#خطورة #الإعلام_التضليلي #المتصهين
المهندس : عبدالكريم أبو زنيمة
من أخطر الأسلحة فتكاً في الحروب والصراعات والمؤامرات الكبرى هو الإعلام الموجّه ، هذا السلاح يحتل اليوم أهمية كبرى في حسم المعركة وخاصة في ظل الفضاء الإعلامي العالمي الواسع الانتشار ، لقد أدركت الصهيونية العالمية مبكراً أهمية وفاعلية الاستثمار فيه وتوظيفه لتحقيق أهدافها الكبرى ، لذلك استحوذت على ما يقرب من 80% من وسائل الإعلام العالمية المختلفة المرئية والمسموعة واستمالت وابتزت ورَشَتْ الكثير من كبار المفكرين والمثقفين ونجوم الإعلام والسينما والفن والمشاهير والرؤساء والحكام وبثت من خلالهم كل سمومها وتمكنت من غسل عقول غالبية شعوب العالم .
هكذا يفكر ويعمل العقل الاستراتيجي الصهيوني ، هو يعرف جيداً أنه كلما اتسعت دائرة الوعي العربي وأدركت الشعوب من هو عدوها الحقيقي كلما تقلّصت وتضاءلت وتلاشت أحلامه في المنطقة ، لا غرابة إذاً في كل ما سمعناه ونسمعه على مدار الساعة من نعيق الأبواق العربية المتصهينة ضد كل ما هو وطني ، بالأمس ولتمرير صفقة القرن فقد وصل الأمر ببعض العواصم العربية وإعلامها المتصهين إلى المستوى الذي لم يتخيله أحد ، لقد ابتدعوا ديناً جديداً سمي بالإبراهيمي ، حملتهم تلك كانت أبعد بكثير من التطبيع والتسامح والتعايش السلمي ، إنّه تحريف واضح لدين الله والرسالة المحمدية وتزييف للتاريخ وتشويه كل ما هو وطني وتوظيفه لتحقيق الأهداف الصهيونية ، فمنابر بيوت الله تتحول إلى أبواق صهيونية عندما يعتليها الدجالون والمأجورون والمندسون وتدنّسها اللحى المزيفة ، عندما يترأس المؤسسات والدوائر الإعلامية رواد السفارات الغربية والصهيونية ويخطّون بأيديهم السموم ويبثونها عبر تلك الأبواق فإن الإسلام يفرَّغ من مضمونه ، “فويلٌ لهم مما كتبت أيديهم ” ، لقد زوّروا وحرّفوا الدين الإسلامي والتاريخ والثقافة والهوية وصوّروا الصهاينة المستعمرين على أنهم ألطف خلق الله وأنّهم خير من أُخرِجوا للناس وأنهم حمائم سلام بهدف غسل الأدمغة العربية وتمرير التطبيع وتهويد ما تبقى من فلسطين ، وبذات الوقت لم يتركوا عائبة ولا شائنة ” خيانة ، باعة أراضي ، إرهاب..الخ ” إلّا وألصقوها بالفلسطينين وشيطنوا كل حركات المقاومة العربية .
من المخزي ومن العار هذا التضليل المدروس في الوقت الذي يسيل فيه نهر الدم بغزة ،وتتطاير فيه أشلاء عشرات الآلاف من أطفال ونساء وشيوخ غزة ، وتُهدم فيه البيوت وبيوت الله فوق رؤوس عباده في الوقت الذي تُقيم فيه العواصم العربية حفلات الفسق والفجور والخلاعة وترفرف فوق جباهها الأعلام الصهيونية وتفرش شوارعها بالسجاد الأحمر والورود لقادة الإجرام والأبادة وداعميهم من مصاصي دماء الشعوب .
هذا هو التسميم الفكري الذي يهدف لصرف الشعوب والأجيال القادمة عن حقيقة وجوهر صراعها مع هذا الكيان العنصري المتوحش كمقدمة لهلاكنا جميعاً وأخطره هو الذي يأتي من الداخل ، وهذا ما تتسابق عليه الكثير من وسائل إعلامنا المتصهينة من خلال طريقة عرض الأخبار ، كمثال تعبيرهم القتلى بدل الشهداء وابرازهم صورة الجانب الإنساني اللطيف للجندي الصهيوني مقابل الصورة المتوحشة للمقاتل اليمني أو الفلسطيني أو من خلال تسمية الجيش الصهيوني المتوحش بجيش الدفاع الاسرائيلي وتسمية الجيش اليمني بميليشيا الحوثي الإرهابية وميليشيا حماس وميليشيا حزب الله الإرهابية ، خبثاً يسمون التوحش الصهيوني في غزة بتعبير العنف أو القوة المفرطة بدلاً من الإجرام والتوحش والإبادة ، إنّهم يُطلقون في أحاديثهم ونشراتهم الأخبارية اسم دولة إسرائيل بدلاً من فلسطين المحتلة ، إنّهم يتفنون في عرض الصورة واللغة المعبرة لكلا الطرفين لكي تخلق تعاطفاً مع القاتل “العدو” ونفوراً وإدانة للضحية ” الفلسطيني” ، تباكي الإعلام العربي المتصهين بوتيرة عالية جداً على السلام بعد طوفان الأقصى إنّما يهدف إلى تجريم وشيطنة حماس ، وكأنَّ الكيان الصهيوني قابض على جمر السلام وملتزم بكل بنود الإتفاقيات.
الأخطر في زمن التصهين الإعلامي هو ما ينفث به جماعة وزمرة الرئيس “أحمونا ” ، هؤلاء الذين نأووا بأنفسهم عن الصف الوطني الفلسطيني وآثروا العيش الرغيد والاستثمار والسمسرة بالدم الفلسطيني وتلذذوا بطعم الكافيار والنبيذ المعتق الفرنسي ولبس البذلات الإيطالية المغموسة بالدم الفلسطيني على الدفاع والتمسك بالحقوق الوطنية الفلسطينية ، ما صرّح به الرئيس أحمونا في المنامة وأمام العالم كله لا يخدم إلا السردية والرواية والزيف الصهيوني ! الكيان المتوحش الذي يرتكب أبشع الجرائم على مدار 76 عاماً بحق الشعب الفلسطيني لا يحتاج إلى مبررات وذرائع للمضي في إجرامه ، على أتباع أحمونا أن يفهموا ويدركوا وهم من يشاهد من نوافذ مكاتبهم المخملية قطعان المستوطنين وجيش العصابات الصهيوني يستبيحون كل يوم مناطق ” أ ” ووسط رام الله ، ولتذكير كل من يطلب الحماية فقد ارتكب الكيان المتوحش في النصف الأول من عام 2023 ما يزيد عن 18 الف جريمة ( هدم منازل واعتقالات وتجريف أراضَ….. الخ) راح ضحيتها 186 شهيداً ناهيك عن تدنيس مسرى النبي على مدار الساعة ، الكنيست الذي صوت بأغلبية 99 صوتاً بعدم الاعتراف بقيام دولة فلسطين لم يبقي لهم ماء وجه ، ألا تدركون أن مفهوم الاستيطان يقوم ويرتكز على إنهاء وتصفية الآخر مالك وصاحب الأرض والتاريخ ويستحيل عليه قبولكم والتعايش معكم في دولة عرقية ودينية واحدة ” يهودية الدولة” ، بالفم الملآن وبكل ازدراء يقول لكم انقعوا إتفاقية أوسلو واشربوا ماءها وتبخروا عليها .
في النهاية أيها الرئيس ! لن يحميك بعد الله أحد إلا شعبك ، وأن معركتنا مع هذا الكيان الصهيوني العنصري هي معركة وجود ! إمّا هم وإمّا نحن ، ولكي نكون نحن فليس لنا ولا أمامنا إلا خيار المقاومة والجهاد ، وهذا الخيار غير مختص ومقتصر على الشعب الفلسطيني وإنما هو خيار كل عربي شريف وهو بذات الوقت فرض عين على المسلمين ، فأطماع هذا الكيان ومن يقف خلفه من قوى إمبريالية يتجاوز حدود فلسطين وهم يغرسون ذلك بعقول أطفالهم كمعتقد ديني ويعلنون ذلك على الملأ في استراتيجياتهم وينشرونه في خرائطهم الجغرافية.