#خنفشاريات
وكلنا نحب المحبة والسلام, ولكننا كلنا أيضا, لا نحب الاستغفال والاستهبال.
أبا نادم, غاص في بحار ومحيطات هذه (التقليعة) الجديدة, من أخمص قدمه حتى رأس عرنينه, بل وغطس في ظلامات هذا المحيط الأسود, بنية حسنة, كمن يأخذه الضبع الى موكرته, أما وقد (طقّه الحنت), وأفاق من غفوته ومساره خلف الضبع الخبيث, وجهنميات هذه الكيانات الافتراضية الهزيلة الخنفشارية, المسماة زورا وبهتانا بالآكاديميات, التي تتفجر بها الأرض كما الفطر السام, وتمنح الألقاب والشهادات العليا, والتي لا تساوي حبر ورقها, قيمة أو حشيمة, وقد ارتدّ صاحبنا عن طريق الكثير من (الآكاديميات) ملأت الكون جعيرا ونفيرا وألقابا, وأصبح لدينا (شاهدا من أهلها) على العصر, وأطلق العنان لشهادة حق لا شك بها ولا تشكيك.
يقول أبو نادم, بأنك لا تلبث أن تقع في مصيدة إعلان لأحدى هذه الآكاديميات المزركشة, والممهورة بتواقيع وأختام وألقاب مسؤوليها, حتى تصلك الشهادة الأولى, ومن ثم تتوالى الشهادات والألقاب الممتدة من لقب شريف, عبورا بألقاب أكاديمية تترواح بين محو الأمية, مرورا بالكلية والشامل والتجسير والدكتوراة والبروفسورية, الى مراتب الشرف العليا, وسفير المحبة والسلام, والثقافة والأدب, والتحكيم الدولي, والإدارة والخبرة العالمية, والتنمية والموارد البشرية والحيوانية الافتراضية, وألقاب أخرى, لم أجد لها في غوغل, ترجمة لغوية ولا حصرا.
ولا يمر الا قليلا من الوقت, حتى تصلك دعوات مماثلة وألقاب تشجيعية مماثلة, من آكاديميات منافسة أو صديقة, بنفس الفحوى والمقال, وكأن تلك الآكاديميات تنتهج طريق سرقة بيانات الأعضاء والمسجلين, فترمي شباكها أيضا لاقتناص الصيد والطرائد.
مئات من هذه الآكاديميات بالتمام والكمال, غير الفراطة, اجتمعت على تجنيد وكسب أبا عاصم, الشاهد على العصر, الذي حدثني بممارسات تصلح كسيناريوهات هزلية, لافلام فضائية أو فوق كونية, لا ترتبط بعالمنا الذي نعيشه بأدنى صلة.
يقول أبو نادم: بعد انكشاف الغشاوة جزئيا عن عيوني, اتفقنا في أحدى إدارات هذه الآكاديميات, التي مُنحت مسؤولية عليها بها, أن نلتزم بنشاطات أدبية وثقافية, دون منح شهادات وألقاب وتقادير خنفشارية, لا معنى ولا قيمة لها, وفي صبيحة العيد الأول بعد هذا الاتفاق, فاجأتني مديرة او عميدة او مش عارف شو, لهذه الآكاديمية, بمائة شهادة تقديرية فخرية شرفية, لمن أرغب من (الأميين), المضلَلين الجدد, في خروج واضح على اتفاقنا المبرم, فسألتها مستنكرا: لقد اتفقنا على عدم منح الألقاب والشهادات, فقالت بلا خجل أو دخان جلّة: اعتبرها عيدية, فاستنكرت من جديد: هي صفط ناشد يعني؟
نعم…هكذا يُورِدون الإبل, وهكذا يلهطون الكتف, ويأكلون بعقول البشر حلاوة وقُطّيناً, وخاصة أولئك الذين تعتري شخصياتهم النرجسية, وعقد النقص ومركباته, ومن يطمح الى سبق اسمه بلقب ما, دون اكتراثة, بما ولماذا وكيف.
أحد عملاء هذه الآكاديميات سابقا, وصاحب أحدها حاليا, ومديرها وعميدها ورئيس مجلس إدارتها…الخ, حسب الشاهد على العصر, يحمل ألفا وثمانمائة ونيف من الألقاب والشهادات, من الأستاذية المركبة وحتى لقب الشريف والدكتوروهات الكثيرة جدا في كل العلوم والفروع والغيبيات وغيرها, وهو يقدم برامج ثقافية وأدبية وعلمية مسموعة, لا يستطيع أن يكتب مقدمتها, ولا يساهم بجملة عربية غير ذي عوج بها, وهو بالمناسبة, شبه أمّي.
ومن الجدير بالذكر, وأيا كان من يصنّع هذه الآكاديميات, وأصحاب فكرتها, ومن يركب سمومها, ولاي الأهداف والغايات كانت, فإنه ليغيب عن إدراكهم الخبيث القاصر, أن شهادة الدكتوراة الحقيقية, بحاجة لجهد وتعب وسهر ليالي, عقدين من الزمن, في أقلها, مع افتراض نجابة طالبها, وبتوجيه وتدريس وإشراف, آكاديمين, بخبرة وعلم ضعف هذه المدة أحيانا, وخبرة حياة متراكمة كبيدر قمح متلتلة بسنابل خير, حرث لها وزرعت وحصدت ورجدت وفصلت الحب عن الزوان, بأزمان محددة وكدّ وعرق, فكيف لهذه الطغمة الرخيصة المبتذلة, أن تسطو على جهد المدارس والجامعات والكليات ونتاجها, لتقلد كل ذو مرض ونقيصة, ألقابا وشهادات, تشتبك مع عرق ومصداقية أصحاب الألقاب والشهادات الحقيقية؟ وتجعل من مهمة التمييز بين الغث والسمين مهمة صعبة وشبه مستحيلة, خاصة لدى بعض المتحذلقين ونشطاء اللسان, والعارفين بكل شيئ, وهم لا يعرفون أي شيئ.
وسوف أمتنع هنا عن الخوض بتفاصيل وجماعات وشخوص ناشري هذه التقليعة المريبة التي تقول بملء فيها: خذوني, ولكنني أؤكد أن غثاء السيل هذا, لا يمكن ان يكون نتاج صدفة او موضة عصر عارضة, وأكاد أجزم, انه ترتيب خبيث لزرع شيطاني, من شياطين الداخل والخارج, الذين اجتمعوا على غش هذا الوطن والتآمر عليه, وهدم كل ثوابته وقيمه وقدوته, دونما رادع او محاسب, حتى الآن.
ولقد بات لزاما على الرسمية الأردنية, لجم ورجم هذه الشياطين, والإطاحة بآكاديمياتهم المضللة, التي انتشرت بين المحيط والخليج, متلحفة بأسماء معاهد ومؤسسات تنسب لدول متقدمة في عالمنا, دون الخوض بحمضها النووي, ورصد أدنى مصداقية لنسبها الحقيقي.