حين يتحوّل التطور إلى انحدار

حين يتحوّل #التطور إلى #انحدار

بقلم: #الدكتور_صدام_مقابلة

أي منطق يقبل أن شخصًا لم يتولَّ في مسيرته الأكاديمية رئاسة لجنة طلابية أو قسم علمي صغير، يجد نفسه خلال إجازة تفرغ علمي في جامعة مرموقة يتدرج قفزًا من عميد في السنة الأولى، إلى نائب رئيس في الثانية، ثم مرشح لرئاسة الجامعة في الثالثة؟ هذا مشهد يثير تساؤلات جدّية حول معايير الاختيار، وحدود #العدالة_الأكاديمية، ومصداقية المؤسسات التي يُفترض أن تُدار بالكفاءة والخبرة لا بالمصادفات أو المجاملات.

الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل يتعداه إلى ما هو أشد خطورة. فالشخص المكلف بملف البحث العلمي في منصب نائب الرئيس، ينشر أبحاثه باسم جامعته الأم، لا باسم الجامعة التي يعمل فيها ويُمثلها. هذا السلوك يتناقض مع أبسط قواعد النزاهة الأكاديمية، ويسيء إلى سمعة المؤسسة التي وضعته في هذا الموقع. بل الأكثر إيلامًا أن تُستخدم الصلاحيات الممنوحة له لمحاربة البحث العلمي ذاته، وتهميش المتميزين، والانتقاص من جهودهم حتى عند تكريمهم.

هنا لا نتحدث عن خطأ فردي، بل عن إشكالية بنيوية تمس أخلاقيات البحث العلمي، وتوجّه رسالة سلبية مفادها أن الولاء يتغلب على الكفاءة، وأن الاجتهاد لا مكان له أمام سطوة العلاقات. كيف يمكن لباحث شاب أن يؤمن بقيمة العلم إذا رأى المتميزين يُقصَون، وأصحاب الواسطة يُقدَّمون؟

الأشد إيلامًا أن هذا كله يجري بعلم، وربما بموافقة ضمنية، من مجلس الأمناء، الذي يُفترض أنه الحارس على الجامعة ومصالحها. فإذا كان المجلس يتغاضى أو يصمت، فإن الخلل يصبح مؤسسيًا لا شخصيًا. ومن هنا تبرز المعضلة الحقيقية: ما مصير الجامعات إذا غابت المعايير الرصينة، وحلّ محلها منطق الترضيات والتوازنات؟

إن ما نشهده ليس تطورًا وظيفيًا طبيعيًا، بل تسلّق غير مبرر، يقفز على السلم الأكاديمي بلا تاريخ ولا خبرة. سيناريو كهذا لو عُرض على داروين – صاحب نظرية التطور الطبيعي – لقال ساخرًا: “هذا ليس تطورًا… هذا انحدار وانقراض للعقل والمنطق”.

إنقاذ الجامعات ليس مهمة مستحيلة، لكنه يبدأ من الاعتراف بالخلل، ومن إعادة الاعتبار للكفاءات، ومساءلة كل من أساء استخدام موقعه أو قوّض أخلاقيات البحث العلمي. فالمؤسسات الأكاديمية لا تُبنى بالشعارات ولا بالمناصب الشكلية، بل بالعدالة، والشفافية، والالتزام الصارم بالمعايير.

إذا لم ننتصر لهذه القيم اليوم، فإننا نخاطر بمستقبل جامعاتنا غدًا، ونمنح رسالة محبطة لكل باحث جاد: أن الجهد والعطاء لا قيمة لهما في ميدانٍ تسوده الواسطة ويتحكم فيه المتسلّقون.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى