر والخيلاء على الآخر، كلها تجتمع عليه فتورده المهالك، فيرى الحقيقة والصواب والحجة الدامغة والجواب الشافي المقنع، لكنه يبقى يبحث في دهاليز التأويلات ومنعرجات النفس المريضة عن نصف كلمة أو شبهة حجة، انتصاراً لنفسه وانحيازاً لها وتعصباً لذاته.

وقد يبلغ المرء هذه الدرجة من الجحود مع العلم بخلاف ذلك كما قال الله تعالى في محكم تنزيله: “قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ”. الانعام (33)

والمتعصب لجوج يغلق الباب على تفكيره، لئلا يستقبل أي طرح يخالف ما الزم به نفسه.

وقد قيل: إياك واللجاجة فإن أولها جهل وآخرها ندامة.

هذا في مجال الأفكار والقضايا المطروحة محل الخلاف حيث يرى نفسه على حق وما سواه على باطل، أما ما يتعلق بالانحياز العملي لجهة ما، فإن المتعصب يصل إلى حالٍ يرى شرار من معه خيراً من خيار الآخرين، ويزيد على ذلك بأن يحتقر الآخرين ولا يعترف بحقوقهم.

· وعندما يتقدم مرض التعصب ويتعمق في النفس يجمد التفكير، ويتكلّس في حالة ثابتة، ويزداد المتعصب تسلطاً على الآخرين بما يملك من أدوات وإمكانات، ويلجأ إلى العنف المعنوي والمادي بدلاً من الحوار، ويزداد تمركزاً حول الذات فيصبح طلاع الثنايا وهو المقدس وسواه مدنس، وهو الطاهر وسواه ملوث وهكذا.

لكنّ المتعصب لا يسمي نفسه متعصباً ولا يعترف بذلك وقد لا يشعر بتعصبه، فهو مريض من حيث لا يدري ويسمي مواقفه مواقف الحق، والالتزام بالمبادئ السامية، والثبات على الحق والاعتصام بالفضيلة والرساليّة، وهكذا……

ليس المهم ما نصف به أنفسنا، ونقيّم به تصرفاً ما وليس هو الصواب بالضرورة، إنما ما يمكث في الأرض على ان نعرض أنفسنا على النموذج السليم.

والعصبي المتعصب هو الذي يطلق للسانه العنان ليقول ما يشاء متى شاء، بلا ضوابط أو محددات فينهش هذا ويجرح هذا، ويقذف ذاك، ولا يدري ما يقول، إلاَّ أنه عندما يريد أن يتواضع لا يزيد عن أن يقول أنا عصبي /هذا إن قال/ – لأنه في الغالب على حق!! وكل من نالهم بلسانه وفِعَاله يستحقون أكثر مما يقول!!

سؤالٌ يجب أن يطرحه كل عاقل مؤثر في الواقع على نفسه:- هل انا متعصب – سواء لجهات أو لأشخاص أو أفكار أو أحزاب أو مناطق.

أين نحن من:

· لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها.

· قل الحق وإن كان مراً، ولو كان على نفسك.

وقوله تعالى:- “وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ ءَاثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ”. البقرة (283)

· يقول أحدهم: حقي لك حقي لك.

· وهذا أبو ذر الغفاري رضي الله عنه يضع خده على التراب، ويقول لأخيه بلال بن رباح رضي الله عنه الأضعف خذ حقك مني.

“وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ”. البقرة (42)

وأبرزها وأشرفها في مواجهة التعصب عملياً في مثالين أولهما:- فعل عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وقد عرض عليه اليهود رشوةً ليغض الطرف عنهم فقال:- …….. ولا يحملني بغضي إياكم على أن لا أعدل فيكم، فقالوا:- بهذا قامت السماوات والأرض.

وثانيهما:- برأ القرآن يهودياً أتهم بسرقة درع المسلم كان قد سرقها طعمة بن أبيرق، قال الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: “ولا تكن للخائنين خصيماً”.

لقد مزق التَّعصب الأمة، وأوهن قوتها، وشتت شملها بين إسلاميين وقوميين ويساريين، وحزبيين وغير حزبيين، ومسلمين ومسيحيين، وكانت النتيجة التشرذم والضياع، ولم يستفد من هذا التعصب وهذا الاقتتال إلا العدو الأول ليبقى متربعاً على صدورنا في فلسطين، وعلى قرارنا ومقدراتنا ليس لحاضرنا فقط إنما لمستقبل أجيالنا.

سالم الفلاحات

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى