خداع العقل

خداع العقل
د. هاشم غرايبه

علق أحدهم على موضوع يدعو لتطبيق شرع الله، فقال أنا ضد ذلك ومع العلمانية الديمقراطية، لأن في المجتمع مواطنين غير مسلمين سيتضررون.
بالطبع فإن رأي ذلك الشخص، مثل كل معادي الإسلام، ليس عن تمعن وفهم بل عن تعصب مغلق للعقل، مما أورثهم جهلا بالإسلام، فهم لا يعرفون أنه لكل البشر، ويتعامل معهم جميعا في الدنيا وفق قواعد ثابتة، سواء منهم من أطاع الله فأسلم، أو عصاه فكفر.
هؤلاء في سبيل استبعاد تطبيق منهج الله، أعطوا لمفردة الديمقراطية قدسية وتعظيما أكثرمن المقدس الحقيقي، فجعلوها حلم الشعوب، خاصة بعد أن جعلها الإستبداد والتفرد بالسلطة بعيدة المنال.
مصطلح الديمقراطية أصله إغريقي، وجاء من دمج كلمتي: “ديموس” التي تعني الشعب، و”كراتوس” التي تعني السلطة، وبالتالي فإن معناها الأصلي: حكم الشعب لنفسه.
لكن هذا المعنى لم يطبق يوما في الممارسة العملية، ففي أيام الإغريق والرومان كان حق الإنتخاب مقصورا على النخبة، ولم يسمح للعبيد أو النساء بالمشاركة، وحتى بعد إلغاء التمييز رسميا في القرن التاسع عشر، ظل الوصول الى الهيئة الحاكمة مقصورا على النخبة الأرستقراطية، رغم أن ذلك ليس نصا معلنا، لكن تم ترسيخه بجعل الترشيح عملا باهظ الكلفة ولا يتحقق الفوز إلا بالحملات الترويجية الممولة.
إذاً وعمليا ظلت السلطة للطبقة البرجوازية، بمعنى عودة طبقة الإقطاعيين للحكم كما كانت عبر التاريخ، لكن مع غياب الألقاب المميزة للنبلاء مثل : الدوق والكونت والبارون..الخ، وذلك بسبب التحور التمويهي الذي مارسته هذه الطبقة منذ الثورة الصناعية، حينما سيطرت في القرن الثامن عشر بمسماها الجديد (الرأسمالية) على عصب الإقتصاد الأوروبي وهو التصنيع، ولضمان التسويق استولت على التجارة، ولتوسيع الأسواق والحصول على المواد الأولية بأقل الكلف تطورت الى الإمبريالية (الإستعمارية).
شهد القرن التاسع عشراستقرارا سياسيا بفعل لعبة الديمقراطية التي انشغلت بها الطبقات الفقيرة، لكن الإزدهار الإقتصادي لأوروبا تحقق بفضل الحروب الإستعمارية لنهب الأقطار الفقيرة في آسيا وأفريقيا، وليس بفضل النظام الديمقراطي، إلا أن هذا النظام كان مفرغا من معانيه بدليل أنه لم يمنع التقاتل الأوروبي الداخلي فنشبت حربان طاحنتان في القرن العشرين كان وقودهما الطمع الذي أنشأ الظلم.
بعد انتهائهما، نال الإنهاك من الأوروبيين، فتحولوا الى التوافق على التشارك بدل التعارك، وتقاسم الغنائم بدل التقاتل عليها، وظهر زيف النظام الديمقراطي في أوضح صورة حينما تم شن الحروب الإستعمارية الخارجية بتغطية كاملة لأفعال القادة العسكريين البشعة بحق الشعوب التي غزتها، من قِبَلِ المؤسسات التشريعية المنتخبة، فلم يختلف دور مجلس الشيوخ الأمريكي الذي وافق بوش على غزو العراق وأفغانستان وتدميرهما تماما، عن دور مجلس شيوخ روما عام 155 ق.م حينما خولوا الجيش الروماني بتدمير قرطاج وقتل جميع سكانها.
هكذا نرى كيف يمكن تسويق مصطلحات خادعة وإلباسها ملابس مزركشة خلابة، تخفي البشاعة تحتها.
الخلل الأساسي في مبدأ الديمقراطية هو أنها حقيقة لا تراعي التمثيل الحقيقي لرأي الشعب، فالقرارات تؤخذ بالأغلبية، أي هنالك ما لايقل عن نصف المواطنين غير ممثلين، بل يرضخون للقرار الذي يفرضه النصف الثاني.
طبعا سيقفز المخدوعون بخرافة الديمقراطية الأوروبية ويقولون: هل تدعو للديكتاتورية؟.
قطعا لا، لكن أدعو الى عدم الإنخداع بالمسميات الكبيرة، فإذا تبين لنا أن الديمقراطية لا تعني فعليا معانيها فيجب إزالة هالة القدسية عنها..وليس رفضها، بل بإبقائها بحجمها.
أما البديل الأمثل فهو حكم الله والإحتكام الى تشريعاته، وعندها لن تخشى الأقلية من تسلط الأغلبية ولو كانت هذه الأقلية فردا واحدا، فمن يضع القوانين ليس التصويت التمويهي، بل تشريع ثابت عادل بين الجميع، لأنه صادر عن إله الجميع ولا يحابي أحدا من خلقه، بدليل أنه لا يحرم العصاة من نعمه، ولا يمنع الرزق عن معادي منهجه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى