سواليف
ما يتم التجهيز له في ليبيا الآن يعيدها 100 سنة إلى الوراء، فحسب ما تناقلت الصحف، تمثّل الخطة البديلة في ليبيا إعادة تجسيدٍ للمشاريع الاستعمارية الأوروبية القديمة. وهي خطة تتناقض مع البيان المشترك الذي صدر بعد الاجتماع الوزاري حول ليبيا في الخامس عشر من ديسمبر/ كانون الأول 2015، حيث شدّد البيان على “الدعم الكامل للشعب الليبي في الحفاظ على وحدة ليبيا ومؤسساتها التي تعمل لمصلحة البلد”. إن مراجعةً بسيطة للخطة البديلة (التي تمَّ تعديل صيغتها لتلائم المزاج السياسي المعاصر وشكل الدول الحالي) تشير ليس فقط إلى تجاهل إرادة الشعب الليبي، بل والشعب الإيطالي أيضاً.
قبل 4 سنوات، وحين كانت ليبيا تشهد انهيار حكم العقيد القذافي، افترض البعض تفكك البلد الشمال أفريقي الذي وُلد على أساس اتفاقيات قديمة بين القوى الأوروبية العظمى. كانت طرابلس وبرقة كيانين منفصلين تحت حكم الإمبراطورية العثمانية، وتم “توحيدهما” بُعيد الغزو الإيطالي في عام 1911، وهو الاتحاد الذي انتهى بعدها 20 عاماً بعد جرائم الحرب التي ارتكبتها الجيوش الإيطالية، بحسب تقرير للنسخة الإيطالية لـ”هافينغتون بوست”
في ذلك الوقت (ثلاثينيات القرن الماضي) توصّل موسوليني إلى صفقة تبادل مع فرنسا: مُنحت إيطاليا منطقةَ فزان التي كانت حينها جزءاً من الإمبراطورية الفرنسية في أفريقيا، مقابل تخلّي إيطاليا عن مطالبها في تونس التي كانت فرنسا ترغب في احتلالها.
استقلال ليبيا
بعد الحرب العالمية الثانية، بدأت نهاية الفترة الاستعمارية لتستقلّ ليبيا في عام 1951 وتدخل مرحلة الملكية التي انتهت في عام 1969، حين أسس القذافي لدولةٍ موحدة رغم الصراعات القبلية والإقليمية. تجلت أولى علامات خطة الوحدة التي تبناها القذافي في إغلاق القواعد العسكرية البريطانية. ثم قام بترحيل ال 25 ألف إيطالي الذين كانوا يديرون جزءاً كبيراً من الاقتصاد والزراعة في ليبيا. محا قذافي الماضي وقوّى علاقة ليبيا بالجمهورية الإيطالية.
سيطرت شركة النفط والغاز الإيطالية Eni على حقول الغاز والنفط الغنية في الجماهيرية، ف”صندوق الرمل” كان أحد أهم موارد النفط والغاز في حوض البحر المتوسط، كما أن النفط الليبي عالي الجودة، سهل الاستخراج وحقوله قريبة من الشواطئ الإيطالية.
وعلى الرغم من حفاظ القذافي على علاقاته الممتازة مع إيطاليا في جميع المجالات، إلا أنه استغل الذاكرة الاستعمارية لمحاولة تعزيز الروح القومية الواحدة بين الشعب الليبي، بدلاً من الروح القبلية التي كانت سائدة، وهي نفس الروح التي حاول ساركوزي لاحقاً استغلالها لتشجيع أهل برقة للانتفاض ضد القذافي والسلطة المركزية في طرابلس.
كان بيرلوسكوني ضد الضربات التي استهدفت النظام الليبي، إلا أنه أجبر على تقبل هذه الضربات بسبب ضغط الحلفاء والضغوط الداخلية عليه. وثق القذافي بروما، ولم يثق بالآخرين الذين كانوا طامعين في الثروات الدفينة في أرضه، فعلاقته مع واشنطن تحسنت بعد سنوات من العداءـ لكنه رفض السماح ببناء قاعدة عسكرية أميركية على الأرض الليبية.
أما تاريخ السنوات الأخيرة فهو معروف للكل. ساركوزي والخدمة السرية الفرنسية كان لهما دورٌ مباشر في التحريض على الثورة التي اندلعت في برقة. وكانت عين فرنسا على الحقول التي تسيطر عليها شركة Eni والتي تقوم مجموعاتٌ مسلحة قبلية وأخرى أجنبية بحمايتها اليوم بينما تستمر الحرب بين الفصائل الليبية المختلفة. يفيد مسؤول إيطالي كبير أن عمل الشركة “ليس في خطر”، لكن ما قد يشكّل خطراً على مصالحنا هو عدم التفاهم بين أطراف الحكومة الليبية وما قد ينتج عنه من عمليات عسكرية.
خطّة تقسم ليبيا
وقال مسؤول رفيع في وزارة الدفاع الفرنسية إن “آخر ما سنلجأ إليه هو التدخل في ليبيا. يجب أن نتجنب أي عملية عسكرية علنية، علينا التدخل بشكلٍ سري”. وتفيد بعض المصادر أن قوات أميركية، فرنسية، بريطانية وإيطالية تعمل فعلياً في ليبيا ضد داعش.
أما الخطة البديلة التي تحدثت عنها الصحف الإيطالية فهي عبارة عن خطة عسكرية مشتركة لا تستهدف داعش فقط والذي يملك حالياً حوالي 6500 مقاتل في ليبيا، والذي يعتقد ضباطٌ في الجيش الإيطالي أنه من الممكن تحييده في عملية عسكرية تمتد أسبوعين.
بل يبدو أن الخطة تتضمن أيضاً إعادة تقسيم البلد بحيث تحصل إيطاليا على طرابلس، وتحصل بريطانيا على برقة الغنية بالنفط وتحصل فرنسا على فزان الغنية بمعادنها الثمينة. لكن ضابطاً إيطالياً شارك في عمليات حلف الناتو في البلقان قال في مؤتمر عُقد مؤخراً في مدينة أودينيزي أن “القيام بعملية كهذه سيتطلب على الأقل 300 ألف جندي على الأرض”.
إن مخاطر مثل هذه العملية ستكون كبيرةً بالنسبة لإيطاليا، ورغم أنها تتمتع بشعبية كبيرة بين كل الليبيين، إلا أن تدخّلاً يحمل النكهة الاستعمارية (مع الأخذ في الاعتبار سقوط ضحايا من المدنيين) سيكون لصالح “داعش” والحركات الإسلامية المتشدّدة الأخرى. أما الجيوش التي ستشارك في مثل هذه العملية فستجازف بالخوض في مستنقعٍ كبير، والبلدان “الحارسة”، بما فيها إيطاليا، ستكون في مرمى الإرهاب.
هافنغتون بوست