
د. #هاشم_غرايبه
تنشر بين الفينة والأخرى، تصريحات لمسؤولين غربيين وعلماء وفيها يحذرون مما يسمونه “الإنفجار السكاني”، وضرورة تقليل عدد السكان، ومنهم من يطرح أفكارا شريرة مثل أنه لا تحل هذه المشكلة إلا بنشر الأوبئة وشن الحروب المفنية.
هذه القصة ليست حديثة، بل هي مرتبطة بأطماع الإمبريالية وجشع الرأسمالية، فمنذ بداية القرن العشرين، وبعد أن أصبح قوام الصناعات معتمدا على الحديد، خشيت الدول الصناعية الكبرى من نضوبه، فبيتت النية على البحث عن حجم خام الحديد في العالم لتأمين سيطرتها عليه، رصدت البعثات أماكن تواجده، وخرجت بأن ما هو متوفر يكفي الحاجة سبعين عاماً، مرت السبعون عاماً وتبين أن مخزون الحديد في الكرة الأرضية هائل لا ينضب.
الذين لا يؤمنون بوجود خالق، خلق كل شيء في أكمل صورة، وقدر للكائنات أرزاقها، ولا يؤده حفظها، ولا يعجزه تدبير أرزاقها، لا يعلمون أنه تعالى تكفل بحاجات البشر الى نهاية الحياة.
في قوله تعالى” وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ * وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ” [الحجر:19-20]، ينبهر العقل وينعقد اللسان أمام هذا الإعجاز البلاغي والمعرفي، ففي هاتين الجملتين تلخيص شمولي، لما لم يتعرف عليه العلم البشري إلا حديثا، ولما يلم بعد بكل أبعاده المتداخلة بشكل تكاملي، والمنسقة بدقة تامة، ويطلق عليه النظام الغذائي للكائنات الحية جميعها، والتوازن البيئي، ومخزون الموارد كلها.
فما هو مطلوب لدوام الحياة البشرية على هذا الكوكب سلسلة منتظمة من جماد ونبات وحيوان، تكمل بعضها وتعوض ما ينقصه البعض في دورة كاملة.
مالا يتجدد كالمعادن والأملاح وأشعة الشمس، مخزنة بما يكفي مهما استهلك منه.
وما هو أساسي للحياة كالماء والأوكسجين وثاني أوكسيد الكربون متوفرة بكمية كافية ثابتة لكنها متجددة بدورة كاملة تستعيد ما استعمل.
فالماء مخزن بشكل مالح حتى لا يفسد في المحيطات التي تشكل 71.1 % من مساحة القشرة الأرضية، والماء النقي مخزن في الغلاف الجوي، ويظل الماءان في حالة انتقال دائم لكي تستفيد منه كل الكائنات الحية من غير أن ينقص.
أما في الهواء فقد أودع الله فيه غازات متعددة، كل منها له دور ووظيفة، ومنها ما هو أساسي للحياة، وهما الأوكسجين وثاني أوكسيد الكربون، ويبقيان بنسبة ثابتة لأن استعمال كل منهما تبادلي بين النبات والحيوان، فالنبات يستخدم ثاني أوكسيد الكربون الذي تطرحه كل الكائنات الحيوانية، ويستعمله الى جانب الماء ومعادن التربة وبوجود أشعة الشمس كمكون أساسي لغذائه، وفي الوقت نفسه يطرح الأوكسجين ليعوض ما استهلكه الحيوان، كما أنه وبتلك العملية (التمثيل الكلوروفيلي) يتم تصنيع كل المواد اللازمة لحياة البشر والحيوانات جميعا من الكاربوهيدرات والبروتينات النباتية والأملاح والمعادن والفيتامينات..، وفوق ذلك العلاجات والأدوية لكل ما يلم بها من أمراض.
كما أوجد الله تعالى الكائنات الدقيقة لإكمال الدورة الحيوية، فهي تحلل الكائنات الحية بعد موتها الى مكوناتها الأولية، فتنظف البيئة منها، ولتتمكن النباتات من امتصاصها، فتتحول غذاء للكائنات الحية من جديد.
أما ما يستهلكه الإنسان بشكل يومي كغذاء أساسي له من نبات وحيوان، ولا يمكن خزنه، فقد خلقه الله متجددا بالتكاثر والتوالد والنمو.
لذلك فالإنفجار السكاني وعدم كفاية الموارد لسكان الأرض خرافة قصد بها تبرير الأطماع الإحتكارية.
هؤلاء الطامعون هم ممن لا يؤمنون بالله، فعميت بصائرهم عن إدراك هذه الحقيقة الساطعة، لذلك أقلقتهم أطماعهم فخافوا انتهاء مخزون الحديد، ولم يطمئنوا بعد، وما زالوا يخشون نضوب الماء والغذاء، ولا ينفكون عن التفكير الإجرامي لإنقاص عدد البشر من الشعوب الأخرى.
هنا نستبين الفارق بين أن يكون المرء مؤمنا أو كافرا ملحدا، لأنهم لو كانوا مؤمنين لأيقنوا بأن من خلق الإنسان في أحسن تقويم، أمّن له جميع متطلبات معيشته طالما بقيت الحياة، فكل ماهو موجود في الأرض مُسخّرٌ لمصلحته ومضبوطة كمياته وفق احتياجاته، وبحسابات دقيقة، ولا يمكن لغيره ذلك.