خبز الشعير

#خبز_الشعير

د. #هاشم_غرايبه

هنالك مثل شعبي يقول: “فلان مثل خبز الشعير، مأكول ومذموم”، ويضرب فيمن لا يطلب نفعه إلا حينما ينعدم البديل، لكنه مع ذلك لا يشكر فعله.
هذا المثل يصدق في حالة الأردنيين، فالأردن على صغر حجمه وتواضع مقدراته، إلا أن قدره أوجده على أهم ثغر من ثغور الأمة وأخطرها، كونه في الواجهة المجابهة لعدو الأمة الرئيس، الذي هو متفوق على كل العرب مجتمعين، كونه يحظى بدعم القوى الكبرى وحماية أقوى أقوياء العالم.
وهو الهدف التالي للكيان اللقيط الطامع بالتوسع، ان نجح بابتلاع ما سطا عليه في عام 48، ونال اعترافا من أنظمة العربان بحقه في ذلك.
لم يكن ذلك الحال المائل نتاج تآمر الغرب مع بعض أبناء الأمة في مطلع القرن العشرين فقط، بل إن موقعه الهام متوسطا بين حضارتي وادي النيل وحضارة بلاد الرافدين العريقتين، جعله مكانا استراتيجيا، فظلت السيطرة عليه هدفا للطامعين من الشرق والغرب طوال الحقب التاريخية.
ما نال استقلاله إلا عندما أشرقت شمس الحرية على العرب لأول مرة في تاريخهم ببزوغ فجر الإسلام، كانت الأردن هي الوجهة الأولى لجيوش التحرير، وجرت معركة اليرموك الفاصلة على أرضه، والتي آذنت باندحار الإستعمار الروماني عن كل بلاد الشام.
وفيما اتجه خالد بن الوليد شمالا لإكمال فتح بلاد الشام، لكن الخليفة خصص لأجناد الأردن أربعة جيوش لأهميتها، لذلك نجد أن أكثر بقعة في العالم زاخرة برفات الصحابة الكرام هي أرضه، فمنهم من استشهد فيها لتحريرها، ومنهم من قضى نحبه فيها وهو ينشر الدعوة والعلم.
في بدايات القرن العشرين، وبإسقاط الأوروبيين الدولة الإسلامية الحامية لديار العرب، احتلوها بالكامل، وتمكنوا من شرذمتها بتقسيمة (سايكس – بيكو)، وأرادوا ابقاء الأردن منزوع الاستقلالية الاقتصادية، فكان القطر الوحيد من أقطار بلاد الشام الذي رسمت حدوده مقطوعا عن البحر المتوسط، وأسس الاnجليز بقرار من تشرشل سياسة أن لا تقام فيه قاعدة اقتصادية محلية مرتكزة على الانتاج الاستخراجي أو الصناعي أو الزراعي، مقابل أن تقدم لحكومته مساعدات مالية تكفي لإقامة أوده لابقائه حيا، لكن فقيرا، لكي لا تكون له طموحات استقلال الإرادة والقرار، وبالطبع فذلك ليشكل وسادة حامية للكيان اللقيط الى أن يبلغ أشده.
كان دعم الميزانية في البداية يبلغ عشرة ملايين جنيه استرليني، قدرها الإنجليز أنها تكفي لتسديد رواتب موظفي الدولة، أما الكلف العسكرية فكان تقديرها خاضعا لتقييمات قيادة الجيش التي هي برyـطانية بالطبع، ومحسوبة بدقة بحيث تحفظ الأمن لكن لا تهدد جيش الكيان اللقيط، ويؤكد الملك حسين ذلك في مذكراته، حيث يشكو أن مطالباته المتكررة بالحصول على الطائرات العسكرية لم تلق قبولا، وعندما رضخوا بعد حين، زودوا الأردن بطائرات “هوكر هنتر” قديمة الصنع، ولا يمكنها مجابهة السلاح الجوي المتقدم للعدو.
وفي عام 1956 بعد أن تحولت الرعاية الاستعمارية الى عهدة أمرyـكا، كباقي الأنظمة العربية، بقي الاقتصاد الأردني مرتهنا بالمساعدات، وجرى بيع كل ممتلكات الدولة من مصانع ومناجم ومؤسسات، تحت مسمى الخصخصة، والتي كان ريعها يشكل دخلا قوميا، ليبقى الدخل الوحيد للدولة هو جباية الضرائب من جيوب المواطنين، ليصبح الاقتراض والمنح والمساعدات بندا أساسيا في ميزانية الدولة، وعائقا متناميا سنة بعد سنة، مما ينفي إمكانية الاستقلال الاقتصادي، وبالتالي يكون الإفقار برفع الأسعار والرسوم وسيلة ضغط دائم على المواطن الأردني لأجل فضّه عن الارتباط بالقضية المركزية للأمة، ورضوخه لإملاءات الغرب، كما تكون حجة للدولة بتقبلها لاقامة قواعد أجنبية على أراضيها، لحماية الكيان اللقيط من أية محاولة هجوم جوي عليه، وإحباط لأية محاولة اختراق لحدوده لأنهم يعلمون مدى تعمق المفهوم الجهادي لدى الجندي الأردني، ومدى شجاعته في مجابهة عدو الأمة، لذلك لا يطمئنون لقدرة معاهدات التطبيع على كبح جماح الأرنيين وتوقهم الى استرجاع أرض بلاد الشام التي احتلت.
ولأن الأردن سيبقى أرض الحشد والرباط كما بشر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنه منطلق تحرير فلـsـطين وتوحيد الأمة، لذلك نفهم لماذا كان الدينار الأردني هو العملة الوحيدة في العالم التي ربطت بالدولار، وليس بغطاء اقتصادي محلي، ليرتهن اقتصاده في كف عفريت (الشيطان الأكبر)، فيبقى الأردنيون محاربين في قوتهم، ومضيق عليهم في عيشهم.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى