
د. #هاشم_غرايبه
في هذا العام تصادف تطابق موعد صيام المسيحيين مع حلول شهر رمضان، وسر البعض من هذا التصادف، ووجدوه فرصة لتقارب متبعي العقائد السماوية، لكن العاقل يجب أن يسأل نفسه: ألا يعني ذلك أن الدين واحد؟، ومصداقا لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” [البقرة:183].
عندما نزلت الرسالة الخاتمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت العرب تعلم بوجود رسالتين سابقتين، ولهما أتباع بينهم، لكنهم كانوا يعرفون الله من قبل، وهذه المعرفة كانت مما بقي من الرسالة التي أنزلت على إسماعيل والتي كانت امتدادا لرسالة أبيه إبراهيم عليهما السلام، لكن شيوع الأمة وشظف وسائل العيش وقلة وسائل التواصل عممت الجهل، فانعزل اتباع رسالة التوحيد لقلة من يستمع إليهم، ولعدم قدرتهم على هداية الأغلبية الجاهلة، عاش أغلبهم في صوامع، أو سكتوا عن دعوة غيرهم خوفا على أمنهم، في المقابل وجد الزعماء ضالتهم في الشرك بالله لتعزيز سلطتهم وزيادة مكتسباتهم، لذلك شجعوا عبادة الأصنام، واتبعهم العامة الجاهلة وهم يعلمون أنها تماثيل لا حياة فيها، لكنهم كانوا يعبدون رمزيتها، واعتقادا أنها تقربهم الى الله زلفى، لذلك كان لكل قبيلة صنمها، الذي يصطف الى جانب الأصنام الأخرى في بيت الله الحرام.
معرفة الله هي حاجة فطرية في النفس، وجاءت الرسالات السماوية لتعزز هذه الفطرة، وتهدي من الضلال وتعزز قيم الصلاح، وفي كل مراحل التطور المعرفي للبشر، كانت فئة المترفين أي الزعامات القبلية – الإقتصادية – السياسية، تتصدى دائما لدعوات الرسل والمصلحين، لأن التوحيد واتباع منهج الله يحقق العدالة الاجتماعية مما ينتقص من مكتسباتهم وامتيازاتهم: “وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ” [سبأ:34].
هنالك تساؤل يستند إليه الضالون في تبرير انسياقهم لضلالهم، وهو كيف يمكن تحميل المرء عاقبة ضلاله إذا كان الأمر بيد الله.
أولاً: المؤمن بوجود الله يصدق بكلامه، حيث بين أن العلة من خلقه الإنسان لكي يعرفه ويعبده، إذن فوظيفة الإنسان متميزة عن باقي الكائنات الحية، فالأصل فيها معرفة الله، لذلك أودع في كل البشر فطرة البحث عن الخالق، وذلك في قوله تعالى:”وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا” [الأعراف:172]، وثبت ذلك واقعيا، فكل الأقوام بحثت عن الإله منذ فجر التاريخ.
ثانيا: لما كان الخالق غير مرئي، وليس كل البشر بقادرين على تصوره من الإستدلال بإعجاز خلقه، فقد أرسل الرسالات المتتالية المتضمنة إرشادهم الى ما أُشكل عليهم فهمه.
ثالثا: من رحمة الله بخلقه وانقاذا لهم من إفناء بعضهم بعضا طمعا وظلما (كالديناصورات)، فقد أنزل لهم الدين وتشريعاته لتحكم تصرفاتهم، وأكرم من اتبعه بثواب أبدي.
إذا بعد أطواق النجاة الثلاث هذه، من رفضها ألا يكون قد ظلم نفسه: “وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ” [النحل:33]!؟
مثلهم كمثل التلاميذ في الصف، منهم من يرفضون بذل جهد في التحصيل والفهم، ويفضلون اللهو والعبث، يشرح لهم المعلم فلا يصغون، وينصحهم بالدرس فلا يستجيبون، بعد أن استنفذ جهوده يقدر أنهم سيرسبون، هل تقديره ذاك كان قرارا مسبقا بترسيبهم أم هو قرارهم؟.
مع ذلك يتيح لهم المعلم الفرصة لعلهم يرجعون عن غيّهم، ويراجع أوراق امتحانهم فعساهم ينجحون، وهو سيكون أسعد منهم بنجاحهم ذاك، لكن إن رسبوا فقد يكون حق عليهم القول، ولو أنجحهم لكان ظلم المجتهدين إذ ساوى في النتيجة بين المجد والمقصر.
هنالك فئة غلّبوا الشهوة وارتكبوا المعاصي، لكن فيهم بعض من إيمان، فهؤلاء قد تطالهم رحمة الله التي وسعت كل شيء إن تابوا من قريب وأصلحوا واتقوا، وفئة أخرى وقعوا في الإثم لكن نفوسهم ضاقت بما فعلوه واستكثروا على أنفسهم المغفرة، لكن الله العليم الرحيم لا يطردهم من رحمته بل يشجعهم على العودة، فيتوب عليهم ليتوبوا.
فهل بعد كل تلك الفرص المتعددة يبقى من مبرر ليظلم المرء نفسه؟.