خواطر صائم

خواطر صائم
د. هاشم غرايبه
كان أحدهم يسير مع أحد الفقهاء في السوق، صادفهما سائل، فقام بسرقة تفاحة وأعطاها للسائل، وسأل الفقيه متباهيا: أليست تجارتي هذه رابحة، فقد كسبت سيئة بسرقة التفاحة لكني نلت عليها عشر حسنات، فالحاصل ربح تسع حسنات، أجابه الفقيه: بل خسرت، فقد اكتسبت سيئة على السرقة، لكن صدقتك لم تقبل لأن الله لا يقبل إلا طيباً.
مع انتشار وسائل التواصل الإجتماعي، وتشكل مجموعات صداقة مرتبطة عبر الشبكات، نشأت حملات التدين الزائف، ، عن طريق تلاوة أوراد وأدعية معينة، بقصد جمع الحسنات المجانية بلا جهد ومن غير أن تتكلف مالاً.
لا شك أن ذكر الله من الأعمال الجليلة، لكن المقصود بالذكر ليس التسبيح والتهليل باللسان فيما الذهن منصرف عن معاني ما يردده، مقصد الذكر أن يتمثل المرء الله عز وجل حاضرا أمامه يرى ما يفعله، ويسمع ما يقوله، فيتقيه ويتجنب ما يغضبه، فإن لم يؤد الذكر هذه المهمة، فلا ينال المرء من ورائه غير تعب اللسان.
إن الله لا يقبل الأعمال إلا إن كانت خاصة لوجهه، وأدت الحكمة التي شرعها من أجلها، لذا فهولا يثيب فاعلها إلا بقدر ما أدت مبتغاه.
فالصلاة التي لا تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر، تسقط الواجب، لكنها لا خير فيها لمؤديها.
والصوم الذي لا يلزم الجوارح بالكف عن انتهاك حرمات الناس وأعراضهم وأموالهم، فلا يكسب صاحبه الا الجوع والعطش.
قراءة القرآن ليست بعدد الختمات، بل بالتدبر والتمعن في معانيه، والهدف من الحض على قراءته، لأن فيه خاصية فريدة وهي أنه مهما قرأه المرء، فسيجد في كل مرة معنى وفهما ومعرفة جديدة، لم يفطن إليها سابقا، لذلك فالتأمل في آية واحدة أفضل من قراءته كله مرورا خاطفا.
جذور ظاهرة الورع الكاذب موجودة منذ فجر الإسلام، وأكثر من حاربها الفاروق رضي الله عنه، فمنع الذين يتركون أعمالهم وينقطعون للعبادة والإعتكاف في المساجد، وضرب الذين يتمتمون بالذكر والأوراد وهم سائرون في الأسواق متماوتين تظاهرا بالورع، وعندما رفع أحدهم لوزة وجدها أثناء الطواف قائلا: لمن هذه اللوزة، صرخ به: كلها وأرحنا يا صاحب الورع الكاذب.
حديثا مشايخ السلاطين، الذين يؤدون خدمات مأجورة لأسيادهم، وجدوا في العبادات التظاهرية نفعا، هدفها الأساسي إشغال الناس بالورع الكاذب لإبعاد أنظارهم عن الموبقات التي يرتكبها هؤلاء السلاطين، وإلهائهم عن الواقع المتردي الذي يعيشونه جراء فساد حكامهم، وذلك بصرفهم عن الإهتمام بهذه الدنيا الفانية، بإيهامهم أنهم سيربحون عددا هائلا من الحسنات بمجرد ترديد عبارات الذكر عددا محددا في كل يوم.
فتفرغ هؤلاء المشايخ (وأغلبهم من المنتمين الى الفكر الوهابي السلفي) لتنفيذ مهامهم من خلال وسائط التواصل الإجتماعي، كأن يطلب من كل من يقرأ الرسالة أن يرسلها مجانا الى عدد كبير(وهذا أمر ميسور وبلا كلفة)، وان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مائة مرة ثم يرسلها الى مائة صديق وهكذا يرسلها كل واحد الى غيره حتى يجمع الشخص ملايين الحسنات، وبذلك يثقل ميزانه مهما اقترف من سيئات.
تشبه هذه الحالة حالات سبقت مرت فيها الأمة، كان المتقاعسون عن واجبهم في الحفاظ على ديار الإسلام من الغزاة، فيعقدون الصلح مع المعتدين ويلهون الناس بالتفرغ الى الذكر والتسبيح بدلا من محاسبة الحكام المتخاذلين.
فعندما غزت جحافل التتار أرض العراق وفعلت أفعالها المنكرة، ارتعب أهل الشام فأرسلوا للغزاة قبل وصولهم طالبين عفوهم مقابل الإستسلام، وبرر الولاة ذلك بأنه جنوح للسلم، فنشطت حركات الصوفية، وعقدت حلقات الذكر المعروفة، واهتم المشاركون بإحصاء عدد المرات التي يرددون فيها :الله الله، ليضربوا المجموع بعشرة لينتج لهم عدد الحسنات التي يحصلونها، لكن “ابن تيمية” رحمه الله فطن الى المرامي الخبيثة، فأنكر عليهم ذلك وتصدى لهم بترك ذلك، والإنصراف الى الجهاد فهو فرض عين، ومقدم على كل ماعداه من أعمال البر التي يتقرب بها الى الله.
كل عمل يقصد به المسلم التقرب الى الله تعالى، ينال ثوابه بقدر الجهد والكلفة ونفعه للناس.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى