خلف الأكمة / د. هاشم غرايبه

خلف الأكمة
المراقب لحال البشر، يلاحظ أنه طوال الوقت منذ القرن التاسع عشر، يشهد العالم أزمات ونزاعات وحروب، بعضها يأخذ برقاب بعض، حتى لتدهش من تواليها المنتظم، وتستغرب أنه ما أن تُطفأ نار للحرب في بقعة حتى تُشعل في مكان آخر، لدرجة أنك لا تصدق إلا أنها من فعل فاعل وترتيب جهة مستفيدة من إبقاء حالة التأزم والصراع بين البشر.
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، لم يحدث توتر في الغرب، ولا أزمة بين أممه المختلفة المصالح والمتنافسة على النفوذ، بل صار الميل الى التعاون بينها، وباتت كل الصراعات بين الأقوياء في شمال الكرة الأرضية، وضعفاء من الجنوب، أي أن النتيجة محسومة سلفا.
إذا هي ليست صراعات تنافس حقيقي، بل هي توتير لتوظيف الأزمة الناتجة لحل مشكلة الركود الإقتصادي الغربي الناجم عن عدم تصريف المنتج الرأسمالي المتعاظم، بهدف تحريك عجلتي الصناعة والتجارة، وهما اللتان تحتكرهما أوروبا.
ولا شك أن مشعلي الحرائق الخفيين هؤلاء هم الجهات المتضررة من الركود…
فمن لهم القدرة على تحريك صانعي الأحداث غير مثلث الشر (الحكومة العالمية الخفية) المتحكم برقاب ساسة الدول الكبرى!؟.
لنأخذ مثلا واقعيا معاشا: فقد انتهى منذ قليل تأزيم العالم في قضية (محاربة الإرهاب)، وتم جني المحصول المتحقق بكامله، ولم يبق إلا الحصيد، فصار لازما بذر محصول جديد، فكان إلغاء أمريكا للإتفاق النووي مع إيران، من أجل دفع القيادة الإيرانية على العودة للتهديد الأجوف باستئناف مشروعها النووي، والذي يعرف الغرب بشكل مؤكد أنه لن ينتج قنابل نووية، فقد مكنهم الإتفاق الذي وقعه أوباما من السيطرة الكاملة على المشروع، فلا شيء فيه مخفي عليهم.
فما هو المحصول المنتظر جنيُهُ من بذر بذور التأزيم؟.
بما أن التربة خصبة فقد حرثتها جيدا الثيران الموالية للغرب، وعمالهم من الأنظمة السياسية في المنطقة، المتفانية بخدمتهم، وتؤدي الأدوار المناطة بها بكل إخلاص، لذا سيستغلظ الزرع ويستوي على سوقه لينتج حصادا وفيرا يتمثل فيما يلي:
1 – في الأزمات والحصارات وحملات المقاطعة، تسود حمى الشراء فتنتعش الأسواق السوداء، فتتعاظم أرباح كبار الإحتكاريين (أذرع مثلث الشر اليهودي)، فهم الذين يسنون قوانين الحظر التجاري وهم الذين يُهرّبون البضائع أيضا.
2 – دائما ما تخترع القوى الإمبريالية نمورا ورقية في مختلف المناطق، تغذي شراستها، لتخوف بها من حولها، لكن طوقها في يدها، وهي تقدر مد الحبل لها أو شده.
ففي جنوب شرق آسيا هنالك كوريا الشمالية وفي غربها إيران وتهديدهما النووي المزعوم، فهل حقا أنهما خارج السيطرة الأمريكية؟، وهل أن الغرب حقا يرتعد من صواريخهما؟.
لو شعروا بالخوف حقيقة لحسموا الأمر عسكريا، معتمدين على تفوقهم العسكري الهائل ولما انتظروا مفاوضات ولا سعوا الى اتفاقيات، وقد فعلوا ذلك سابقا ولم تمنعهم الشرعة الدولية ولم يوقفهم معارضة القوى الأخرى.
بل هما لإخافة المجاورين وإبقائهم ملتصقين بالغرب يببتغون لديهم الحماية، ففي شرق آسيا هناك أمم مثل اليابانيين والكوريين والماليزيين تعتبر صاعدة صناعيا لدرجة تهدد تنافسية الإحتكارات الغربية، وهنالك في غرب آسيا أمة عربية لو نهضت لما قدروا عليها، وما كان بالإمكان إخضاعها لولا شرذمتها ومنعها من استعادة روحها النهضوية الإسلامية.
3 – هنالك فوائض نقدية خليجية يسيل لها لعابهم، هم يعرفون مقدارها لأنها مكنوزة في خزائنهم، والسبيل الأضمن إليها تنفيذ الخطة القديمة ذاتها: الإحتواء المزدوج، وتعتمد على توريط عدوين لهما ببعضهما، تستنزف قواهما ومواردهما، من غير السماح بانتصار أي منهما، لإبقاء التوتر قائما دائما.
4 – هم واثقون من أن الطرفين: النظام الإيراني، والأنظمة العربية ليسوا حريصين على استعادة الإسلام، لذلك ليس لديهم قلق من هذه الناحية، ولن يجدوا أنظمة أفضل، لذا فليست لديهم النية لترك الفخار ليكسر بعضه، فلا يريدون زوال أي منها، بل بإدامة هذه الحالة، والتي لا يبقيها غير الإستكانة والرضوخ للغرب.
لذلك ستبقى حالة توازن المتناقضات هذه، فالنظام الإيراني يحتاج التوتير لإلهاء شعبه عن فشله الإقتصادي، والأنظمة العربية لا تريد لشعوبها الطمأنينة لتلهيها عن فسادها ونهبها للثروات…والأهم أن هذه الحالة تبقي التدفقات النقدية الى خزائن الغرب في أوجها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى