خواطر رمضانية

#خواطر_رمضانية

د. #هاشم_غرايبه

وزع أستاذ شريعة كويتي على طلبته نموذجا فيه أربعة فتاوي عن قضية محددة اُثنتان كانتا لإبن باز وابن عثيمين، والأخريان للقرضاوي والشعراوي، لكنه أبدل إسم المفتي بين ابن باز والقرضاوي وبين ابن عثيمين والشعراوي وكان السؤال أيها مقنعة لك أكثر.
الطريف أن الغالبية العظمى اختارت الفتاوي التي نسبها الأستاذ لابن باز وابن عثيمين والتي هي في الحقيقة للقرضاوي والشعراوي، وكان التبرير أنها أكثر انطباقا مع السنة.
الحقيقة أن ظاهرة الحكم المسبق بوحي من التعصب لفكر معين أو ضده، تحكم آراء أغلب الناس، وقليلا جدا ما هم الموضوعويون، الذين يُحيّدون عواطفهم وميولهم، او يناقشون الرأي بمعزل عن صاحبه.
هذه الظاهرة طبيعة بشرية عامة، لكنها أكثر ما تكون سطوعا في أمتنا، وبدأت في الظهور مبكرا ومنذ انقضاء زمن الوحي، فلم يكن بوسع أحد آنذاك أن يجادل أو حتى أن يجتهد، لكن ما أن انقضت ثلاثون عاما من الخلافة الراشدة، وتوسعت المدارك بتوسع رقعة الدولة، وتعددت المصالح بسبب الإزدهار، وأخذ الفقهاء باسترجاع ما تعلموه وما فهموه من معلمهم الأكبر، حتى ظهرت تباينات وخلافات انتجت انقسامات كلها كانت دوافعها سياسية وليست فكرية، وبهدف الإستحواذ على مكتسبات السلطة.
تميزت هذه الخلافات بأنها رغم أن أصلها سياسي إلا أنها ألبست لبوسا فقهيا، فأخذت الأطراف المتنازعة تلجأ الى احتكار فهم الدين وتمثيله، وتبحث عن أسانيد شرعية في القرآن فلا تجد إلا في لي أعناق الآيات أو وضع الأحاديث.
ولإحكام قبضة الحكام على السلطة أسرفوا في تكفير معارضيهم، وإخراجهم من الملة، واستعانوا على ذلك بفئة من الفقهاء سموا شيوخ السلاطين، وأصبح هؤلاء من ملاحق السلطة في كل العصور، يكيفون أحكام الدين ويفتون بما يريده السلطان.
هنا نشأت فكرة التكفير، وكانت أول خروج عن شرع الله، الذي لم يبح لأحد الحكم على إيمان الشخص أو نواياه، فبعد أن تقوّلوا على حدود الله واضافوا حد قتل من يُعتقد بكفره أو ارتداده عن الدين، جعلوا معيار ذلك مخالفة رؤيتهم التي يعتبرونها أساس الشرع، لذا فمن خالفهم فقد خرج من الدين.
فجرى التوسع في قطع رؤوس المخالفين بموجبها سواء مخالفين للسلطة أو للجماعات، فعاش الناس طوال التاريخ في رعب من الإجتهاد والبحث والإنطلاق الفكري، وما زلنا نرث هذا الخوف الى اليوم.
من قال أن عصر الحجاج الذي كان النطع والسياف حاضرين على الدوام في مجلسه قد انقضى؟، فها هم حكام المسلمين الحاليين لا تمر فترة إلا ويعلنون عن القضاء على خلية إرهابية، أليس النطع والسياف أرحم من مهاجمة البيوت ونسفها على رؤوس أهلها، أو قصف حي بكامله بذريعة وجود ارهابيين في مكان ما منه!؟.
وما الفارق بين تهمة الإرهاب وتهمة الردة عن الدين، أليس في الحالتين يحدد الحاكم أنه الدين والشرع، فمن يعارضه خارج عن الدين ويحل قتله وقتل أهل بيته معه أيضا.
لقد صنع هؤلاء الحكام من بعض الجماعات السلفية التي تواليهم وتدافع عن شرورهم أعوانا على الباطل، ومحامين مدافعين عن بطشهم وتنكيلهم بمعارضيهم، بذريعة الولاء لولي الأمر أو للولي الفقيه، وهؤلاء قد غسلوا عقولهم وأفسدوا ضمائرهم، فغدوا جندا للشيطان.
المفتي الذي أفتى لعبد الناصر بجواز إعدام سيد قطب بتهمة سخيفة هي تكفير المجتمعات، ألا يعتبر شريكا في الجريمة، والذي أفتى بجواز الإستعانة بالكفار لتدمير العراق ومحاصرة أطفاله ثم احتلاله ..هل يمكن أن يكون مسلما؟ ، وهل يعتبر عالما في الدين من سكت عن انخراط الأنظمة في الحملة الصليبية المسماة الحرب على الإرهاب، وبجواز منح القواعد العسكرية لجيوش الغرب التي تدعم وتحمي الكيان اللقيط وتشن الغارات على المسلمين بحجة مكافحة الإرهاب.. هل يستحق هذا أن يعتبر من علماء المسلمين؟.
علماء السلاطين أشد ضررا على الإسلام من السلاطين الطواغيت، لأنهم أضلوا كثيرا من المؤمنين، فسكتوا عن الطواغيت بل أيدوا أفعالهم بذريعة طاعة ولي الأمر.
هؤلاء جميعا سيلقون عند العزيز الجبار حسابا عسيرا، ولن ينفعهم يوم الحساب حفظ قرآن ولا علم بالحديث عملوا بعكس ما دعاهم إليه، فليس بعالم من يخاف الحاكم أكثر من الله، ولا يستحق أن يكون من ورثة الأنبياء من يشتري دنياه بآخرته.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى