“حُجّة الامن” في الاردن ونظرية التأهب القصوى / فرح مرقة

تكرار منع إقامة الفعاليات السياسية في العاصمة الاردنية بحجة “الاسباب الأمنية”، قد يكون سببا إضافيا يجعل خبيرا أمنيا من طراز رفيع يتساءل متهكما في جلسة مغلقة مع “رأي اليوم” عن ما يمنع “ترك البلاد للمستوى الامني “، وانهاء المؤسسات.
تساؤل الرجل في الحقيقة جاء في إطار الربط بين تغول تحت عنوان “الامن والامان” على بعض الملفات في الدولة، حتى دون أن تدري المؤسسات المعنية احيانا، بالتزامن مع تآكل البنية النوعية للمؤسساتية في البلاد، لأسباب متعددة.
من وجهة النظر المذكورة، لا يجوز التعامل مع كل صغيرة وكبيرة في الدولة تحت عنوان “الامن”، باعتبار التمادي في استغلال المسؤولية الوطنية لدى الفرد أو المؤسسة قد تؤتي أكلا عكسيا، وقد يشكل تحديات الدولة بغنى عنها.
سلسلة منع فعاليات في العاصمة الاردنية تحت عنوان “المنع الامني” قد تشكل جزءا من الفعل المذكور، خصوصا وجلها (الفعاليات) جاءت تضامنية مع قضايا سياسية أو حتى تأبينية كالفعالية الأخيرة التي كان من المفترض ان تكون تخليدا لذكرى الراحل صدام حسين، إلا أن منعها تم “على طريقة الفجأة” مجددا، وتصدّى لها العراب الابرز لمنع الفعاليات في الاشهر الماضية، محافظ العاصمة خالد ابو زيد ولذات الاسباب الامنية.
قبل الفعالية المذكورة تم منع فعالية للتضامن مع قناة الميادين، وتسييج ساحة المسجد المقابل للسفارة الاسرائيلية لمنع فعاليات تقام فيه، وتسييج ساحة كانت تستخدمها الحركة الاسلامية في بعض فعالياتها، الامر الذي تم جميعه على يد ذات الرجل ولدواعٍ أمنية “غير معلنة”، وتحت حجة “عدم ترخيص الفعالية أيضا” في بعض الاحيان.
بالنسبة لخبراء مقربون من الدولة، فإن “المنع والسماح” لم يكن دوما امنيا فعليا الا ان استخدام “الرعب الامني” اليوم بات واحدا من الاساليب التي تتبعها المؤسسات لتسيير شؤونها وفرض قرارات معيّنة على الشارع الذي يحيى “تناقضا” بين شعوره بالعجز الاقتصادي والكبت السياسي، وتحمّله مسؤولية الحفاظ على الامن الوطني، خوفا من النماذج الموجودة في الاقليم.
رجل الشارع كما السياسي ورجل الامن وغيرهم في الاردن، قد يكونوا منضوين تحت القاعدة العسكرية للتأهب، والتي تتطلب عدم زيادة فترة التأهب القصوى على 72 ساعة، لألا تفرّغ درجة التأهب القصوى من معناها، وبالتالي تبدأ “براعم” ربيع اردني جديد بالظهور كالتي بدأت فعلا قبل اسبوعين حين قرر مجلس الوزراء رفع تسعيرة الترخيص للمركبات واسطوانة الغاز.
في المقابل، تقديرات مواقف من داخل الدولة الاردنية تشير الى “وهن حقيقي” في المؤسساتية، الامر الذي يعيده الخبراء لعدة عوامل منها التضخم في الوظائف والواسطات والمحسوبيات ونقص الكفاءات الناجم عن ضعف التعليم وما إلى ذلك من اسباب بات الحديث فيها “معادا ومكررا”، وهو ما يعيد الى الواجهة أحاديث عدّة عاملين على خطط اصلاحية امتلأت بها الادراج والرفوف.
قبل أيام مثلا، استمعت “رأي اليوم” مباشرة لتقييمات عميقة تتحدث عن “سيول عمان” التي حدثت في الشتوة الأولى التي هطلت على البلاد هذا العام، باعتبارها دلالة مباشرة على “تهتك” المؤسسات الحكومية في الدولة، مع تقييم بكون “إعادة تقوية” مؤسسة كأمانة عمان يحتاج سنوات طويلة لما شهدته من خراب خلال الأعوام الماضية.
ضعف الاداء المؤسساتي، المترافق مع ضيق اقتصادي، في كل مراحل الدولة الاردنية، كان يرافقه “تنفيس″ أمني، الامر الذي بدا جليا في مرحلة الربيع العربي، حين ظهر مفهوم “الامن الناعم” الذي اسهم بطبيعة الحال بعبور عمان دونا عن معظم دول الجوار لموجة الربيع العربي.
الفعالية الاخيرة، الاربعاء، قررت فيها الدولة مجددا منعا “فجائيا”، فأحاطت قوات الدرك بالمكان وارتفعت روح التحدي مع القائمين على الفعالية والحاضرين لها، إلى أن أعلن رئيس مجلس النقباء نقيب المهندسين ماجد الطباع “إلغاء المهرجان الذي كان منوي عقده في مجمع النقابات لإحياء الذكرى التاسعة لإعدام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين حفاظا على وحدة الصف.”
وبُرر قرار المنع لعدم حصول الفعالية على تصريح رسمي من المحافظة لإقامتها، في الوقت الذي ذكرت فيه يومية الغد أن قوات كبيرة من الأمن والدرك حاصرت مجمع النقابات لمنع أي شخص من الدخول إليه من أجل إحياء الذكرى التي صادفت الاربعاء، وبقي الحضور متجمهرين أمام مجمع النقابات حتى إعلان المنظمين إلغاءه.
حادثة كالمذكورة، تضاف إلى قائمة طويلة من الاستفزازات التي تقوم بها الدولة مؤخرا وبصورة تبدو “غير مدروسة” او انفعالية، الامر الذي يتفق في سياقه برلمانيون مع “رأي اليوم” على كونه قد لا يكون محتملا لوقت طويل، خصوصا والشارع ذاته يتململ، لتظهر بعض اشارات على حراكات وشيكة، منها ما قد يكون عريضا على نطاق المعلمين مثلا.
الشارع المحلي لا ينظر فقط اليوم للضيق الاقتصادي والتكميم السياسي، بل يتجاوز ذلك لملاحظة النَّفَس الاستعلائي غير المبرر لبعض المسؤولين الاردنيين في الخطاب والتصرف، ما يزيد من شعوره بالاحباط، ويقرّبه بطبيعة الحال لغليان بدأ يتجلى بأشكال جديدة للجريمة، وبانعدام كامل للثقة في المؤسسات.
بكل الاحوال، الشعور بالاحباط يعمّ الاوساط المختلفة، بما فيها النخب التي تبدو اليوم كمتأكدة من “دور وظيفي” لها في المجتمع فقط، ما تجلّى في تصريح لرئيس مجلس الاعيان الاسبق وواحد من اعمق رجال الدولة الدكتور عبد الرؤوف الروابدة موجّها حديثه لرئيس مجلس النواب السابق عبد الكريم الدغمي “وهل نعلم نحن بما يجري خلف الكواليس؟”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى