خدشنا سمعة زيتنا بأيدينا

خدشنا سمعة زيتنا بأيدينا
فارس غنام

في فترة طفولتي الباكرة قبل عقود ثلاثة ونيف كنت كأي طفل يتشبث برداء أبيه وخاصه في رحلات التسوق وشراء السلع الموسمية فكان موسم شراء الزيت والزيتون مثلا له طقوس خاصه لدي فمع دخول شهر نوفمبر من كل عام نزور تاجر الزيت الشهير الذي اعتدنا الشراء منه وقد عم بيته العديد من الزوار جميعهم قدموا لنفس الغاية والطلب شراء الزيت المنتظر في كل موسم .
وبعد أن يكرمنا بضيافة متواضعة كأس من الشاي الساخن معبق برائحه الزعتر البري يمنحك مزيد من الدف وقد نال برد الشتاء من ضلوعي ولي خاطر أن يعيد الرجل الكرّه مرة أخرى فما زال لدي الشغف اكثر فأكثر في شرب مزيد من الشاي الدافئ فما أنا الأ مجرد طفل وديع مرافق لأبيه في حل وترحاله أسمع وأرى وأصمت غير عابئ بما يدور من حولي .
في مضيف البيت ينادي صاحب الدار على واحد من اولاده بأن يحضر الزيت فيأتي مسرعا شاب يافع من داخل ردهات البيت فيخاطبه الحضور يا مرحبا بالحامل والمحمول جئت بالخير الوفير .
يفرش صحفا ورقيه خشيه أن لا يطال بعض الزيت المسكوب السجاد المفروش في غرفه ضيافته وتعضب أم العيال علي فعلته هكذا برر الرجل عمله يخاطبا متهكما أن ام العيال ربما …. لكن عندما تضع نقود عوائد بيع الزيت في يديها تنسى عناء ترتيب البيت فيقهقه الجميع ولا ندري ماذا دار خلف الجدران من حديث وأن كان واضحا من عنوانه .
يحضر اكواب زجاجيه يخترقها الضوء النافذ ويبدأ بسكب الزيت في الأكواب ويعرضها للزبائن للتذوق وهنا تبدأ مرحله الأحكام على جودة المنتج يقول أحدهم الزيت في ( شعطه خفيفة) فيما يستغرب آخر اللون الأخضر الغامق للزيت فيخبره البائع أن لديه منتج آخر ذو لون أقل اخضرارا وليس معيار اللون سببا في جوده الزيت ويسأل شخص آخر عن سعر البيع فيعطيه البائع سعر البيع نقدا وقسطا فيأتفف المشتري من خمسين دينار سعر البيع هذا الموسم معللا أن سعر البيع أعلي بكثير من اسعار الزيت التونسي أو الإسباني المستورد وقد كان دارجا بيعه في تلك الفترة بالأسواق وبياع حينها بسته دنانير أو أكثر بقليل .
فلا يعجب حديثه البائع خشيه أن يغير من نوايا زبائنه بالشراء ويرد عليه بلهجته الأردنية الجميله ( خيّوه ) هذا زيت بلدي مش زيت قلي مشبها هذا الزيت بالزيوت النباتية الاخرى .
أبي كان مستمعا لا أكثر كان رجلا طيبا سمحا بالشراء وعندما ذهب لبيت الرجل عقد النيه للشراء حاجه أسرته من الزيت ولا يعنيه حديث الرجل في بيع منتجه فهو ابن (باديه) في صباه وأبن ( بحر ) في شبابه ويجهل معايير جوده هذه السلعه ويترك هذا الأمر لضمير البائع وخلقه .
وهنا كان أبي أول المشترين لعبوتين بل ناول الرجل مائه دينار ( عشره تنطح عشره) مستذئنا صاحب البيت بالخروج تاركا زبائنه في نقاش وسجال ومد وجزر وكأن قضيه الشرق الأوسط حاضرة بقوه بين البائع والمشتري لكن محورها الاساسي السعر فقط فلا مجال للطعن او الغمز أو الإيحاء بالتلاعب بخلط الزيت وغشه .
اليوم تطالعنا الاخبار ما بين الحين والآخر بضبط كميات كبيرة من زيت الزيتون وباتت أخبار الزيت المغشوش تعج بالمواقع الإخبارية وأصبحت الثقة بين الناس معدومة لدرجه كبيره في بيع هذا المنتج وبتنا نخشى على صحة وصحه اطفالنا من تداول هذا الزيت في بيوتنا بعد ان اثبتت فحوصات مخبريه مخاطر الزيت المغشوش على صحه المواطن .
لقد خدشنا سمعه الزيت الاردني العريق بأيدينا بجشعنا بطمعنا بتغولنا على حقوق المزارع الاردني النقي النظيف الذي يبيع منتجه لبعض ضعاف النفوس دون علمه بأن هذا الرجل الفاسد يريد أن يفسد بالأرض ويعيث باهلها فسادا ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين .
فارس غنام

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى