خاطرة

#خاطرة

د. #هاشم_غرايبه

حقاً لقد جاوز الظالمون المدى، فقد أعملوا حقدهم تقتيلا وتدميرا طوال تسعة أشهر، لم يردعهم فيه ضمير ولا أعراف ولا قوانين، وفي نيتهم إخضاع شعب لجبروتهم وكبرهم، بعد إذ لم ينفع حصار عشرين عاما على تركيعهم، وعلة صمود هؤلاء كانت اعتناقهم عقيدة الله أكبر، التي أعزتهم بعد إذ علمتهم أن لا يركعوا إلا لله.
بعد الفشل الذريع في تحقيق كل ما أمله أهل الباطل والبغي، من دعمه غير المحدود للكيان اللقيط، الذي يمثل مخلب تحالف معسكر الشر في كسر شوكة أهل الحق، والذي يمثل قطاع غزة معقلهم الأخير وعنوان كرامتهم، لم يبق إلا إعلانهم خسارة هذه المعركة، وانكفائهم مدحورين.
وعلمنا التاريخ أن الاندحار عواقبه أشد وطأة من الانهزام عسكريا، فغزوة الأحزاب التي اندحر فيها المشركون والمنافقون، رغم أن ذلك لم يكن بعد مواجهة قتالية طاحنة، لكنها كانت ايذانا بتغير موازين القوة.
كما أن اندحار الألمان عن ليننيغراد لم يكن عن انهزام في مواجهة عسكرية، بل بسبب فشلهم في كسر صمودها، لكنها كانت بداية الانهزام الألماني كله.
العالم الآن بأجمعه ينتظر هذا الإعلان، والذي بات مؤكدا، ولا يؤخره سوى البحث عن صيغة تحفظ ماء الوجوه الكالحة العديدة التي راهنت على هزيمة المقاومة، ولذلك لن تكون الصيغة المعلنة لانتهاء هذه الحملة، باستخدام عبارات صريحة، بل ستكون بإعلان غير معزز بالأدلة والوقائع بالقضاء على القوة الضاربة للمقاومة الإسلامية، وقد يرافق ذلك إجبار النتن ياهو ورهطه على التخلي عن السلطة، وتسليمها لفريق ثان يأملون أنهم سيكونون أقل فشلا.
استباقا لذلك، فعلى أولي الألباب استخلاص العبر واستنباط الدروس من هذه المنازلة التي لن تكون قطعا الأخيرة، وأهمها:
1 – سقطت مقولات كثيرة جرى العمل بدأب على ترسيخها في صميم الذاكرة الجمعية للأمة، وأولها أن هذا الكيان اللقيط الذي زرع في قلب الأمة كشوكة ناتئة، ما كان له أن يبقى كل هذا الوقت، لو كانت هنالك إرادة صادقة لدى أصحاب القرار (الأنظمة السياسية العربية) بإزالته، فالتفوق العسكري لهذا الكيان في أوجه الآن، والدعم الغربي له كاسح وسافر، لكن كل ذلك لم يصمد أمام الإرادة والعزيمة إن كانت مدججة بالعقيدة الإيمانية، فهاهي اليد العارية قد لاطمت المخرز وكسرته.
2 – كما انكشف ادعاء الأنظمة العربية بأن انسحابها في عام 67 واحتلال أجزاء هامة من أراضيها، كان بسبب فقدان الغطاء الجوي، فلم تكن القوة الجوية للعدو آنذاك بهذا التفوق الساحق كما اليوم، وقد كان بالإمكان تحييدها بالدفاعات الأرضية، وكان بمقدور الطيارين العرب تعويض الفارق التقني لطائرات العدو بالشجاعة والبسالة المعروفين بها، وفوق ذلك كله فطيران اليوم يقصف من ارتفاعات عالية، وبذخائر هائلة التدمير، وبدقة عالية معززة بالأقمار الصناعية، ولديه من الأسلحة المتطورة ما يمكنه من تحييد الدفاعات الأرضية والجوية، لكننا رأينا كل ذلك لم ينفع في دعم القوات الأرضية المدججة بالدروع الفائقة المناعة، فقد تمكن المقاومون باستثمار السلاح الأهم وهو الشجاعة والإقدام طلبا للشهادة، تمكنوا بأسلحة يدوية بسيطة من إبطال كل التكنولوجيا المتقدمة التي يختبئ وراءها أفراد العدو خوفا من الموت.
3 – لم تعد من ذريعة للمنبطحين المطبعين، الذين كانوا يخشون أن تصيبهم دائرة، فبادروا الى الاستسلام قبل المواجهة، فهاهم المقاومون قاتلوا بكل ما تمكنوا من صنعه، وصمدوا على الحصار والتجويع، فكافأهم الله بنصره الذي وعد به عباده المؤمنين.
ها قد أصبحت الوصفة واضحة ومثبتتة بالوقائع لكل من أراد لشعبه العيش الكريم، ولوطنه الكرامة والسؤدد، وأخلص النية في صدق ولائه لأمته وليس لأولي نعمته وراء البحار.
تتلخص الوصفة بإخلاص الحاكم في نية خدمة الوطن والمواطن، وليس همُّه الأول الاستئثار بالكرسي وتوريثه، بل استحقاقه عن جدارة وبرغبة من شعبه، وذلك لن يتم إلا باتباع العقيدة التي اختاروها عن قناعة وسيضحون بأنفسهم لأجلها إن لزم الأمر، ويثبت ذلك عمليا وليس ادعاء وتظاهرا، باتباعه منهج الله في الحكم وليس منهج المستعمر.
هذا هو مفتاح النجاح، لأن كل متطلبات النهضة من استقلال سياسي واقتصادي، وارتقاء بالمجتمع علميا وتقنيا سيكون منتجا فوريا.
فعلاوة على أن منهج الله فيه الفلاح والصلاح، فالله ينصر من اتبعه ولواجتمعت عليه كل قوى الشر والجبروت.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى